الدعاء

الشيخ سليمان أبا الخيل

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إنَّ الحمدَ للهِ، نحمَدُه ونَشْكُرُه، ونَسْتَعِينُه ونَسْتَهْدِيهِ ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ به مِنْ شُرُورِ أنفُسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأَشْهَدُ أنَّ محمدًا عَبْدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحابَتِه، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ((١٠٢)) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾ [آل عمران: 102-103].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ((٧٠)) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].

عِبَادَ الله:

إنَّ مِنْ أعظمِ العباداتِ والطاعات والقُرُبات التي يَتَّجِهُ بها العَبْدُ إلى رَبِّه ومولاه عبوديةُ الدعاءِ. يقولُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].

فاللهُ سبحانه وتعالى أَقْرَبُ إلى عَبْدِه من حَبْلِ الوَرِيدِ؛ يَسْمَعُ دعاءَ السَّائِلِينَ، ويُجِيبُ المُضْطَرِّينَ، ويَعْفُو عنِ المُذْنِبِينَ. فهو سبحانه قَرِيبٌ مِنْ عابِدِهِ، وقريبٌ مِنْ دَاعِيهِ؛ فقد أَخْبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ القُدُسِيِّ الذي رواه البخاري ومسلم في «صحيحهما»: «ومَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، ومَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، ومَنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْولَةً».

وقال الله تعالَى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55]. وفي هذه الآية الإشارةُ والإِعْلَامُ بهذا القُرْبِ.

فهذا قُرْبٌ يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وعَظَمَتِهِ، وهو قُرْبٌ حَقِيقِيٌّ لا يُشْبِهُ قُرْبَ المخلوقِ، هو قُرْبٌ خاصٌّ بمَنْ يَعْبُدُه ويَدْعُوه؛ لأنَّه لم يَرِدْ وصْفُ اللهِ به على وجْهٍ مُطْلَقٍ، وليسَ كالمعيَّةِ التي تَنْقَسِمُ إلى خاصَّةٍ وعامَّةٍ.

والدعاءُ شَأْنُه عَظِيمٌ ونَفْعُه عَمِيمٌ، ومكانَتُه في الدِّينِ عاليةٌ، ذلك أنَّه يَتَضَمَّنُ تَوْحِيدَ اللهِ وإفرادَه بالعبادةِ، ويَتَضَمَّنُ عُبُودِيَّاتٍ كُبْرَى مِنْ محبةِ اللهِ، وتعظيمِه، والإيمانِ بما له مِنْ أسماءٍ حُسْنَى وصِفَاتٍ عُلْيَا، وهو طاعةُ للهِ، وامتثالٌ لِأَمْرِه في قولِه: ﴿وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].

فرَبُّ العِبَادِ الخالقُ البارئُ المُصَوِّرُ الذي له الأسماءُ الحُسْنَى، وتَخْضَعُ له الجبابِرَةُ، وهو الغفورُ الرحيمُ، شَدِيدُ العقابِ، يَطْلُبُ مِنْ عِبادِه أنْ يَدْعُوه، وليسَ هذا فَقَطْ؛ بَلْ إنَّه أَوْجَبَ علَى نَفْسِه سبحانَه أنَّ مَنْ دَعَاهُ صادِقًا مُخْلِصًا مُحْسِنَ القَصْدِ؛ استجابَ له، وهـو سبحانه وتعالى القَرِيبُ الوَدُودُ.

والدعاءُ أَكْرَمُ شيءٍ على الله سبحانَه؛ لأنَّه سبحانه وتعالى أَكْرَمُ الأكْرَمِينَ، وأَجْوَدُ الأَجْوَدِينَ، ولذلكَ فهو يُحِبُّ المُلِحِّينَ في الدُّعاءِ.

أَخـْرَجَ الإمـامُ أحمـدُ، والترمـذيُّ، وابنُ ماجـه، وغـيرُهم: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ عز وجل مِنَ الدُّعَاءِ».

ويَتَجَلَّى في الدعاءِ الإخلاصُ والخشوعُ، ويَظْهَرُ فيه صِدْقُ الإيمانِ، وقُوَّةُ التوكُّلِ علَى اللهِ، واعتمادُ القَلْبِ عليه، وهو سَبِيلٌ لِعُلُوِّ الهِمَّةِ، وعِزَّةِ النَّفْسِ؛ لأنَّ الداعيَ يَقْطَعُ اليأسَ مِنَ الخَلْقِ، ويَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ يُنزِل به حاجاتِه.

يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله: «وكُلَّمَا قَوِيَ طَمَعُ العَبْدِ في فَضْلِ اللهِ ورحمتِه لِقَضَاءِ حاجاتِه ودَفْعِ ضَرُورَاتِه، قَوِيَتْ عُبُودِيَّتُه لَهُ، وحُرِّيَّتُهُ ممَّا سِوَاهُ».

