الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمَدُه ونَشْكُرُه، ونَسْتَعِينُه ونَسْتَهْدِيهِ ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ به مِنْ شُرُورِ أنفُسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأَشْهَدُ أنَّ محمدًا عَبْدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحابَتِه، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ((١٠٢)) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾ [آل عمران: 102-103].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ((٧٠)) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
عِبَادَ اللهِ:
إنَّ مَا تَفْخَرُ به دَوْلَتُنا المبارَكَةُ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ وُجُودُ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، اللَّذَيْنِ تَشَرَّفَ قادةُ هذه البلادِ الطاهرةِ بخِدْمَتِهِمَا ورِعَايَتِهِمَا أيَّما عِنَايَةٍ، ولا أَدَلَّ على ذلكَ مِنِ اعْتِزَازِ الملكِ سلمانَ بنِ عبدِ العزيزِ -حَفِظَهُ اللهُ- بِلَقَبِ (خَادِمِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ)، وهذا يَشْهَدُ على تَعْظِيمِ قائدِ هذه البلادِ لِهَاتَيْنِ البُقْعَتَيْنِ الطاهِرَتَيْنِ، فأُمُّ القُرَى هي قِبْلَةُ المُسْلِمِينَ، ومَهْوَى أَفْئِدَتِهِمْ، وإليها يَشُدُّونَ الرِّحَالَ للعُمْرَةِ والحَجِّ؛ لِتَتَوَافَدَ جُمُوعُ المسلمينَ إلى هذه البُقْعَةِ الطاهِرَةِ، لِيَجِدُوا كُلَّ الرعايةِ والاهتمامِ.
لَقَدِ احْتَضَنَتْ دولةُ التوحيدِ المباركةُ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ؛ لِتَعْكُفَ على العنايةِ بِهِمَا وبِضُيُوفِهِمَا، واهتمامٌ خاصٌّ شَمَلَ شَتَّى الجوانبِ وكافةَ الأَصْعِدَةِ، لقد تَأَسَّسَتْ هذه البلادُ على الأَصْلَيْنِ العَظِيمَيْنِ، وهما: كتابُ اللهِ وسُنَّتُه، فهما مَنْـهَجُ هذا الوَطَنِ، الذي يَسِيرُ على مَنْهَجِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، المنهجُ الوَاضِحُ والجَلِيُّ، وهو مَنْهَجُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصحابَتِه رضوانُ اللهِ عليهمْ، ومَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ التابِعِينَ وأَئِمَّةِ الإسلامِ، وهذا مِنْ نِعَمِ اللهِ سبحانه وتعالى عَلَيْنَا، التي لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، ومنها: الاستقرارُ، والطُّمَأْنِينَةُ، ورَغَدُ العَيْشِ، الذي نُغْبَطُ عليه.
إنَّ مَنْ يَسْتَعْرِضُ تاريخَ وطَنِنا الغالي المبارَكِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، بِلادِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ؛ سَيَرَى ويَطَّلِعُ على ما يَسُرُّه، وتَقَرُّ به عَيْنَاهُ، ويُثْلِجُ صَدْرَه، ويجعلُه مُتَفَائِلًا، يَتَطَلَّعُ إلى المَزِيدِ والمزيدِ مِنَ العطاءِ والنَّمَاءِ، والتقدُّمِ والرُّقِيِّ؛ لأنَّها بَلَدُ العقيدةِ الصحيحةِ، والمَنْهَجِ السلِيمِ.
