حسن الخلق

الشيخ سليمان أبا الخيل

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إنَّ الحمدَ للهِ، نحمَدُه ونَشْكُرُه، ونَسْتَعِينُه ونَسْتَهْدِيهِ ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ به مِنْ شُرُورِ أنفُسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأَشْهَدُ أنَّ محمدًا عَبْدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحابَتِه، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (١٠٢) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾ [آل عمران: 102-103].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ٧٠ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].

عِبَادَ الله:

ليسَ شَيْءٌ أَثْقَلُ في مِيزَانِ العبْدِ يومَ القيامَةِ من خُلُقٍ حَسَنٍ كما قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ؛ ولنا فيه صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حَسَنَةٌ؛ فَهُو أحسنُ الناسِ أخلاقًا؛ شَهـِدَ له بذلك ربُّ العِـزَّةِ سبحـانه حِـينَ قـالَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم: ﴿وإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [سورة القلم: 4].

وفي الصَّحيحِ: «أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَدِمَ عَلَى أُمِّ الْـمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَ: يَا أُمَّ الْـمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْقُرْآنَ. قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ، ولَا أَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ».

وَالمَقْصُودُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَمْتَثِلُ كلَّ خَيْرٍ دلَّ عليهِ القرآنُ، ويبتَعِدُ عن كلِّ شَرٍّ نهى عنهُ؛ سواءٌ كانَ ذلكَ في العِبَاداتِ بَيْنَهُ وبينَ رَبِّه، أم في المُعَامَلاتِ بينَهُ وبين النَّاسِ؛ فالقرآنُ هو الدستور الذي قَامَتْ عليه حياةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم .

والآيَـاتُ الَّـتِي تَـدْعُو إِلَى الامْـتِثَـالِ بحُـسْنِ الخُـلُقِ كَثِـيرةٌ؛ مِنْـهَـا قـولُ اللهِ سبحانه وتعالى: ﴿خُذِ الْعَفْو وأْمُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [سورة الأعراف: 199]؛ فَمَعْنَى ﴿خُذِ الْعَفْو﴾ ؛ أيِ: اتْرُكْ ما عَفَا وزَادَ من أَخْلاقِ النَّاسِ وأَقْوَالِهم وأَعْمَالِهم؛ فلا تُطَالِبْهم بما لا يُحْسِنُونَ ولا يَسْتَطِيعُونَ.

ومعنى: ﴿وأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ ؛ أي: مُرْ بالمعْرُوفِ وانْهَ عنِ الـمُنْكَرِ، وأَعْرَفُ المعروفِ هو التَّـوْحِيدُ وإِخْـلَاصُ العبادةِ لِلَّـهِ عز وجل ؛ يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ومَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات: 56].

ويَـقُـــولُ اللهُ سبحانه وتعالى: ﴿ومَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [سورة البينة: 5].

وَيَقُــولُ سُبْحَــانَه: ﴿والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ والْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[آل عمران: 134].

ويـقــولُ: ﴿ولْيَعْفُوا ولْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22]، ويقولُ: ﴿وعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63].

ويقـولُ: ﴿ولَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ ولَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَدَاوةٌ كَأَنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ﴾[فصلت: 34].

فَكُلُّ هذه الآياتِ وغيرُها الكثيرُ في كِتَابِ اللهِ؛ المُسْتَفَادُ منها ضَرُورَةُ التزامِ الإنسانِ بالخُلُق الحَسَنِ؛ فَإِنَّهُ السبيلُ إلى محبَّةِ النَّاسِ في الدنيا بَعْدَ الخُصُومَةِ، كما أنَّهُ كذلك السبيلُ إلى مَغْفِرَةِ اللـه، وجَنَّتِهِ يومَ القِيَامَةِ.