وقد أَخْبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيما رواهُ الحافظُ ابنُ حِبَّانَ في «صَحِيحِه» أنَّ مَنْ تَرَكَ الدعاءَ فهو أَعْجَزُ الناسِ.

وتلك مَذَمَّةٌ كُبْرَى لِمَنْ قَصَّرَ في هذه العبادةِ التي عَائِدُها إلى الشَّخْصِ نَفْسِه، فقالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ، وأَعْجَزَ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الدُّعَاءِ».

وبالدُّعاءِ تَكْمُلُ عبوديةُ المَرْءِ، ويَحْصُلُ بذلك انشراحٌ في صَدْرِه، وتَفْرِيجُ هَمِّه، وزَوَالُ كَرْبِه، وتَيْسِيرُ أُمُورِه، فالدَّاعِي رَابِحٌ بِكُلِّ حالٍ، ولَنْ يَخِيبَ في دُعائِه ومسْأَلَتِهِ، فإنَّه إذا دَعَا اللهَ فثَمَرَةُ دُعائِهِ مَضْمُونَةٌ بإِذْنِ اللهِ.

أَخْرَجَ الإمامُ أحمدُ والبخاريُّ في الأدبِ المُفْرَدِ بسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَنْصِبُ وجْهَهُ إِلَى اللهِ يَسْأَلُهُ مَسْأَلَةً إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهَا؛ إِمَّا عَجَّلَهَا لَهُ فِي الدُّنْيَا، وإِمَّا ادَّخَرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مَا لَمْ يَعْجَلْ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، ومَا عَجَلَتُهُ؟ قال: «يَقُولُ: دَعَوْتُ ودَعَوْتُ ولَا أُرَاهُ يُسْتَجَابُ لِي».

وأَخْرَجَ الإمامُ أَحْمَدُ والترمذيُّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو بِدُعَاءٍ إِلَّا آتَاهُ اللهُ مَا سَأَلَهُ، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهُ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ».

ففي هَذَيْنِ الحديثَيْنِ بيانُ مَنْزِلَةِ الدُّعاءِ، وما يَكْسِبُه الدَّاعِي، لكِنْ فِيهِمَا تَقْيِيدُ هذه الثمراتِ بما يَكُونُ سَبَبًا في مَنْعِ الإجابةِ وهي آدابُ الدعاءِ، وقد حَصَرَهَا أَبُو حامدٍ الغزاليُّ رحمه الله في «الإحياءِ»، فقال:

آدابُ الدُّعاءِ عَشَرَةٌ:

الأول: أنْ يَتَرَصَّدَ الأزمانَ الشريفةَ كيَوْمِ عَرَفَةَ، وشَهْرِ رمضانَ، ويومِ الجُمُعَةِ، وليلةِ القَدْرِ، والثلثِ الأخيرِ مِنَ الليلِ، ووَقْتِ الأسْحَارِ.

الثاني: أنْ يَغْتَنِمَ الأحوالَ الشريفةَ، كحالةِ السُّجُودِ، ونُزُولِ الغَيْثِ، وإقامةِ الصلاةِ، وبَعْدَها، ومِثْلُها حالةُ رِقَّةِ القَلْبِ.

الثالث: استقبالُ القِبْلَةِ، ورَفْعُ اليَدَيْنِ.

الرابع: خَفْضُ الصَّوْتِ بينَ المُخَافَتَةِ والجَهْرِ.

الخامس: ألَّا يَتَكَلَّفَ السَّجْعَ، وقد فُسِّرَ به الاعتداءُ في الدعاءِ، والأَوْلَى أنْ يَقْتَصِرَ على الدعواتِ المأثورةِ. وقال بعضُهم: ادْعُوا بلِسَانِ الذِّلَّةِ والافتقارِ، لا بِلِسَانِ الفصاحةِ والانطلاقِ.

ومما يُعد اعتداءً في الدعاءِ: أنْ يَدْعُوَ المرءُ بإِثْمٍ، أو قَطِيعَةِ رَحِمٍ؛ فإنَّ ذلكَ يكونُ عُرضةً لأنْ يُرَدَّ دعاؤُه، كما جَاءَ في الحديثِ الصحيحِ.

السادس: التضَـرُّعُ والخشوعُ والرَّهْبَةُ. قـــالَ اللهُ تعــالَى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ويَدْعُونَنَا رَغَبًا ورَهَبًا﴾ [الأنبياء: 90]. وقَـالَ أيضًا: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55].

السابع: أنْ يَجْزِمَ بالطَّلَبِ، ويُوقِنَ بالإجابةِ، ويَصْدُقَ رجاؤُه فيها.