لقد تَعَاهَدَ الإمامانِ: محمدُ بنُ سعودٍ، ومحمدُ بنُ عبدِ الوهابِ رحمهما الله على الجهادِ في سَبِيلِ اللهِ، وإعلاءِ كَلِمَتِهِ، والدعوةِ إليه. وانطلاقًا مِنْ عَهْدِ الملكِ عبدِ العزيزِ رحمه الله، الذي بَذَلَ نَفْسَه ومالَه ووَقْتَهُ ووَلَدَهُ مِنْ أَجْلِ توحيدِ الجزيرةِ، وجَمْعِ شَتَاتِها، وجَمْعِ كَلِمَتِها، والتوفيقِ بينَ أبنائِها، وتحكيمِ شَرْعِ اللهِ فيها، في وقْتٍ كانتْ أَحْوَجَ ما تَكُونُ إلى ذلكَ، وحَتَّى عَهْدِ خادِمِ الحرَمَيْنِ الشريفَيْنِ الملكِ سلمانَ بنِ عبدِ العزيزِ -حفظه الله-، قائدِ مَسِيرَةِ هذه البلادِ، وبانِي نَهْضَتِها، وهذه البلادُ في عِزَّةٍ ومَنَعَةٍ، وقُوَّةٍ وثباتٍ، وازدهارٍ، ولا غَرَابَةَ في ذلك، ما دَامَ أنَّ وُلَاةَ أَمْرِنا يَنْطَلِقُونَ في حُكْمِهِمْ وأحكامِهِمْ، ومُعامَلَاتِهِمْ وتَصَرُّفَاتِهِمْ ومَوَاقِفِهِمْ، مِنَ المَصْدَرَيْنِ الأصْلِيَّيْنِ، والمَنْبَعَيْنِ الصافِيَيْنِ للإسلامِ: كتابِ الله وسُنَّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم، وما كَانَ عليه السَّلَفُ الصالِحُ لهذِهِ الأُمَّةِ ومِنْ هنا جاءَتْ تلكَ النظرةُ الثاقِبَةُ، والانطلاقةُ الصائبةُ، والسياسةُ الحَكِيمَةُ المبنِيَّةُ على الأصولِ الثابتةِ، والقواعِدِ الراسخةِ لهذه الدولةِ مِنْ قِبَلِ وُلَاةِ أَمْرِها في دَفْعِ عجلةِ البِناءِ، وبَذْلِ كلِّ ما يُستطاعُ مِنْ إمكاناتٍ ماديةٍ ومعنويةٍ؛ مِنْ أَجْـلِ خِدْمَـةِ المُواطِنِ وإسعادِهِ، والسَّهَرِ على راحَتِه، وتَهْيِئَةِ الجَوِّ المناسِبِ له في كلِّ ما يحتاجُ إليه في حياتِهِ اليومِيَّةِ، فرديةً كانتْ أو جماعيةً.
وَقَدْ كانَ حَالُ قَاصِدِي الحَرَمَيْنِ الشرِيفَيْنِ والمشاعِرِ المُقَدَّسَةِ للحجِّ أوِ العمرةِ أوِ الزيارةِ بصِفَةٍ خاصَّةٍ قديمًا مُحْزِنًا مُبْكيًا؛ قَتْلٌ وسَلْبٌ ونَهْبٌ، القَوِيُّ يَأْكُلُ الضعيفَ، والغَنِيُّ يَسْتَعْبِدُ الفَقِيرَ، تَخْرُجُ القافِلَةُ المُكَوَّنَةُ مِنَ العددِ الكبيرِ إلى الحَجِّ فقد تَصِلُ إلى البلدِ الحرامِ، وقدْ لا تَصِلُ، وبالتالي فإنَّ مَنْ يَعُودُ إلى أَهْلِه مِنْ أداءِ نُسُكِهِ يَكُونُ في حُكْمِ المولودِ مِنْ جَدِيدٍ، عَرَفْنَا ذَلِكَ مِنَ الكُتُبِ، وسَمِعْنَاهُ مِنْ آبائِنا يَحْكُونَهُ عَنْ آبائِهِمْ وأجدادِهِمُ الَّذِينَ عَايَشُوا تلكَ الحِقْبَةَ.
