الـخـطـبـة الأولــى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أما بعد:
فإن خيرَ الكلام كلامُ الله وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون:
في محكم التنزيل ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأَحۡزَابِ ٢١].
في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله ﷺ أجودَ الناس وكان أجودَ ما يكون حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة).
عباد الله:
هذا من أخلاقه ﷺ الجميلة وسجاياه الحميدة وخصاله العظيمة الجليلة وهذه الخصلة من تأملها بان له عدة أمور:
(١) أحدها أن من كان دأبه العناية بالقرآن تلاوة وتدبرا وعملا ظهر فيه أثر هذه العناية فأصبح هذا من التطبيق في حياته العملية التي يفيدها المسلم من العناية بالقرآن الكريم.
(٢) الأمر الثاني التميز الخاص في رمضان الذي هو شهر القرآن فانظروا -هدانا الله وإياكم إلى مراشد الأمور ورزقنا جميل التأسي بكتابه وسنة رسوله ﷺ - كيف كان محمد ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة حين يلقاه أخوه جبريل ﷺ فيدارسه القرآن، وفي هذا النهج القويم والسلوك الجميل من رسول الله ﷺ حث للمسلم على أن يبادر إلى كل عمل صالح يرجو به أن ينال عند الله الزلفى وحسن المئاب وعظيم الثواب والأجر الجزيل.
عباد الله:
وهذا الخلق الذي هو خلق الإنفاق والجود والكرم والبذل والمعروف والبر والإحسان ما يجمع بين قلوب المؤمنين على المحبة والتآلف والتآزر والتناصر فيكون المؤمن مع المؤمن في عسره ويسره، وشدته ورخائه، وسعته وضيقه، فيتعاهد إخوانه الفقراء، والمعسرين والمساكين والمعوزين والملهوفين، بالنوال والغوث وتخفيف المصاب وقد جاءت أحاديث عن نبينا ﷺ تزيد هذا الجانب في نفس المؤمن قوة.
ومنها ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (( ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا )).
وفي المسند وسنن الترمذي من حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: (( أيها الناس أَفْشُوا السَّلامَ وأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الأَرحامَ وصَلُّوا بالليل والناسُ نيامٌ تَدْخُلوا الجَنَّةَ بِسَلام )).
فبادر أيها المسلم في هذا الشهر العظيم متأسيا بنبيك ﷺ إلى قضاء حاجات ذوي الحاجات والتخفيف عن المعسرين وإغاثة الملهوفين وقضاء حاجات المحتاجين تنل عند الله سبحانه وتعالى مضاعفة الحسنات وتكفير السيئات ورفيع الدرجات والله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا وهو المستعان وعليه التكلان.
.
.
.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ورب الطيبين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد ولد آدم أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا على مر الأيام والليالي والشهور والسنين أما بعد:
فيا أيها المسلمون في الصحيح عن نبيكم ﷺ أن الصدقة على القريب فيها أجران أجر الصدقة وأجر الصلة.
عباد الله:
أخرج الترمذي وصححه من حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (( إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ عبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا وعلمًا فَهوَ يتَّقي ربَّهُ فيهِ ويصلُ فيهِ رحمَهُ ويعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فَهذا بأفضلِ المنازلِ ، وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ علمًا ولم يرزقْهُ مالًا فَهوَ صادقُ النِّيَّةِ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فأجرُهما سواءٌ، وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا ولم يرزقْهُ علمًا يخبطُ في مالِهِ بغيرِ علمٍ لا يتَّقي فيهِ ربَّهُ ولا يصِلُ فيهِ رحمَهُ ولا يعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فهو بأخبَثِ المنازلِ ، وعبدٍ لم يرزقْهُ اللَّهُ مالًا ولا علمًا فَهوَ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ فيهِ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فوزرُهما سواءٌ )).
أيها المسلمون:
في هذا الحديث يظهر لكم أن الناس أربعة أصناف:
(١) صنف هو الغني الشاكر الذي رزقه الله من العلم ما يحمله على أن يؤدي الحقوق الواجبة فيما آتاه الله من المال وأنعم عليه.
(٢) والثاني فقير صابر صادق النية عازم على أن يؤدي إلى كل ذي حق حقه لو كان عنده من المال فالأول نال عند الله أفضل المنازل بعمله الحسن وبشكره الله على ما أنعم به عليه والثاني نال هذه الدرجة الرفيعة والمنزلة العظيمة بنيته الصادقة.
(٣) الصنف الثالث غنيٌّ بَطِرٌ همه شهوة بطنه وفرجه لا يعرف الحقوق الواجبة عليه ولا يعبأ بها ولا يبالي بها إنما شأنه أن يأكل ويتمتع فقط ولا يسعى فيما آتاه الله من المال للآخرة سعيها فذلكم تردى وهلك فهو بأخبث المنازل.
(٤) والرابع فقير بطر عازم على السوء عازم على البخل بما آتاه الله من المال وألا يؤدي ما يجب عليه من حق الله فيه فالأول تردى بسوء عمله وتخبطه في ماله والثاني تردى فوصل إلى أخبث المنازل بنيته الخبيثة.
فاتقوا الله أيها المسلمون وأحسنوا كما أحسن الله إليكم وسارعوا فيما آتاكم الله من الأهل والمال والجاه وغير ذلك من نعم الدنيا فاسعوا للآخرة سعيها.
واعلم أيها المسلم أن جزاء الإحسان هو الإحسان والله سبحانه وتعالى حكيم في شرعه يؤتي الحكمة من يشاء ويرزق من يشاء الرشد ويلهمه التقوى فاسعوا يا عباد الله إلى ما يقربكم إلى الله زلفى ويعينكم على التقوى واعلموا أنكم بين يدي ربكم موقوفون وعلى تفريطكم نادمون وبأعمالكم مجزيون فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هزاها وتمنى على الله الأماني.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.