قال سفيانُ بنُ عيينةَ رحمه الله: «لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ مِنَ الدعاءِ ما يَعْلَمُه مِنْ نَفْسِه، فإنَّ اللهَ تعالَى أَجَابَ شَرَّ المخْلُوقِينَ إبليسَ إذْ قال: ﴿أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ [الأعراف: 14- 15].

وهذا تَوْجِيهٌ لكُلِّ مَنْ خَالَفَ أو أَخْطَأَ خَطَأً كبيرًا أو صغيرًا، أو أَجْرَمَ في حَقِّ نَفْسِه، أو في حَقِّ غيرِه أنْ يَئُوبَ ويَتُوبَ ويَرْجِعَ إلى اللهِ سبحانَه، فسَيَجِدُهُ غَفُورًا رحيمًا، وفي الحديثِ المُخَرَّجِ عندَ الترمذيِّ والحاكمِ وصَحَّحَهُ عنْ أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ القُدُسِيِّ: «يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقِرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا وأَتَيْتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لَأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغْفِرَةً».

الثامن: أنْ يُلِحَّ في الدعاءِ ويُكَرِّرَهُ ثلاثًا، ولا يَسْتَبْطِئَ الإجابةَ.

التاسع: أنْ يَفْتَتِحَ الدعاءَ بِذِكْرِ اللهِ تعالَى، وحَمْدِه، والثناءِ عليه، وبالصلاةِ علَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ويَخْتِمَه بذَلِكَ كلِّه أيضًا.

العاشر: وهو أَهَمُّها والأصلُ في الإجابةِ-: وهو التوبةُ الصادقةُ، ورَدُّ المَظالِمِ، والإقبالُ علَى اللهِ تعالى، والإنابةُ إليه.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ.

.

.

.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ لِلَّـهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ اللهِ، وبَعْدُ:

هذهِ الآدابُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ في قَبُولِ الدُّعاءِ، كالإخلاصِ للهِ وحْدَهُ، والاعتمادِ عليه، وعَدَمِ الإشراكِ به بأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أنواعِ الشِّرْكِ، وأنْ يكونَ التوَسُّلُ مَشْرُوعًا بأسمائِه الحُسْنَى، وصِفاتِه العُلَى، أو بصالحِ الأعمالِ، أو بدعاءِ رَجُلٍ صالحٍ حَيٍّ حاضرٍ.

فلا يَدْعُو إلَّا اللهَ، ولا يَسْتَغِيثُ إلَّا باللهِ، ولا يَتَوَكَّلُ إلَّا علَى اللهِ، ولا يَسْتَعِينُ إلَّا باللهِ، ولا يَذْبَحُ إلَّا للهِ، ولا يَنْذِرُ إلَّا للهِ عز وجل، فقدْ قَالَ اللهُ تعالَى: ﴿ومَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5]، وقَالَ تعالَى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162].

ومِنَ الشروطِ الواجبِ تَوفُّرُها في الدعاءِ:

المتابعةُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والسَّيْرُ على نَهْجِه، وعَدَمُ الخُرُوجِ عَنْ ذلكَ زيادةً ولا نَقْصًا، فَقَدْ قَالَ اللهُ تعالَى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: 31].

ومنها: إطابةُ المَطْعَمِ والمَشْرَبِ كما ثَبَتَ في الحديثِ الصحيحِ: أنَّ مَنْ يَأْتِي يَدْعُو اللهَ سبحانه وتعالى يَمُدُّ يَدَيْهِ: يا ربِّ يا ربِّ، ومَطْعَمُه حرامٌ، ومَأْكَلُه حرامٌ، فأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟!.

وبَعْدُ:فإنَّ الدعاءَ سِلَاحُ المؤمنِ، وله مِنَ الآثارِ والبَرَكَاتِ ما يَدْفَعُ المؤمنَ للإلحاحِ عَلَى اللهِ به، وهذا في دعاءِ المسلمِ لِنَفْسِه، وكذلكَ في دُعاءِ المُسْلِمِ لإخوانِه المسلمينَ.

يقولُ ابنُ القيمِ رحمه الله: «والجميعُ مُشْتَرِكُونَ في الحاجةِ، بَلْ في الضرورةِ إلى مَغْفِرَةِ اللهِ وعَفْوِه ورَحْمَتِه، فكما يُحِبُّ أنْ يَسْتَغْفِرَ له أَخُوهُ، كذلكَ هو أيضًا يَنْبَغِي أنْ يَسْتَغْفِرَ لِأَخِيهِ المسلمِ».

