واجب المواطن في الحفاظ على أمن الوطن

الشيخ سليمان أبا الخيل

الخُطْبَةُ الأُولَى: 

إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُه ونَشْكُرُه، ونَسْتَغْفِرُه ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحْدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه، وعلى آلِهِ وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ((102)) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾  [آل عمران: 102-103].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ((70)) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾  [الأحزاب: 70-71].

أمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ:

إنَّ الأَمْنَ أَغْلَى المطالِبِ وأَنْفَسُها، وأَهَمُّ الضروراتِ وأَعْظَمُها، فبِالْأَمْنِ تُصَانُ النفوسُ والأديانُ، وتُحْفَظُ الأموالُ والأعراضُ والأنسابُ، وتُقَامُ الحضاراتُ، وتَتَطَوَّرُ الدُّوَلُ وتُهَابُ، وتَتَحَقَّقُ مقاصِدُها، فتحقيقُ الأَمْنِ للبشريةِ مِنْ أَعْظَمِ وظائفِ الرسُـلِ والأنبياءِ، ومِنْ أَهَمِّ مَقَاصِدِ الكُتُبِ.

إنَّ تحقيقَ الأَمْنِ لا يَقْتَصِرُ نَفْعُهُ وفائدَتُه على عِمارَةِ الدنيا وصَلاحِهَا؛ بلْ لا تَسْتَقِيمُ العبادةُ ويَكْتَمِلُ نظامُها إلَّا باسْتِتْبَابِ الأمنِ وظُهُورِهِ، فالصلاةُ التي هي عَمُودُ الدِّينِ وقِوامُهُ، لا تَكْتَمِلُ إلَّا بالأَمْنِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 239].

ففقْدَانُ الأَمْنِ سَبَبٌ في نَقْصِ العباداتِ، واخْتِلَالِ كَمَالِها.

وَأَمْنُ الْأَوْطَانِ لَا يُصَانُ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى رِجَالِ الْأَمْنِ الْـمُكَلَّفِينَ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الدَّوْلَةِ فَحَسْبُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَتَضَافَرَ الْجُهُودُ كُلُّهَا لِلْحِفَاظِ عَلَى الْأَمْنِ الْعَامِّ، وسَلَامَةِ الْأَوْطَانِ، فَالْـمُوَاطِنُ أَيْضًا عَلَيْهِ واجِبَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجَاهَ وطَنِهِ ومِنْهَا الْقِيَامُ بِحَقِّ حِفْظِ الْأَمْنِ والْأَمَانِ، والْـمُسَاهَمَةُ في تَثْبِيتِ دَعَائِمِهِ.

وبلادنُا بلدُ الأمنِ والأمانِ؛ شَهِدَ بذلكَ ربُّ العزَّةِ سبحانه في كتابِهِ الكريمِ فقالَ:

﴿أَولَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا ويُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: 67]، وقال:   ﴿وهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [التين: 3] ، إلى غَيْرِ ذلكَ مِنَ الآياتِ. وفي صَحِيحِ مسلمٍ عَنْ جابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ».

وقالَ سبحانَه: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 3 - 4].

وفي هذه الآياتِ دلالةٌ على أنَّ الرزقَ لا يَتَحَقَّقُ إلَّا في ظِلِّ أَمْنٍ ولا يَهْنَأُ المرءُ ولا يَتَنَعَّمُ بالأرزاقِ إلَّا حِينَمَا يَتَحَقَّقُ الأمنُ في الأوطانِ، ومِنْ هُنا فإنَّ المسْؤولِيَّةَ تَعْظُمُ تُجاهَ هذا المُكْتَسَبِ الضروريِّ والمرتكزِ الأساسِ لكُلِّ أُمَّةٍ ودَوْلَةٍ كيفَ لا وهو ضَرُورَةٌ كُبْرَى لإقامةِ حَيَاةِ الناسِ؟! لِذَا تَشْتَرِكُ الأممُ كُلُّها في طَلَبِه، والسَّعْيِ لِتَحْصِيلِهِ.

