الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمَدُه ونَشْكُرُه، ونَسْتَعِينُه ونَسْتَهْدِيهِ ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ به مِنْ شُرُورِ أنفُسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأَشْهَدُ أنَّ محمدًا عَبْدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحابَتِه، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ((١٠٢)) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾ [آل عمران: 102-103].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ((٧٠)) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
عِبَادَ الله:
إنَّ الله سبحانه وتعالى جَوَادٌ كَرِيم، غَفُورٌ رَحِيم، يَمْتَنُّ على عبادِهِ بأيامٍ مُبَارَكَةٍ؛ يَغْفِرُ فيها الذُّنوبَ، ويجيبُ فيها الدُّعَاءَ، ويَعْتِقُ فِيهَا العبادَ مِنَ النارِ، ويُضَاعِفُ فيها الجزاءَ على العَمَلِ الصَّالِحِ، ويومُ عَرَفَةَ مِنْ أَفْضَلِ الأيَّامِ عِنْدَ اللهِ عز وجل بل هو أَفْضَلُهَا على الإطلاقِ؛ فهو يومُ إكمالِ الدِّينِ وإتمامِ النِّعْمَةِ ويومُ المغفرةِ الكُبْرَى؛ لِذَا فإنَّ حَدِيثِي إليكُم سَيَكُونُ عن فَضَائِلِ هذا اليَوْمِ العَظِيمِ، وما يَجِبُ على المؤمِنِينَ فِعْلُه، وما أعدَّ اللهُ لِـمَنْ أَحْسَنَ العملَ في هذا اليَوْمِ.
أَيُّها المؤمِنُون:
إنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ لَهُ فَضَائِلُ مُتَعَدِّدَةٌ:
- منْهَا: أنَّه يَوْمُ إِكْمالِ الدِّينِ وإِتْمامِ النِّعْمَةِ:
فَقَدْ ورَدَ في الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَعُمَرَ رضي الله عنه : (يَا أَمِيرَ الْـمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ في كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا؛ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ، لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ . قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ والْـمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ).
- ومِنْها: أنَّه عِيدٌ لأَهْلِ الإسلامِ:
كما قَالَهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه وابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ فَإِنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «نَزَلَتْ في يَوْمِ عِيدَيْنِ؛ يَوْمِ الجُمُعَةِ ويَوْمِ عَرَفَةَ».
ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «وَكِلَاهُمَا بِحَمْدِ اللهِ لَنَا عِيدٌ». فهوَ عيدٌ لجميعِ المسلمينَ، وعِيدٌ لأَهْلِ المَوْقِفِ خَاصَّةً.
- ومِنْها أن الله أَقْسَمَ بِهِ في كِتَابِهِ:
فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ الشَّفْعُ الَّذِي أَقْسَمَ اللهُ به في كِتَابِهِ، وأَنَّ الوَتْرَ يَوْمُ النَّحْرِ، وقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِن حَدِيثِ جَابِرٍ، خَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ والنَّسائِيُّ في تَفْسِيرِهِ.
وقِيلَ: إِنَّهُ الشَّاهِدُ الَّذِي أَقْسَمَ اللهُ به في كِتابِه، فقـال تَعَالى: ﴿وشَاهِدٍ ومَشْهُودٍ﴾ [البروج: 3]، وفي المُسْنَدِ عَنْ أبي هُريرةَ مَرْفوعًا ومَوْقُوفًا: «الشَّاهِدُ يَوْمُ عَرَفَةَ، والمَشْهُودُ يَوْمُ الجُمُعَةِ».
وخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِن حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا: «الشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ والمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ».
وعلى هذا فإذا وقَعَ يَوْمُ عَرَفَةَ في يَوْمِ الجُمُعةِ فَقَد اجتمَعَ في ذلك اليَوْمِ شَاهِدٌ ومَشْهودٌ.
- ومنها: أَنَّهُ أَفْضَلُ الأَيَّامِ:
فَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ».
وذَهَبَ إلى ذلك طَائِفةٌ من العُلماءِ، ومِنْهم مَن قَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ الأَيَّامِ، لِمَا جاءَ في الحديثِ الآخَرِ: «أَعْظَمُ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ النَّفْرِ».
- ومِنْهَا: أَنَّهُ يَعْدِلُ عَشْرَةَ آلافِ يومٍ:
فَقَد رُوِيَ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أنَّهُ قالَ: «كَانَ يُقَالُ: يَوْمُ عَرَفَةَ بِعَشَرَةِ آلَافِ يَوْمٍ».