معنى حسن الخلق:

وَحُسْنُ الخُلُقِ معناه كَفُّ الأذى، وبَذْلُ النَّدَى، وتَحَمُّلُ الأذى. وقِيلَ: إنَّ معنى حُسْنِ الخُلُق هو العَمَلُ بكلِّ مَحْمُودٍ، وتَرْكُ كلِّ مَرْذُولٍ. وقيل: إنَّهُ فِعْلُ المأموراتِ، وتَرْكُ الـمَنْهِيَّاتِ. وقد أكَّدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على فَضْلِ الخُلُقِ الحَسَنِ، والْتِزَامِه بكلِّ أشكالِهِ وأنواعِهِ.

ففي الصَّحِيحِ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُهَا، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا».

وَقالَ في الحَـدِيثِ الـمَـرْوِيِّ عن عائشـةَ رضي الله عنها وأَرْضَـاها: «إِنَّ الْـمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ».

وتَأَمَّلُوا في هَذَا الحَدِيثِ، فإنَّ الإنسانَ إذا كانَتْ أخلاقُه حَسَنَةً، وتَعَامَلَ تَعَامُلًا طَيِّبًا مع أَهْلِه وجِيرَانِه وأبناءِ مُجْتَمَعِه، فإنَّهُ بذلكَ يُدْرِكُ ما لا يُدْرِكُه الَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ ويقومُ اللَّيْلَ؛ فَهِيَ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ ومنزلةٌ رَفِيعَةٌ.

وقد طَبَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الأَمْرَ تطبيقًا فعليًّا، واتَّخَذَهُ مَنْهَجًا له سَلَكَهُ في كلِّ شُؤونِ حياتِهِ؛ في مُبْتَدَأ سِيرَتِه، وفي وسَطِها، وفي مُنْتَهَاها.

يَقُولُ أنسُ بنُ مَالِكٍ رضي الله عنه كَمَا جاءَ في الحديثِ الصَّحِيحِ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ؛ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، ومَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ؟ ولَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: لِمَ تَرَكْتَهُ؟ وكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، ولَا مَسَسْتُ خَزًّا قَطُّ، ولَا حَرِيرًا، ولَا شَيْئًا كَانَ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولَا شَمَمْتُ مِسْكًا قَطُّ، ولَا عِطْرًا كَانَ أَطْيَبَ مِنْ عَرَقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقَدْ كانتِ الجاريةُ تأخذُ بَيَدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وتذهَبُ به إلى أعالِي المدينةِ؛ فَلَا يَتْرُكُ يَدَها حَتَّى هِيَ تَتْرُكُ يَدَهُ، ويمرُّ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بالصِّبْيَةِ فيُسَلِّمُ عَلَيْهِم ويُمَازِحُهُمْ.

وأركانُ الخُلُقِ الحَسَنِ كَثِيرةٌ؛ كالعَدْلِ والعِفَّةِ والصَّبْرِ والشَّجَاعَةِ، وإنَّنَا في هذا الزَّمَنِ في حاجةٍ ماسَّةٍ إلى أن نَتَعَرَّفَ على مبَادِئِ حُسْنِ الخُلُقِ ونَقُومَ بها ونُطَبِّقَها، لأننا نعلمُ يقينًا أنَّ دينَ اللهِ العظيمِ لم يَنْتَشِرْ في مَشَارِق الأرضِ ومغارِبِها إلا بما تَعَامَلَ به المسلمونَ مع مَنْ قَابَلُوهُمْ في كلِّ أصْقَاعِ المعْمُورَةِ؛ من أمانةٍ وإخلاصٍ في العِبَادة والقَوْل والتَّعامُل والصِّدْقِ، وغيرِ ذلك مما هو مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ.

واعْلَمُوا عبادَ اللهِ:

أن حُسْنَ الخُلُقِ يكونُ فِطْرِيًّا، ويكون أيضًا مُكْتَسَبًا؛ يدلُّ على ذلك ما ثَبَتَ في «صحيح مُسْلِمٍ» من حديث أَشَجِّ عَبْدِ قَيْسٍ لما وفَدَ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْـحِلْمُ، والْأَنَاةُ».