وَهَذَا إِنْ دَلَّ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَسْؤولِيَّةَ الْأَمْنِ في هَذِهِ الْبِلَادِ خَاصَّةً، وفِي غَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ تَقَعُ عَلَى عَاتِقِ كُلِّ مُوَاطِنٍ يَسْكُنُ الْبَلَدَ، ويَطْعَمُ خَيْرَهَا، ويَتَنَعَّمُ بِنَعِيمِهَا.

والأُمَمُ يُقَاسُ رَغَدُ عَيْشِها وسَعَادَتُها ونُمُوُّها وتَقَدُّمُها بِقَدْرِ ما حَقَّقَتْهُ مِنْ أَمْنٍ لشُعُوبِهَا، ولا عَجَبَ، فَقَدْ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَّنَمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»، أيْ: فكأَنَّما جُمِعَتْ له الدنيا كُلُّها. فالأَمْنُ في الذُّرْوَةِ مِنَ المطالِبِ، وهو السنامُ مِنَ المقاصِدِ.

إنَّ هذه البلادَ المملكةَ العربيةَ السعوديةَ قامَتْ على ما جاءتْ به شَرِيعَةُ اللهِ عز وجل مِنَ العَدْلِ والرحمةِ والخيرِ والفَضْلِ، وبِسَبَبِ ذلكَ، وبما قَامَ به الملكُ عبدُ العزيزِ رحمه الله تَبَدَّلَ الجهلُ عِلْمًا ونُورًا، والفَقْرُ غِنًى، والعَطَشُ رِيًّا، والجوعُ شِبَعًا، والخوفُ أَمْنًا وارِفًا، وأَمْانًا وطُمَأْنِينَةً، واستقرارًا ورَغَدًا في العيشِ، يَقُولُ اللهُ عز وجل:   ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وآتَوُا الزَّكَاةَ وأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ولِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 41].

لقد حَرَصَ الملكُ عبدُ العزيزِ بنُ عبدِ الرحمنِ رحمه الله على تَطْبِيقِ كُلِّ مبادئِ الشريعةِ وأُصُولِها المُسْتَمَدَّةِ مِنَ المنبَعَيْنِ الصافِيَيْنِ، والمصدَرَيْنِ الأصلِيَّيْنِ للإسلامِ، كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، ومِنْ هذينِ المَعْلَمَيْنِ الرئيسِيَّيْنِ والأساسَيْنِ تَنْبُعُ ضَمَانَاتُ البقاءِ والنُّصْرَةِ، ويَتَحَقَّقُ تَبَعًا لذلكَ العَدْلُ وإقامةُ شَعَائِرِ اللهِ، ونُصْرَةُ دِينِ اللهِ، مع الأَخْذِ بمُعْطَيَاتِ الحضارةِ، وأدواتِ التطوُّرِ والارتقاءِ، وحينئذٍ يَطْمَئِنُّ الشعبُ إلى هذا الحُكْمِ القائمِ بهذه الأصولِ، ويَكْتُبُ اللهُ عز وجل بينَ الراعِي والرعيةِ الأُلْفَةَ والمحبَّةَ والتعاوُنَ والتناصُحَ والتكاتُفَ، وتَظْهَرُ الوَحْدَةُ في أَجْلَى مَعَانِيها، قائمةً على هذه المبادِئِ والأُسُسِ التي هي حُكْمُ اللهِ وشَرْعُهُ.

وإلى هذا السِّرِّ المَكِينِ يُعْزَى ما نَرَاهُ مُتَجَسِّدًا في واقِعِنَا إلى يَوْمِنا هذا، وسَيَظَلُّ بإِذنِ اللهِ؛ حيثُ نَرَى اللُّحْمَةَ قَوِيَّةً متينةً بينَ الحُكَّامِ والمحكومينَ، يَنْطَلِقُونَ في ذلكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ، ويَتَعَبَّدُونَ للهَ بذَلِكَ.