ويَتَأَكَّدُ الدعاءُ في حَقِّ قَرَابَةِ الإنسانِ مِنْ والِدَيْنِ، وأبناءٍ، وزوجاتٍ، وإِخْوَةٍ، وقَرَابَاتٍ، فالأَقْرَبُونَ أَوْلَى بالمعروفِ، وفي حَقِّ عُمُومِ المسلمينَ يَتَأَكَّدُ الدعاءُ لِوُلَاةِ أَمْرِ المسلمينَ الذينَ بِهِمْ - بَعْدَ تَوْفِيقِ اللهِ- تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الدِّينِ والدُّنيا، وتَجْتَمِعُ الكلمةُ، وتُؤْمَنُ السُّبُلُ، وتُقامُ الصلواتُ.

والدعاءُ لهم مِنَ النُّصْحِ لهم، وعائِدُه علَى الدَّاعِي وعلى المسلمينَ، وهذا ما فَقِهَهُ علماءُ السَّلَفِ وقد فَعَلُوه، وأَمَرُوا به، كما نُقِلَ عَنِ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ وعَنِ الإمامِ أَحْمَدَ ، رَحِمَهُما اللهُ تعالى.

وقد سُئِلَ الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ رحمه الله عمَّنْ يَمْتَنِعُ عنِ الدُّعاءِ لِوُلَاةِ الأَمْرِ فقالَ: هذا مِنْ جَهْلِه، وعَدَمِ بَصِيرَتِه، الدعاءُ لِوَلِيِّ الأَمْرِ مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ، وأَفْضَلِ الطَّاعَاتِ، ومِنَ النصِيحَةِ للهِ ولِعِبَادِهِ.

واللهُ المسؤولُ أنْ يُوَفِّقَنا لِدُعَائِهِ، وأنْ يَسْتَجِيبَ لنا، ويَتَقَبَّلَ منَّا ما نَدْعُو به، ونَعُوذُ به مِنْ دُعاءٍ لا يُسْمَعُ، إنَّه سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

عبادَ اللهِ؛ صَلُّوا وسَلِّمُوا على خَيْرِ عبادِ اللهِ، الرحمةِ المُهداةِ، والنِّعْمَةِ المُسْدَاةِ، محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وزِدْ وبارِكْ على نَبِيِّنا محمدٍ، وارْضَ اللهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين، وصَحابَتِه الغُرِّ المَيَامِينِ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أعداءَ الدِّينِ، اللهم اجْعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وسائِرَ بلادِ المسلمينَ.

اللهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنا، وأَصْلِحْ أئِمَّتَنا ووُلَاةَ أُمُورِنا، اللهُمَّ وفِّقْ وليَّ أَمْرِنا خَادِمَ الحرمينِ الشريفينِ سلمانَ بنَ عبدِ العزيزِ وَوليَّ عَهْدِه الأمين بتَوْفِيقِكَ، واكْلَأْنَا وإيَّاهُمْ بِعِنَايَتِكَ ورعايتِكَ، وأَلْبِسْنا وإيَّاهُمْ ثَوْبَ الصِّحَّةِ والعافيةِ، وزِدْنا وإيَّاهُمْ عِزًّا ونَصْرًا وتمْكِينًا وقِيامًا بكِتَابِكَ وبسُنَّةِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم ، وما كَانَ عليه سَلَفُ هذه الأمةِ.

اللهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنا البَوَاسِلَ، ورِجَالَ أَمْنِنا دَاخِلَ البلادِ، وعلى الحدودِ والثُّغُورِ، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ ومَكِّنْ لهمُ، اللهُمَّ ثَبِّتْ قلوبَهُمْ، وارْبِطْ على جأشِهِمْ، واخْذُلْ عَدُوَّهُمْ، وزِدْهُمْ قُوَّةً وبصيرةً، واحْفَظْنَا وإيَّاهُمْ مِنْ بَيْنِ أيْدِينا ومِنْ خَلْفِنا، وعنْ أَيْمَانِنَا، وعَنْ شَمَائِلِنَا، ومِنْ فَوْقِنا، ونَعُوذُ بِكَ أنْ نُغْتَالَ وإيَّاهُمْ مِنْ تَحْتِنا.

اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشقاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشَمَاتَةِ الأعداءِ، وغَلَبَةِ الدَّيْنِ، وقَهْرِ الرجالِ. اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ، والهَمِّ والحَزَنِ والكَسَلِ، اللهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ، لا يَهْدِي لِأَحْسَنِها إلَّا أنتَ، واصْرِفْ عنَّا سَيِّئَها، لا يَصْرِفُ عنَّا سَيِّئَها إلَّا أنتَ، اللهُمَّ زِدْنَا تَوْفِيقًا وعِلْمًا، وارْزُقْنَا الإخلاصَ والاحْتِسَابَ في القولِ والعَمَلِ،

واحْفَظْ بِلادَنا، وأَدِمْ أَمْنَنَا، ورَغَدَ عَيْشِنا، واسْتِقْرَارَنا، وأَبْعِدْ عنَّا كلَّ حاسدٍ وحاقدٍ وفاسِدٍ.

وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ على نَبِيِّنا محمدٍ.