وَفِي رِوَايةٍ أنَّ أَشَجَّ عَبْدِ قَيْسٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمِ اللهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: «بَلْ جَبَلَكَ اللهُ عَلَيْهِمَا»، قَالَ: الْـحَمْدُ لله الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ ورَسُولُهُ.

مما يدلُّ على أنَّ الأخلاقَ تُكْتَسَبُ وتُسْتَجْلَبُ بالـمِرَانِ والصَّبْرِ والـمُثَابَرَةِ والبحثِ والتَّرَوِّي، وكلِّ ما يُعِينُ على التَّلَبُّسِ بها، والقيامِ بحقِّهَا.

بَارَكَ اللهُ لي ولَكُمْ في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعَنِي وإيَّاكُمْ بما فيه من الآياتِ والذِّكْرِ الحكيمِ؛ أستغفرُ اللهَ لي ولَكُمْ، فاستغفِرُوه إِنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

.

.

.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحمدُ لِلَّـهِ ربِّ العالمينَ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ على نبيِّنَا محمَّدٍ، وعلى آلهِ وصَحْبِه أَجْمَعِينَ.

عِبَادَ الله:

إن الـمُتَأَمِّلَ في شريعةِ اللهِ يرى أنها لم تَتْرُك شارِدَةً ولا وارِدَةً ولا صَغِيرةً ولا كَبِيرةً إلا بُيِّنَتْ من خلالِ كِتَابِ اللهِ، وسُنَّةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك يقولُ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه :

(تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ ، وما طَائِرٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا عِنْدَنَا مِنْهُ عِلْمٌ).

وإنَّ مِنَ الأمورِ العظيمَةِ الَّتِي أتمَّها اللهُ لنا وأَكْمَلَهَا وبيَّنَهَا بَيَانًا شَافِيًا هي الأخلاقُ والآدابُ الَّتِي حثَّنا عَلَيْهَا اللهُ ورسولُهُ صلى الله عليه وسلم، ولا شَكَّ أن لهذهِ الأخلاقِ آثارًا عَجِيبةً على القلوبِ وعلى النُّفُوسِ؛ على الأفرادِ وعلى المجتمعاتِ، فَمِنْ آثارِها:

أَولًا: تقويةُ الصِّلَةِ باللـه عز وجل؛ لأنَّ القائمَ بحُسْنِ الخُلُقِ هو مُطِيعٌ للهِ سبحانه وتعالى، مُتَقَرِّبٌ إليه بفِعْلِ كل ما أَمَرَهُ به، واجتنابِ ما نَهَاهُ عَنْهُ.

ثَانِيًا: أنَّ حُسْنَ الخُلُق طَرِيقٌ إلى التَّعَاونِ على البرِّ والتَّقْوى، والبُعدِ عن التَّعَاوُنِ على الإثمِ والعُدْوانِ: وإنَّنَا بحاجةٍ قَوِيَّةٍ في مثل هذه الأَزْمِنَةِ المتأخِّرَةِ إلى أن نتعاونَ على البِرِّ والتَّقْوَى، وإنَّ مما يقودُ إليه ويَسُوقُنَا إلى تَحْقِيقِه هو حُسْنُ الخُلُقِ.

ثَالِثًا: ومنها القيـامُ بواجبِ الوالِـدَيْنِ: اللَّـذَيْنِ قـال الله فيهما: ﴿وقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [سورة الإسراء: 23]؛ وذَلِكَ بِبِرِّهِمَا والعَمَلِ على طاعَتِهِمَا في غير معصيةِ اللهِ، وإنَّكَ عند التأمُّلِ لَتَرَى أنَّ أفضلَ الناسِ أخلاقًا هو أَبَرُّهُمْ بِوَالِدَيْهِمْ.