وَبِتَوْفِيقِ اللهِ، ثُمَّ إخلاصِ المُؤَسِّسِ الملكِ عبدِ العزيزِ رحمه الله، صاحِبِ الأيادِي البيضاءِ، والمَجْدِ التَّلِيدِ، الذي بَذَلَ نَفْسَه ووَلَدَهُ ومالَه مِنْ أَجْلِ إعلاءِ كَلِمَةِ التوحيدِ، وتَرْسِيخِ المُعْتَقَدِ الصحيحِ والمنهجِ السليمِ، وتطبيقِ شَرِيعَةِ اللهِ، وتَنْفِيذِ حُدُودِهِ وأحكامِه، تَبَدَّلَ الخوفُ أَمْنًا، والفَقْرُ غِنًى، والظُّلْمُ عَدْلًا، وتَبَدَّدَتْ سُحُبُ الظلامِ، وانْكَشَفَتْ بِإِذْنِ اللهِ الغُمَّةُ، وانفرجتِ الكُرْبَةُ، واطْمَأَنَّ الحاجُّ، وتَوَسَّعَتِ الدنيا على المُحْتَاجِ، وانْحَسَرَ أَهْلُ الشَّرِّ والفسادِ، وفرَّ الأشرارُ وأربابُ العِنَادِ، وانْدَحَرَ أصحابُ الجُورِ والهَوَى والشَّهْوَةِ والشُّبْهَةِ، وأنَارَ التوحيدُ الخالِصُ أرجاءَ الجزيرةِ؛ بَلْ تَعَدَّاها إلى أنحاءِ المَعْمُورَةِ، وفَاحَ عَبَقُ المعتقَدِ الصحيحِ الممتزجِ
بِسَلامَةِ المَنْهَجِ في كلِّ شِبْرٍ مِنْ بلادِنا الحبيبةِ.
إنَّ كُلَّ ما تَقُومُ به هذه الدولةُ المبارَكةُ ممَّا يَخْدُمُ ضُيُوفَ الرحمنِ تُقَدِّمُه بنَفْسٍ راضيةٍ مرتاحةٍ، لا تَقْصِدُ منه رياءً ولا سُمْعَةً، وإنَّما تَقْصِدُ به وجْهَ اللهِ وخِدْمَةَ الإسلامِ والمسلمينَ فَوْقَ كُلِّ أَرْضٍ، وتحتَ كُلِّ سماءٍ؛ ولذلك هي مُسْتَمِرَّةٌ في بَذْلِ كلِّ ما يُسْتَطَاعُ مِنْ أَجْلِ تَسْهِيلِها وتَيْسِيرِها أُمُورَ الحجِّ، وأَكْثَرُ ما تَقُومُ به في هذا المجالِ يَتِمُّ بِهُدُوءٍ وصَمْتٍ، ممَّا يَجْعَلُ الأعمالَ هي التي تَتَحَدَّثُ؛ حيثُ إنَّ كثيرًا مِنَ الناسِ لا يَعْلَمُونَ عَنِ المشروعاتِ الكبيرةِ والضخمةِ في الحرمَيْنِ الشريفَيْنِ أوِ المشاعِرِ المقدسةِ، حتَّى تُصْبِحَ واقعًا حَيًّا يَسْتَفِيدُ منها الحُجَّاجُ والمُعْتَمِرُونَ وزُوَّارُ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وإنَّ مِنَ المفاخِرِ في الحَجِّ مَبْنَى الجمراتِ العَظِيمَ الذي هو أَكْبَرُ مَبْنًى مُسَلَّحٍ بالحَدِيدِ والإسْمَنْتِ في العالَمِ، ولقد أَفَادَ كَثِيرًا في التوسعةِ في رَمْيِ الجمراتِ، وتَنْظِيمِ الحُجَّاجِ، واستيعابِ أعدادٍ كثيرةٍ منهم، ومِنْ مَحَاسِنِهِ حُسْنُ الطُّرُقِ المؤديةِ إليه والخارجةِ منه، بحَيْثُ لكُلِّ جُزْءٍ مِنْ مِنًى ومِنْ خارِجِ مِنًى طُرُقٌ لا تَلْتَقِي بالطُّرُقِ الأُخْرَى؛ لِكَيْلَا يَحْصُلَ الزِّحَامُ، وقد زُيِّنَ بتلكَ السلالِمِ الكهربائيةِ، والأبوابِ بين كُلِّ دَوْرٍ ودَوْرٍ، وغيرُ ذلك مِمَّا يحتاجُ إليه الحُجَّاجُ للوصولِ إلى الجمراتِ.
