وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر

الشيخ عبدالسلام بن برجس

عباد الله:

إن إتباع الهوى أمر مرفوض في شريعة الإسلام؛ فلا يؤمن أحدكم حتى يكـون هـواه تبعا لما جاء به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - .

واجتناب الهوى من أعظم ما يميز المسلم عن أهل الجاهلية الذين يتبعون هـواهـم بغير حق، «ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله»[القصص: 50].

وإن من أعظم الصور التي تبين اتباع أهل الجاهلية للهوى: بقاءهم دون ولاية تنتظم بها مصالحهم، وتستقر بها أحوالهم، فجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مخالفـا لهـم في هذه الظاهرة، محذرا أشـد التحذير من الفرقة والاختلاف.

يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ في كتابه العظيم (مسائل الجاهلية التي خالف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها أهل الجاهلية):

«الأولى: أنهم يشركون بالله - سبحانه وتعالى ـ؛ فجاء الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ بالإخلاص لله - سبحانه وتعالى -

والثانية: أنهم متفرقون في دينهم ودنياهم، فخالفهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجـاء بـالاجتماع؛ «أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه» [الشورى: ۱۳ ]

قال: «والثالثة: أن مفارقة ولي الأمر عز وشرف، وأن السمع والطاعة ذل وحقارة؛ فخالفهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وأمر بالسمع والطاعة، وحث على ذلك، وأبدى فيها وأعاد».

قال ـ رحمه الله ـ :

وهذه الأمور الثلاثة لم يقع خلل في دين الناس ولا في دنيـاهـم إلا بسبب التفريط فيها أو في بعضها.

وصدق ـ وأيم الله ـ؛ فإن من تأمل التاريخ ونظر في أحوال الأمم؛ لم يجد فسادا للدين والدنيا سوى هذه الأسباب الثلاثة، ولذا؛ فإن الشارع الحكيم أمر بلزوم جماعة المسلمين، فحث على ذلك، ورغب فيه، وشدد تشديدا كبيرا في مفارقة الجماعة، حتى رتَّب على مفارق الجماعة عقابا شديدا صارما.

فمن ذلك: أن من فارق الجماعة ومات قبل أن يتوب، فإنه يموت كحال أهل الجاهلية، وهذا أعظـم مـا يكـون في الوصف المقيت.

يقول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ كما في حديث ابن عباس الذي أخرجاه في (الصحيحين): «من خرج من السلطان شبرا؛ مات ميتة جاهلية»، أي: أنه يموت حين يموت كحال أهل الجاهلية؛ يرون أن الإمامة ذل، وأن السمع والطاعة ذل، وأن الخروج على هذه القيود فخر واعتزاز!!.

ومن ذلك ـ أيضا ـ: أن من فارق الجماعة؛ فليس له حُجة يحتج بها عند الله يوم القيامة.

واسمعوا هذه القصة التي دارت بين عبد الله بن مطيع وعبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ يظهـر لـكـم ذلـك جليا: لما خرج عبد الله بن مطيع على يزيد بن معاوية، جاءه عبد الله بن عمر، فلما رآه ابـن مـطيـع قـال لأصحابه: «اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة ، فقال ابن عمر : «لم آتك لأجلس؛ وإنما أتيتك لأحدثك حديثا سمعته مـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - يقول: «من خلع يدا من طاعة؛ لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة؛ مات ميتة جاهلية».

ومن ذلك: أن مفارق الجماعة لا يُسأل عنه، ولا يؤبه له؛ لعظيم خطيئته، وكبير جرمه؛ فقد روى الإمام أحـد في (المسند) عن فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ أنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ قال: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجـل فـارق الجماعة، وعصى إمامه، ومات عاصيا».

ومن ذلك : أن من فارق الجماعة؛ فإنه مع الشيطان، وإن الشيطان معه؛ يقول عرفجة بن شريح - رضي الله عنه -: «سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: «ستكون بعدي هنات وهنات؛ فمن رأيتموه فـارق الجماعة أو يريد أن يفرق بين أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم -؛ فاضربوا عنقه كائنا من كان؛ فإن يد الله مـع الـجـمـاعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يرتكض».

ومن ذلك ـ أيضا ـ: أن من فارق الجماعة دمه حلال مسفوح؛ يقول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ كما في حديث ابـن مسعود: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنّفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».

ومن ذلك ـ أيضا ـ: أن من فارق الجمـاعـة؛ فإنه عرض نفسه لأن يـنـطـبـق عـليـه وصـف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مـن أنـه قـد خـلـع ربـقـة الإسلام من عنقه؛ ففي (المسند) عن الحارث الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم - قال: وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: آمركم بالجماعة، وبالسمع، والطاعة، وبالـهـجـرة، والـجـهـاد في سبيل الله؛ فإن من خرج من الـجـمـاعـة قيد شبر؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع».

فاعرفوا ـ عباد الله ـ هذه النصوص النبوية، وتأملوها كثيرا، واحذروا حال أولئك الذين شابهوا أهـل الجاهلية، والذين رضوا أن تكون ميتتهم كميتة أهل الجاهلية.

عباد الله:

اتقوا الله - سبحانه وتعالى ـ حق التقوى، وراقبوه ـ سبحانه وتعالى ـ فيما ولاَّكـم عـلـيـه مـن تـربيـة أبنائكم، والقيام عليهم بما يصلحهم في الدين والدنيا، وتعهدوهم في أفكارهم وفي أعمالهم؛ فإن تعهدهم في ذلك يُحْمِدُكم العاقبة في دينكم ودنياكم.

إن كثيرا من الناس لا يعتني بالاطلاع على ما ينطوي عليه فكر ابنه، ولا ما يحمله مـن مبـادئ، وهذا شر وخيم، يورث الوالد الهلكة في الدين والدنيا كما يورد الابن.

فاتقوا الله ـ عباد الله ـ، وأصلحوا أولادكم، واعتنوا بفـكـرهـم، وربوهم تربية إسلامية، واجعلـوا كـتـب أهـل العلم الناصـحـيـن بين أيديهم، اجعلوا كتب شيخ الإسلام مـحمـد بـن عبـد الوهاب ـ رحمه الله ـ بين أيديهم.

واجعلوا كتب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله ـ بين أيديهم، وكذلك كتب ابن القيم، وابن رجب، وسائر علماء الدعوة ـ رحمهم الله تعالى -؛ فإن هذه الكتب وأمثالها هي التي تنور الأفكار وتحفظها ـ بأمر الله تعالى وبإذنـه ـ مـن السقوط في المهاوي والمهالك.