رَابِعًا: القيامُ بِحُقُوقِ الآخَرِينَ وواجباتِهِمْ منَ الأقربين وغيرهم: مِنْ عامَّةِ النَّاسِ، ووُلَاةِ الأُمُورِ الَّذِينَ أوجبَ اللهُ عَلَيْنَا لَهُمْ السَّمْعَ والطاعَةَ. يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [سورة النساء: 59].

وَفِي الحديثِ الصَّحِيحِ عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قال: بَايَعْنَا عَلَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا ومَكْرَهِنَا، وعُسْرِنَا ويُسْرِنَا وأَثَرَةً عَلَيْنَا، وأَلَّا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَواحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ».

وَعَلَيْهِ؛ فإنَّ لأئمَّةِ المسلمينَ مِنْ وُلَاةِ الأمرِ والحُكَّامِ بيعةً شرعيَّةً وسَمْعًا وطاعةً في غير معصية الله، وقيامًا بكلِّ ما أَوْجَبَهُ الله عَلَيْنَا تِجَاهَهُمْ وتقديرَهُم واحترامَهُم وإجلالَهُم، كما كان السَّلَفُ الصالِحُ يفعلونَ ذلك، أَضِفْ إلى ذلِكَ النصيحةَ لهم في السِّرِّ، وإبلاغَهُم عمَّنْ يَرُومُونَهم بِسُوءٍ.

وكذلك العَمَلُ على النُّصْحِ لهم فيما يَتَعَلَّقُ بِعُمَّالِهم، ومَنْ ولَّوْهُمْ أمورَ المسلمينَ، وإنَّ ذلك إذا قُمْنَا به وأَدَّيْنَاهُ عَلَى ما أرَادَ اللهُ ورسولُهُ؛ فإنَّ إيمانَنَا وأمانَنَا وأَمْنَنَا واستقرارَنَا سَيَزْدَادُ بإذنِ الله.

الأَمْرُ الخَامِسُ: الشُّكْرُ للهِ على ما أنعم بهِ على العَبْدِ: فإنه مِن أَكْمَلِ الأخلاقِ وأحسنِها؛ لأن النِّعَمَ بالشكرِ تَدُومُ، ولأن اللهَ عز وجل ورسولَـهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بذلك، وإنَّنَا نرى أن بعضَ الناسِ قد يَغْفَلُ عن هذا، ولا يشكرُ اللهَ؛ لا قَوْلًا ولا فِعْلًا، بل قد يُسْرِفُ في المآكلِ والمشارِبِ والأقوالِ والأفعالِ فيَقَعُ في المحْذُورِ.

الأَمْرُ السَّادِسُ: البُعدُ عن الغِيبةِ والنَّمِيمَةِ وكلِّ خُلُقٍ ذَمِيمٍ: لأنَّ ذَلِكَ هو ما يَدْعُو إليه حُسْنُ الخُلُق، ويجعلُ الإنسانَ مُسْتَبْرِئًا في أُمُورِ دينِهِ ودُنْيَاهُ؛ يَلْقَى اللهَ عز وجل بصَفْحَةٍ بيضاءَ منَ الذُّنُوبِ والمآثِمِ، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ إلا مَنْ أَتَى اللـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

عِبَادَ الله:

صَلُّوا وسَلِّمُوا على نبيِّنَا محمدٍ عَلَيْهِ أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ؛ فإنَّ مَنْ صَلَّى عليه صلاةً واحِدَةً صَلَّى اللهُ بِهَا عَلَيْهِ عَشْرًا.. اللهُمَّ صلِّ وسَلِّمْ وزِدْ وبَارِكْ على نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلهِ وصحابَتِهِ أجمعِينَ، وارضَ عنِ الخُلَفَاءِ الراشدينَ؛ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ ياربَّ العالمينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ودَمِّرْ أَعْدَاءَك أعداءَ الدِّينِ، واجْعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ. اللهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وولاةَ أُمُورِنا، واجْعَلْ وِلَايَتَنَا فيمَنْ خَافَك واتَّقَاكَ واتَّبَعَ رِضَاك يا ربَّ العالمِينَ.