إنَّ ما يُبْهِرُ الإنسانَ المسلِمَ -حَاجًّا كانَ أو زَائِرًا- ما هُيِّئَ مِنْ وسائلِ النقلِ المتنوعةِ والمختلفةِ والمتميزةِ، وفي مُقَدِّمَتِها قطارُ المشاعِرِ بكُلِّ ما جُهِّزَ به مِنْ وسائلَ تِقَنِيَّةٍ حَدِيثَةٍ، وأساليبَ مُتَقَدِّمَةٍ وتَشْغِيلٍ فَنِّيٍّ دقيقٍ ومتابَعٍ؛ ممَّا يُسَهِّلُ على حُجَّاجِ بيتِ اللهِ تأديةَ مناسِكِهِمْ، والتنقلَ بينَ المشاعِرِ براحةٍ وطُمَأْنِينَةٍ، وغيرَ ذلكَ مِنَ الأعمالِ والجهودِ والخدماتِ الجليلةِ والدقيقةِ، الكبيرةِ والصَّغيرةِ التي لا يُمْكِنُ الإحاطةُ بها أو ذِكْرُها في مِثْلِ هذا المقالِ.
كلُّ ذلك لِخِدْمَةِ الحرمَيْنِ الشريفَيْنِ، وحُجَّاجِ بيتِ اللهِ الحرامِ وزُوَّارِ مَسْجِدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلقَدْ قَامَتْ حكومةُ خادِمِ الحرمَيْنِ الشريفَيْنِ الملكِ سلمانَ بنِ عبدِ العزيزِ -حَفِظَهُ اللهُ- بتَوْفِيرِ الأجواءِ المناسبةِ، وتَهْيِئَةِ الخدماتِ، وتَيْسِيرِ الأمورِ لِرَاحَةِ ضُيُوفِ الرحمنِ.
لقد شَهِدَ الناسُ في حَجِّ هذا العامِ ما يُثْلِجُ الصدرَ، وتَرْتَاحُ له النَّفْسُ، وتَقَرُّ به العَيْنُ، ويَلْهَجُ بِسَبَبِهِ اللسانُ بالدعاءِ لمن قَامُوا به وعَمِلُوه، وتَابَعُوه وحَرِصُوا أَشَدَّ الحِرْصِ على بَذْلِ الجُهُودِ والإمكاناتِ الماديةِ والمعنويةِ مِنْ أَجْلِ إنجاحِهِ، وإظهارِهِ بالصورةِ المطلوبةِ والمرغوبةِ، فجاء سَهْلًا، مُنَظَّمًا، مُرَتَّبًا، مُتَسَلْسِلًا، ناجحًا نَجَاحًا بَاهِرًا، مُنْضَبِطًا في حَرَكَةِ سيَّارَاتِهِ ومُشَاتِهِ، ومُراقبتَهِ مُرَاقَبَةً دقيقةً زمانيةً ومكانيةً، وكَثِيرٌ ممَّنْ حَجَّ هذه السنةَ يُثْنِي على التنظيمِ والترتيبِ، وحُسْنِ التفويجِ، وعَدَمِ التعطُّلِ والتأخيرِ، وهذا وغَيْرُه مِنَ الخدماتِ والتسهيلاتِ يَدْخُلُ في قَوْلِه تَعَالَى: ﴿وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11].