لكنْ على الرغمِ من ذلك هناك مَنْ يَسْتَهْدِفُ أَمْنَ هذه البلادِ ووَحْدَتَها، سواءٌ كان ذلك بالانحرافِ في جَانِبِ المبادئِ والأفكارِ أو في جَانِبِ الأخلاقِ والسلوكِ المُدَمِّرِ المتمَثِّلِ في المُخَدِّرَاتِ والمُنْحَدَرَاتِ والأخلاقِ السيئةِ التي يُسْتَجَرُّ إليها شَبَابُنا بأساليبَ مَاكِرَةٍ وطُرُقٍ شَيْطَانِيَّةٍ، تُمثِّلُ أعظمَ المخاطِرِ والمُهَدِّداتِ، وهي في جَانِبِهَا الفكريِّ جُذُورٌ امْتَدَّتْ، وأُصُولٌ ظَهَرَتْ، لا يُمْكِنُ التهوينُ مِنْ شَأْنِها أوِ التحقيرُ؛ بلْ يَجِبُ أنْ نُوَاجِهَهَا باجتماعٍ وتعاضُدٍ يُضَيِّقُ هذه الفُرَصَ الآثمةَ، ويَحُولُ دُونَ مُرَادِ هذه الأَنْفُسِ الضالةِ المنحرفةِ.

وإنَّ المَوْقِفَ الشرعيَّ الصريحَ المبنيَّ على المنْقُولِ والمعقولِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ قَدْرًا مُشْتَرَكًا لَدَى جميعِ العقلاءِ بإدراكِ الخطرِ مِنْ كِلَا الجانبينِ، والتعاونِ والتعاضُدِ والتكاتُفِ، انْطِلاقًا مِنْ تَعْظِيمِ النصوصِ، وقَبُولِ مَدْلُولِها الذي هو شَأْنُ المؤمنينَ، تلكَ النصوصُ التي أَوْجَبَتِ التعاونَ على البِرِّ والتَّقْوَى، وتَعْظِيمَ قَدْرِ الولايةِ، وحِفْظَ هَيْبَتِها والتكاتُفَ ضِدَّ أيِّ مُبْطِلٍ أو مُجْرِمٍ أو مُنْحَرِفٍ ثم حِفَاظًا على أَعَزِّ المطالِبِ، وأَثْمَنِ النِّعَمِ ما هو قَوَامُ الحياةِ الإنسانيةِ كُلِّها، وأساسُ الحضارةِ المدنِيَّةِ أَجْمَعِها، ما لا يُمْكِنُ أنْ يَهْنَأَ العيشُ بِدُونِهِ، ما هو مَسْؤولِيَّتُنا جميعًا أفرادًا أو جماعاتٍ، إنَّه الأَمْنُ بمعناهُ الشامِلُ، الذي في ظِلِّهِ تُحْفَظُ النفوسُ، وتُصَانُ الأعراضُ والأموالُ، وتَقُومُ الدعوةُ إلى اللهِ، فيَجِبُ على كُلٍّ مِنَّا أنْ نُقَاوِمَ كلَّ مَظْهَرٍ يُخَلْخِلُه أو يُسَبِّبُ زَوَالَهُ، وإذا اضْطَرَبَ الأَمْنُ لا قَدَّرَ اللهُ ظَهَرَتِ الفِتَنُ، وكَثُرَ الخَبَثُ، والْتَبَسَ الحقُّ بالباطلِ، وعَمَّتِ الفَوْضَى، وهَلَكَ الناسُ، أفَيَرْضَى عَاقِلٌ فَضْلًا عَنْ أنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أنْ تَظْهَرَ بَوَادِرُ هذا الهلاكِ، والفسادِ العريضِ؟!.

يُقَالُ هذا الكلامُ حِينَما يَسْعَى بَعْضُ أصحابِ الأهواءِ وأَتْبَاعُ الجماعاتِ والأحزابِ جَاهِدِينَ لإحراجِ هذه البلادِ المبارَكَةِ حماها اللهُ، والتأثيرِ بالوسائلِ التي أَصْبَحَتْ بِسَبَبِ استخدامِها في جَانِبِهَا السلبيِّ مفاتِيحَ للفِتَنِ، مِنْ شَبَكَاتٍ ووسائطَ وغَيْرِها، وتَأْتِي قِمَّةُ الانحرافِ، وأسُّ الفِتَنِ، حينما لم يَسْلَمْ مِنْ تأثِيرِهِمْ أَحَدٌ؛ حتَّى تَطَاوَلُوا على وُلَاةِ الأَمْرِ، وصَوَّرُوا الواقِعَ بشَكْلٍ لا يَمُتُّ للحقيقةِ بِصِلَةٍ في أساليبَ ماكِرَةٍ، وطُرُقٍ مُلْتَوِيَةٍ؛ بل وقَلْبٍ للحقائقِ، زَاعِمِينَ أنَّ مَوَاقِفَ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ تُجَاهَ تلكَ الحملاتِ التصحيحيةِ اعتداءٌ وظُلْمٌ، وسَعْيٌ في الفسادِ والإفسادِ، ولَعَمْرُ اللهِ إنَّ هذا هو الافتراءُ والسُّقُوطُ في الفِتْنَةِ، وفي مِثْلِ هذه التخبُّطَاتِ المُظْلِمَةِ سِيَّما مِنْ أصحابِ الأهواءِ والتوَجُّهَاتِ الحزبيةِ يَحْصُلُ الضررُ والخَطَرُ.