اللهُمَّ وفِّقْ وليَّ أَمْرِنَا خادمَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ سَلْمَانَ بْنَ عَبْدِ العزيزِ وسُمُو وليِّ عَهْدِه الأمين الأميرَ محمَّد بْن سَلمان بنِ عبد العزيز حَفِظَهُما اللهُ بِتَوْفِيقِكَ، واكْلَأْنَا وإيَّاهُمْ بِعِنَايَتِكَ ورِعَايَتِك، وأَلْبِسْنَا وإيَّاهُمْ ثوبَ الصِّحَّةِ والعافيةِ، وزِدْنَا وإيَّاهُم تَوْفِيقًـا وعِـزًّا ونَصْـرًا وتمكينًـا، وقيامًـا بكتـابِ اللهِ وسُنَّـةِ رسولِـهِ صلى الله عليه وسلم، وما كانَ عَلَيْهِ سَلَفُ هذه الأُمَّةِ.

اللهُمَّ اهْدِنَا لأحسنِ الأخلاقِ والأقوالِ والأعمالِ؛ لا يهدي لِأَحْسَنِهَا إلا أنتَ، واصْرِفْ عنَّا سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عنَّا سَيِّئَهَا إلا أنتَ.. اللهُمَّ كما حَسَّنْتَ خَلْقَنَا فَحَسِّنْ أخلاقَنا، واجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ ولا مُضِلِّينَ.

اللهُمَّ إِنَّا نسألُكَ الهُدَى والتُّقَى والعَفَافَ والغِنَى والقَصْدَ في الفَقْرِ والغِنَى، وكَلِمَةَ الحقِّ في الغضَبِ والرِّضَا، وخشيَتَكَ بالغيبِ والشهادةِ.

اللهُمَّ طهِّر قُلُوبَنا منَ النِّفَاقِ، وأعمالَنا منَ الرِّياءِ، وألسنَتَنَا منَ الكَذِبِ، وأَعْيُنَنَا منَ الخيانَةِ، اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بك من جَهْدِ البلاءِ ودَرَكِ الشَّقَاءِ وسُوءِ القَضَاءِ وشماتَةِ الأَعْدَاءِ، وغَلَبَةِ الدَّيْنِ وقَهْرِ الرِّجَالِ. اللهُمَّ إنا نَعُوذُ بكَ منَ الجُبْنِ والبُخْلِ والهَمِّ والحَزَنِ والكَسَلِ. اللهُمَّ احْفَظْنَا بالإسلامِ قَائِمِينَ، واحْفَظْنَا بالإسلامِ قَاعِدِينَ، واحْفَظْنَا بالإسلامِ رَاقِدِينَ، ولا تُشْمِتْ بنا الأعداءَ ولا الحاسدينَ.

اللهُمَّ انْصُرْ رجالَ أَمْنِنَا وجُنُودَنَا البواسِلَ في الحُدُودِ والثُّغُورِ ووَسَطِ البلادِ، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ على عَدُوِّكَ وعَدُوِّنا وعَدُوِّهِم، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ على عَدُوِّكَ وعَدُوِّنا وعَدُوِّهِم، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ على عَدُوِّكَ وعَدُوِّنا وعَدُوِّهِم.

اللهُمَّ مكِّن لهم، اللهُمَّ ثَبِّتْ قُلُوبَهُم، اللهُمَّ ارْبِطْ على جَأْشِهِم، اللهُمَّ ارْفَعْ مَعْنَوِيَّاتِهم، اللهُمَّ اجْعَلْ مَا يَقُومُونَ به من دِفَاعٍ عن بلادِ الإسلامِ والمسلمينَ وقِبْلَةِ المسلمينَ وبِلادِ الحَرَمَيْنِ في ميزان حَسَنَاتِهم، اللهُمَّ اجْعَلْ عَمَلَهُمْ جِهَادًا في سبيلِكَ يَا رَبَّ العالمِينَ.

وآخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ على نبيِّنا محمدٍ.