ويَجِبُ علينا شُكْرُ اللهِ على هذه النِّعَمِ العظيمةِ في الحرمَيْنِ الشريفين وما تَمَّ عَمَلُه في سنواتٍ قليلةٍ مُقَارَنَةً بما هما عليه على مَرِّ العُصُورِ، قال تعالى: ﴿وإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ولَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
إنَّ الإسلامَ هو دِينُ السلامِ والإِخَاءِ والمَحَبَّةِ، وما يَشْهَدُه العالَمُ الإسلاميُّ اليومَ في بَعْضِ أجزائِهِ مِنْ نِزَاعَاتٍ وفُرْقَةٍ وتَنَاحُرٍ؛ يَدْعُونا إلى بَذْلِ كُلِّ الجهودِ لِتَوْحِيدِ الكَلِمَةِ والصَّفِّ، والعملِ سَوِيًّا على حَلِّ هذه النزاعاتِ، والمملكةُ تُؤَكِّدُ حِرْصَها الدائمَ على لَـمِّ شَمْلِ المسلمينَ، ومَدِّ يَدِ العَوْنِ لهم، والعَمَلِ علَى دَعْمِ كلِّ الجُهُودِ الخَيِّرَةِ والساعِيَةِ لِمَا فيه الخَيْرُ في كُلِّ البُلْدَانِ الإسلاميةِ.
هكذا هُمْ وُلَاةُ أَمْرِ هذه البلادِ في اهْتِمَامِهِمُ الكَبِيـرِ بالحَرَمَيْنِ الشرِيفَيْنِ، وخِدْمَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحرامِ، وزُوَّارِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَتَوَارَثُونَ هذا الاهتمامَ والمَجْدَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ في بَذْلٍ وعَطَاءٍ، وصِدْقٍ وإخلاصٍ، وكَرَمٍ وسَخَاءٍ، وحِرْصٍ ووَفَاءٍ، وبِلَا مِنَّةٍ ولا أَذًى ولا سُمْعَةٍ ولا رِيَاءٍ، وإنما همُّهُمُ الأَسْمَى، وغايَتُهُمُ العُظْمَى؛ القِيَامُ على دِينِ اللهِ وخِدْمَةِ الحَرَمَيْنِ الشرِيفَيْنِ، وهذا واللهِ هو مَصْدَرُ العِزِّ والافتخارِ، والطُّمَأْنِينَةِ والاستقرارِ، والأَمْنِ والأمانِ، والنُّصْرَةِ والتَّمْكِينِ.
والحقيقةُ أنَّ كُلَّ المُخْلِصِينَ يَشْهَدُونَ أنَّ المملكةَ العربيةَ السعوديةَ تَقُومُ بجُهُودٍ جَبَّارَةٍ، واللهِ تَعْجِزُ عنها أَيُّ حكُومَةٍ في العالَم في خِدْمَةِ الحَرَمَيْنِ الشرِيفَيْنِ، فمَلَايِينُ الحُجَّاجِ والمُعْتَمِرِينَ يَنْعَمُونَ بنِعْمَةِ الأَمْنِ، ويَعْبُدُونَ اللهَ بحُرِّيَّةٍ وطُمَأْنِينَةٍ، وتُذَلِّلُ لهم كُلَّ الخِدْمَاتِ بما يَفُوقُ الوَصْفَ، ووُلَاةُ الأَمْرِ -وَفَّقَهُمُ اللهُ- لا يَدَّخِرُونَ وُسْعًا في التخطيطِ والتجديدِ في كُلِّ ما يَخْدِمُ الحُجَّاجَ والمُعْتَمِرِينَ.
إنَّ المُتَأَمِّلَ للمَشَاعِرِ المُقَدَّسَةِ يَرَى أُمُورًا عَجَبًا؛ منْ حَيْثُ وُعُورَةُ التضاريسِ وصُعُوبَتُها، وتَكَدُّرُ المُناخِ وتَغَيُّرُه، جِبَالٌ شَاهِقَةٌ، وأَوْدِيَةٌ ضَيِّقَةٌ، وطُرُقٌ وعِرَةٌ، وحَرٌّ شَدِيدٌ، وشَمْسٌ مُحْرِقَةٌ، وإذا انْضَافَ إلى ذلكَ العَدَدُ الهائِلُ، والجَمْعُ الغفيرُ مِنَ الحُجَّاجِ، الذين يُعَدُّونَ بالملايينِ؛ يَزْدَادُ العَجَبُ والاستغرابُ! كيفَ يَكُونُ هذا؟! وهلْ هو مُمْكِنٌ؟!