أسألُ اللهَ لي ولكُمُ التوفيقَ والسدادَ، وأستغفرُه لي ولكُمْ مِنْ سَائِرِ الذنوبِ، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

.

.

.

الخُطْبَةُ الثانيةُ: 

الحمدُ للهِ رَبِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ على رسُولِهِ الأمينِ، محمدِ بنِ عبدِ اللهِ عليه أفضلُ الصلاةِ وأتَمُّ التسليمِ.

إنَّ ما قَامَتْ به هذه البِلَادُ المباركةُ مِنْ تصحيحٍ لأوضاعِ المخالِفِينَ لأنظمةِ الإقامةِ لَهُوَ عَيْنُ المصلحةِ، وأُسُّ الحكمةِ، وهذا مِنْ واجِبَاتِهَا، ومِنْ أَبْرَزِ حقوقِ مُوَاطِنِيهَا والمُقِيمِينَ على أَرَاضِيَها؛ ضَبْطًا للأنظمةِ، وإعطاءً لكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، وهذا هو شَأْنُ دُوَلِ العالَمِ، وفيها مِنَ المصالِحِ العظيمةِ المتحقِّقَةِ للمقيمينَ؛ حتَّى يُؤَدُّوا واجِبَاتِهِمْ، ويُعْطَوْا حُقُوقَهُمْ، ويَعِيشُوا آمِنِينَ، وكلُّ المؤثِّرَاتِ والأخطاءِ والإساءةِ لهم إنَّما تَحْدُثُ لهم فِيمَا لو كَانُوا مُخَالِفِينَ، ومَنْ يَنْظُرُ في التدرُّجِ الذي حَصَلَ بشأنِ هذه المسألةِ الأمنيةِ الفكريةِ السياسيةِ الاقتصاديةِ الاجتماعيةِ؛ يَجِدُ أنَّ مَنْطِقَ الدولةِ هو تحقيقُ الضَّبْطِ والعدالةِ مع تَغْلِيبِ الرحمةِ والإنسانيةِ عِنْدَئذٍ يُدْرِكُ الجميعُ أنَّ اللهَ قَدْ حَفِظَ هذه البلادَ وهَيَّأَ لها هؤلاءِ القادةَ الأوفياءَ ووَفَّقَهُمْ وسَدَّدَهُمْ فيما فَعَلُوهُ وقَرَّرُوهُ ولقدْ كَانَتِ ناجِحَةً، فأَمْنُ الوَطَنِ خَطٌّ أَحْمَرُ، وقد سَاهَمَتْ في القَبْضِ على كلِّ عابِثٍ يُحاوِلُ نَشْرَ صُوَرِ الفسادِ، وجَعَلَتْ كُلَّ مُتَرَبِّصٍ للقيامِ بعَمَلٍ مُخَالِفٍ للشَّرْعِ والأنظمةِ تحتَ الرِّقابَةِ، وقَدَّمَتْ كُلَّ جانٍ للعَدَالَةِ الشرعيةِ، ولها مِنَ المنافعِ التي سَيَعُودُ أَثَرُها ونَفْعُها على المواطنِ أَوَّلًا، وعلى المُقِيمِ ثَانِيًا الكثيرُ والكثيرُ.