- ومنها أَنَّه يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ:
وذلك كما وردَ عند بعضِ السلفِ كعُمَرَ وغَيْرِهِ.
- ومنها: أنَّ صِيامَهُ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ:
فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ والَّتِي بَعْدَهُ».
- ومنها: أنَّهُ يَوْمُ المغْفِرَةِ الْكُبْرَى:
فَهُوَ يَوْمُ مَغْفِرةِ الذُّنوبِ والتَّجَاوُزِ عَنْهَا، والعَتْقِ مِنَ النَّارِ، والمُباهَاةِ بأَهْلِ المَوْقِفِ، وفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الثَّابِتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبِيدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ؟».
وفي روايةٍ أُخْرَى قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا».
وفي حَديثِ جَابِرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلَ عِنْدَ اللهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى ععِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ جَاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَرْجُونَ رَحْمَتِي، ولَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ أَكْثَرُ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ».
- ومِنْهَا أنه يومٌ يَذِلُّ فيه الشيطانُ:
ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُو فِيهِ أَصْغَرُ ولَا أَدْحَرُ ولَا أَحْقَرُ ولَا أَغْيَظُ مِنْهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، ومَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وتَجَاوُزِ اللهِ عَنِ الذُّنوبِ العِظَامِ، إِلَّا مَا رُؤِيَ يَوْمَ بَدْرٍ، قِيلَ: ومَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ؟ قالَ: رَأَى جِبْرِيلَ عليه السلام وهُو يَزَعُ المَلَائِكَةَ».
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُمْ.
.
.
.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحمْدُ للَّـهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وبَعْدُ:
عِبَادَ الله:
مَن طَمعَ في العِتْقِ مِن النَّارِ ومَغْفِرَةِ ذُنوبِهِ في يَوْمِ عَرَفَةَ فَلْيُحَافِظْ عَلَى الأَسْبَابِ الَّتي يُرْجَى بِهَا العِتْقُ والمَغْفِرَةُ، ومِنْهَا:
- صِيامُ ذَلِكَ اليَوْمِ:
وقد تَقَدَّمَ حديثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمامُ مسلمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ والَّتِي بَعْدَهُ».
- ومنها: حِفْظُ جَوارِحِهِ عَنِ المُحَرَّمَاتِ:
فَفِي الحديثِ الصَّحِيحِ الثَّابِتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ ولِسَانَهُ غُفِرَ لَهُ».
- ومنها: الإِكْثارُ مِن شَهادةِ التَّوحيدِ بإِخْلاصٍ وصِدْقٍ:
فإنها أَصْلُ دِينِ الإِسْلامِ الذي أَكْمَلَهُ اللهُ تَعَالى في ذلك اليَوْمِ وأَسَاسُهُ؛ وهي سَبِيلُ النَّجَاةِ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
وقَدْ ورَدَ في الصَّحِيحِ أنَّ أَكْثَرَ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وهُو عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». وخَرَّجَهُ التِّرْمِذيُّ، ولَفْظُهُ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا والنَّبِيُّونَ مِن قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، وهُو عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
وعِنْدَ الإمامِ أَحْمَدَ من حديثِ الزُّبيرِ بنِ العَوَّامِ قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو بعَرَفَة يَقْرَأُ هذه الآيةَ: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُو والمَلائِكَةُ وأُولُو الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: 18] الآيةَ، ويقول: «وأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ يَا رَبِّ».
فتَحْقِيقُ كَلِمةِ التوحيدِ يُوجِبُ عِتْقَ الرِّقابِ، وعِتْقُ الرِّقابِ يُوجِبُ العِتْقَ من النارِ، كما ثَبَتَ في الصَّحِيحِ «أنَّ مَن قَالَها مِائةَ مَرَّةٍ كَانَ لَهُ عِدْلُ عَشْرِ رِقَابٍ».
وثَبَتَ أيضًا: «أَنَّ مَن قَالَها عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةً مِنْ ولَدِ إِسْمَاعِيلَ».
وفي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وغَيْرِه، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ يُمْسِي: اللهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ ومَلَائِكَتَكَ وجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ ورَسُولُكَ. أَعْتَقَ اللهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ، ومَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللهُ نِصْفَهُ مِنَ النَّارِ، ومَنْ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَعْتَقَ اللهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ، ومَنْ قَالَهَا أَرْبَعَ مِرَارٍ أَعْتَقَهُ اللهُ مِنَ النَّارِ».