إنَّهُ مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ، ثُمَّ بتِلْكَ الجُهُودِ العَظِيمَةِ المَبْذُولَةِ التي تَقُومُ بها المملكةُ العربيةُ السعوديةُ، التي لا حُدُودَ لها؛ ذُلِّلَتْ تلكَ الصِّعَابُ، ورُوِّضَتْ تلكَ الأماكنُ، فأَصْبَحَتْ مَكَانًا سَهْلًا مُيَسَّرًا أَمْنًا مُطْمَئِنًّا، يجدُ فيه الحاجُّ بُغْيَتَهُ، ويَصِلُ إلى غَرَضِهِ، ويُحَقِّقُ رَغْبَتَهُ، ويُؤَدِّي مَنَاسِكَهُ برَاحَةٍ وطُمَأْنِينَةٍ وخُضُوعٍ وتَذَلُّلٍ وخُشُوعٍ، ولا أَدَلَّ على ذَلِكَ مِنَ التوسعةِ الضَّخْمَةِ لِمَبْنَى الجمراتِ، بحَيْثُ يَرْمِي الحاجُّ وهو مُرْتَاحٌ؛ بل رَأَيْتُ ورَأَى غَيْرِي كِبَارَ السِّنِّ والصِّغَارَ، بَلْ ومَنْ يَرْكَبُ العَرَبَاتِ وهو يَرْمِي بِجَانِبِ حَافَّةِ الجمرةِ بكُلِّ يُسْرٍ وسُهُولَةٍ، وهذا مِمَّا كَانَ قَدِيمًا مِنَ المُسْتَحِيلَاتِ.
ويَشْهَدُ على ذَلِكَ التوسعةُ العَظِيمَةُ للمَسْجِدِ الحرامِ والمطافِ؛ بحَيْثُ أَصْبَحَا يَسْتَوْعِبَانِ الأَعْدَادَ الكثيرةَ جِدًّا مقارنةً بالسَّابِقِ، وقد حَدَّثَنِي مَنْ طَافَ في وقْتِ ذُرْوَةِ كَثْرَةِ الطائِفِينَ أنَّ الزِّحَامَ خَفَّ كَثِيرًا بسَبَبِ سَعَةِ مَسَاحَةِ المَطَافِ.
إنَّ ما يَلْفِتُ نَظَرَ الإنسانِ ويُدْهِشُهُ في مَظَاهِرِ الحَجِّ، مع اعْتِزَازِهِ وافْتِخَارِهِ، ذلك الحُضُورُ الفَاعِلُ والوجودُ المُسْتَمِرُّ والمتميِّزُ لِرِجَالِ الأَمْنِ البَوَاسِلِ في كُلِّ وقْتٍ ومكانٍ على اختلافِ مَرَاتِبِهِمْ، وتنوُّعِ اخْتِصَاصَاتِهِمْ؛ لِيَقُومُوا بخِدْمَةِ ضُيُوفِ الرحمنِ، وإعانَتِهِمْ ومساعَدَتِهِمْ، وإرشادِهِمْ، والحِفَاظِ على أَنْفُسِهِمْ، ومُمْتَلَكَاتِهِمْ، ومَسَاكِنِهِمْ، ومَرْكُوبَاتِهِمْ، كلُّ ذلك يَتِمُّ بفَضْلِ اللهِ رَغْمَ ما يُوَاجِهُونَهُ مِنْ ضَغْطٍ في العَمَلِ، وإحراجاتٍ لا تُتَصَوَّرُ، وكَثْرَةٍ في أعدادِ الحُجَّاجِ وتَنَوُّعِ بُلْدَانِهِمْ وثقافاتِهِمْ وأَخْلَاقِهِمْ، وتَعَدُّدِ لُغَاتِهِمْ، إلَّا أنَّهُمْ تَمَيَّزُوا بأخلاقٍ دَمِثَةٍ عَالِيَةٍ، وآدَابٍ جمَّةٍ راقيةٍ في التعامُلِ مع الحُجَّاجِ، رائِدُهُمْ في ذلكَ تَعَالِيمُ دِينِهِمُ الحَنِيـفِ، مع الإخلاصِ والاحتسابِ في خِدْمَةِ دِينِهِمْ وعَقِيدَتِهِمْ، وبِلادِهِمْ، ووُلَاةِ أَمْرِهِمْ، ولا غَرَابَةَ في