وإنَّ المسؤوليةَ عَلَيْنَا كمُوَاطِنِينَ ومُقِيمِينَ على هَذَا الثَّرَى الطاهِرِ والبَلَدِ المبارَكِ أنْ نَعْرِفَ نِعَمَ اللهِ عليها وأنْ نَلْتَزِمَ بهذه الأنظمةِ التي صَدَرَتْ مِنْ ولِيِّ الأمرِ؛ لِمَا فيها مِنَ المصلحةِ الراجِحَةِ، فهي مِنَ المصالحِ المُرْسَلَةِ التي يُرَاعِيهَا الإمامُ، فتَجِبُ طاعَتُه فيها للمَصْلَحَةِ المظنونةِ في الْتِزَامِها والمفسدةِ المتوقعةِ عِنْدَ عَدَمِ ذلكَ.

وقد نَصَّ العلماءُ على أنَّ لِوَلِيِّ الأمرِ تَقْيِيـدَ المباحِ كالبَيْعِ والشراءِ والإجارةِ، إذا كَانَ في ذلك مَصْلَحَةٌ عامةٌ، فكيفَ إذا كَانَ البَقَاءُ مفاسدَ وانحرافاتٍ ومُسَبِّبَاتٍ للجَرَائِمِ والضياعِ؟! فهنا لم يَعُدِ الأَمْرُ مِنْ قَبِيلِ تَقْييدِ المُبَاحِ فحَسْبُ؛ بل صَارَ مِنْ رِعَايَةِ المصالحِ الكُبْرَى. وأوامرُ وُلَاةِ الأَمْرِ يَجِبُ التقيُّدُ بها والتعَبُّدُ للهِ؛ ما دَامَتْ تَصُبُّ في مَصْلَحَةِ البلادِ.

وأخيرًا: ما قُلْتُه في هذه الخُطْبَةِ هو جُزْءٌ مِنْ هذا الواجِبِ، وأداءٌ لِحَقِّ الولايةِ، والمسؤوليةُ عَظِيمَةٌ، وأسألُ اللهَ أنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا دِينَنَا وأَمْنَنَا، وأنْ يَرُدَّ عنَّا كيدَ الكائِدِينَ، وإرهابَ المُعْتَدِينَ، وضَلَالَ المُضِلِّينَ، وأنْ يُوَفِّقَ وُلاةَ أَمْرِنا إلى ما فيه الصلاحُ والإصلاحُ، إنَّه سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

عِبَادَ الله، صَلُّوا وسَلِّمُوا على نَبِيِّ الهُدَى والرحمةِ، محمدِ بنِ عبدِ الله صلى الله عليه وسلم، تسليمًا كثيرًا؛ لأنَّ مَنْ صَلَّى عليه صلاةً واحدةً صَلَّى اللهُ بها عليه عَشْرًا، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وزِدْ وبَارِكْ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجمعينَ، وارْضَ اللهمَّ عَنِ الخلفاءِ الراشدينَ، الأئمةِ المهدِيِّينَ أبي بكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ وعَلِيٍّ، وسائرِ الصحابةِ أجمعينَ.

اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أعداءَكَ أعداءَ الدِّينِ، اللهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أئِمَّتَنا وولاةَ أُمُورِنا، واجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خافَكَ واتَّقَاكَ، واتَّبَعَ رِضَاكَ يا رَبَّ العالمينَ.

اللهُمَّ وفِّقْ وليَّ أَمْرِنا خَادِمَ الحرمَيْنِ الشريفَيْنِ سلمانَ بنَ عبدِ العزيزِ، ووَلِيَّ عَهْدِه بتَوْفِيقِكَ، واكْلَأْنا وإيَّاهُمْ بعِنَايَتِكَ ورعايَتِكَ، وأَلْبِسْنا وإيَّاهم ثَوْبَ الصحةِ والعافيةِ، وزِدْنا وإيَّاهُمْ عِزًّا ونَصْرًا وتمكينًا، وقِيَامًا بكِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم، اللهُمَّ احْفَظْ علينا دِينَنَا وعَقِيدَتَنا ووَطَنَنَا وأَمْنَنَا وولاةَ أَمْرِنا وعلماءَنا وأبناءَ مُجْتَمَعِنا، اللهُمَّ مَنْ أرادَنا وأرادَ الإسلامَ والمسلمينَ بسُوءٍ فَاشْغَلْهُ بنَفْسِه، واجْعَلْ كَيْدَه في نَحْرِهِ، ودَمِّرْه يا رَبَّ العالمينَ.

والحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ على نَبِيِّنا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.