- ومنها: أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً إِنْ أَمْكَنَهُ:
فَإِنَّ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ.
كَانَ حَكِيمُ بنُ حِزَامٍ رضي الله عنه يَقِفُ بعَرَفَةَ ومَعَهُ مِئةُ بَدَنَةٍ مُقَلَّدَةٍ، ومِئةُ رَقَبَةٍ، فَيُعْتِقُ رَقِيقَهُ، فَيَضِجُّ النَّاسُ بِالبُكَاءِ والدُّعَاءِ، ويَقولونَ: رَبَّنَا هَذَا عَبْدُكَ قَدْ أَعْتَقَ عَبِيدَهُ ونَحْنُ عَبِيدُكَ فَأَعْتِقْنَا.
- ومِنْهَا: كَثْرَةُ الدُّعَاءِ بِالمَغْفِرَةِ والعِتْقِ:
فإنه يُرْجَى إجابةُ الدُّعاءِ فِيهِ؛ وذلك لسَعَةِ رَحْمَةِ اللهِ في هَذَا اليَوْمِ؛ فاللهُ يَعْفُو عَنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وصَغَائِرِها إذا أَقْبَلَ صاحِبُها مُخْلِصًا في تَوْبَتِهِ لله عز وجل؛ فَيُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ والآثَامِ والمعَاصِي، ويُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ فَهُوَ الْقَائِلُ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: 70].
عبادَ اللهِ صَلُّوا وسَلِّمُوا على خَيْرِ عبادِ اللهِ، الرحمةِ المُهداةِ، والنِّعْمَةِ المُسْدَاةِ، محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وزِدْ وبارِكْ على نَبِيِّنا محمدٍ، وارْضَ اللهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين، وصَحابَتِه الغُرِّ المَيَامِينِ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أعداءَ الدِّينِ، اللهم اجْعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وسائِرَ بلادِ المسلمينَ.
اللهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنا، وأَصْلِحْ أئِمَّتَنا ووُلَاةَ أُمُورِنا، اللهُمَّ وفِّقْ وليَّ أَمْرِنا خَادِمَ الحرمينِ الشريفينِ سلمانَ بنَ عبدِ العزيزِ ووليَّ عَهْدِه الأمين بتَوْفِيقِكَ، واكْلَأْنَا وإيَّاهُمْ بِعِنَايَتِكَ ورعايتِكَ، وأَلْبِسْنا وإيَّاهُمْ ثَوْبَ الصِّحَّةِ والعافيةِ، وزِدْنا وإيَّاهُمْ عِزًّا ونَصْرًا وتمْكِينًا وقِيامًا بكِتَابِكَ وبسُنَّةِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم ، وما كَانَ عليه سَلَفُ هذه الأمةِ.
اللهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنا البَوَاسِلَ، ورِجَالَ أَمْنِنا دَاخِلَ البلادِ، وعلى الحدودِ والثُّغُورِ، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ ومَكِّنْ لهمُ، اللهُمَّ ثَبِّتْ قلوبَهُمْ، وارْبِطْ على جأشِهِمْ، واخْذُلْ عَدُوَّهُمْ، وزِدْهُمْ قُوَّةً وبصيرةً، واحْفَظْنَا وإيَّاهُمْ مِنْ بَيْنِ أيْدِينا ومِنْ خَلْفِنا، وعنْ أَيْمَانِنَا، وعَنْ شَمَائِلِنَا، ومِنْ فَوْقِنا، ونَعُوذُ بِكَ أنْ نُغْتَالَ وإيَّاهُمْ مِنْ تَحْتِنا.
اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشقاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشَمَاتَةِ الأعداءِ، وغَلَبَةِ الدَّيْنِ، وقَهْرِ الرجالِ. اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ، والهَمِّ والحَزَنِ والكَسَلِ، اللهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ، لا يَهْدِي لِأَحْسَنِها إلَّا أنتَ، واصْرِفْ عنَّا سَيِّئَها، لا يَصْرِفُ عنَّا سَيِّئَها إلَّا أنتَ، اللهُمَّ زِدْنَا تَوْفِيقًا وعِلْمًا، وارْزُقْنَا الإخلاصَ والاحْتِسَابَ في القولِ والعَمَلِ، واحْفَظْ بِلادَنا، وأَدِمْ أَمْنَنَا، ورَغَدَ عَيْشِنا، واسْتِقْرَارَنا، وأَبْعِدْ عنَّا كلَّ حاسدٍ وحاقدٍ وفاسِدٍ.
وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ على نَبِيِّنا محمدٍ.