ذلك، ما دَامَ أنَّه يَقِفُ ورَاءَهُمْ بعَقْلِهِ الكَبِيرِ، وعَاطِفَتِهِ الجيَّاشَةِ، وأُبُوَّتِهِ الحانِيَةِ، ووَفَائِهِ المَعْهُودِ، وتوجيهاتِهِ السَّدِيدَةِ؛ خادِمُ الحَرَمَيْنِ الشرِيفَيْنِ الملكُ سَلْمَانُ بنُ عبدِ العزيز -وَفَّقَهُ اللهُ-. ويُشْرِفُ عليهمْ، ويُتابِعُ أعمالَهمْ بِدِقَّةٍ ووَعْيٍ صَاحِبُ السمُوِّ الملكيِّ الأميرُ محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وليُّ العهدِ نائبُ رئيسِ مجلسِ الوُزرَاءِ وزيرُ الدِّفاعِ، حَفِظَهُ اللهُ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
.
.
.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحمْدُ لله، والصلاةُ والسَّلامُ على رسُول الله وبعدُ:
رَغْمَ هذه الأعمالِ الجليلةِ، والخدماتِ المتميزةِ، والإيجابياتِ الكُبْرَى التي تُقَدِّمُها هذه الدولةُ المبارَكَةُ لِشَعْبِها بصفةٍ خاصَّةٍ، وللمسلمينَ عامَّةً، ولِحُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ مِنْ جَمِيعِ الجنسيَّاتِ على وجْهِ الخصوصِ؛ لم تَسْلَمْ مِنِ انتقادِ الحاسِدِينَ، وتَشْوِيهِ الحاقِدِينَ، الذين يَسْعَوْنَ لإثارةِ الفِتَنِ والقلاقِلِ، وإيجادِ الفُرْقَةِ والتناحُرِ، وبَثِّ الخلافِ والاختلافِ بينَ أبْنَاءِ الأُمَّةِ، ونَشْرِ الأفكارِ المُضِلَّةِ، والمبادئِ الهدَّامَةِ والغريبةِ عَنْ مُجْتَمَعِنا، مُتَجَاهِلِينَ ومُتَنَاسِينَ أنَّ هذه البلادَ هي بلادُ العقيدةِ الصحيحةِ الصافيةِ، بِلَادُ تَطْبِيقِ شَرْعِ اللهِ وأحكامِه وحُدُودِهِ، بلادُ العلماءِ الأفذاذِ المشهودِ لهمْ بالتَّقْوَى والصلاحِ، ومعرفةِ مَصَالِحِ الأُمَّةِ، وما يُصْلِحُها ويُحْيِيهَا.
وأَيْنَ القِسْطُ والعَدْلُ مِمَّنْ يَتَعَامَى عَنْ حسناتٍ كالجِبَالِ لِقَادَةِ هذا البلدِ؟! وعَنْ جُهُودٍ تَنُوءُ بحَمْلِها الرُّءُوسُ الثِّقَالُ؟! ومُنْجَزاتٍ ومُكْتَسَباتٍ لا تَسْتَوْعِبُها لُغَةُ الأرقامِ؟! ونِعَمٍ لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى؟! ألَا يَتَّقِي اللهَ أولئكَ في أنفُسِهِمْ وفي أبناءِ مُجْتَمَعِهِمْ؟! ألم يَعْلَمُوا أنَّهُمْ بهذا الظلمِ حَرَمُوا أنفُسَهُمْ مِنْ نِعْمَةِ الأُلْفَةِ والمَحَبَّةِ، والمُوَاطَنَةِ الصادقةِ، ووَلَجُوا في سَرَادِيبَ مُظْلِمَةٍ، يَجُرُّونَ بها على المجتمعِ الوَيْلَاتِ؟!
والغريبُ في أَمْرِ بَعْضِ أولئكَ القَوْمِ أنَّهُمْ يَدَّعُونَ الإصلاحَ بزَعْمِهِمْ، ويَتَمَسَّحُونَ باسمِ الدِّينِ، ويُدَنْدِنُونَ حَوْلَه، وما عَلِمُوا أنَّهُمْ أَبْعَدُ الناسِ عَنْ معرفَتِهِ وعِلْمِهِ، فَضْلًا عَنْ تَطْبِيقِهِ وتَرَسُّمِ مبادِئِه ومقاصِدِهِ، وأنهمْ أَقْرَبُ بِفِعْلِهِمْ إلى أعداءِ اللهِ، وأعداءِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم والأُمَّةِ الإسلاميةِ جَمْعَاءَ؛ حيثُ إنَّهُمْ بأعمالِهِمْ هذه ومُقْتَرَحَاتِهِمْ وأُطْرُوحَاتِهِمُ الهزيلـةِ والمترَدِّيَـةِ ضِدُّ هذه البلادِ المباركةِ، يَسْعَوْنَ في تحقيقِ أهدافِ أعداءِ الإسلامِ، الذين عَجَزُوا عَنْ تحقيقِها طَوَالَ السنواتِ الماضيةِ، والدُّهُورِ القديمةِ.
ولِذلكَ فإنَّه يَجِبُ على المسلمِ أنْ يَبْتَعِدَ عَنْ هذه الأمورِ المُضِلَّةِ كُلَّ البُعْدِ، وأنْ يَفِرَّ منها فِرَارَهُ مِنَ الأسدِ والنارِ؛ لأنَّها مُعْدِيَةٌ ومُحْرِقَةٌ، ومُهْلِكَةٌ، تُورِثُ الحِقْدَ والبغضاءَ، وتُوجِدُ الشِّقَاقَ والنِّزَاعَ، وتُشْعِلُ الفتنةَ وتُوقِظُها، وتَزْرَعُ القَلَاقِلَ والاختلافَ.
ويَجِبُ على المسلمِ أيضًا إزاءَ ذلكَ أنْ يَكُونَ فَطِنًا حَذِرًا مُدْرِكًا، مُتَثَبِّتًا في أقوالِهِ وأفعالِهِ، فما كُلُّ ما يُقالُ صَحِيحٌ، وما كُلُّ ما يُعْلَمُ صَحِيحًا يُقالُ، وليسَ لِكُلِّ إنسانٍ أنْ يَعْمَلَ كلَّ شيءٍ، مِنْ دُونِ قَيْدٍ أو حَدٍّ أو ضابِطٍ؛ لأنَّ الناسَ لو سَلَكُوا ذلكَ لَحَصَلَتِ الفَوْضَى، ولصارَ الناسُ شَذَرَ مَذَرَ، لا رَادِعَ لهم ولا خالِقَ، ولا قَائِدَ ولا مُوَجِّهَ، وحينئذٍ يَحْصُلُ ما لا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ، ويُبْكَى بَدَلَ الدموعِ دَمًا، فالاتِّبَاعُ يَكُونُ لكتابِ اللهِ، وسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، وما كَانَ عليه السلَفُ الصالِحُ مِنَ الصحابةِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ، يُؤْخَذُ منها أحكامُ الدِّينَ والدُّنْيَا، ويُرْجَعُ إليها عِنْدَ التنازُعِ والاختلافِ، لِتُحْكَمَ الأمورُ، وتُضْبَطَ، فتكونُ سَلِيمَةً صَوَابًا مُقْنِعَةً لكلِّ مَنْ يَبْحَثُ عَنِ الحقِّ، أمَّا صَاحِبُ الهَوَى، ومَنْ مُلِئَ قَلْبُه بالحِقْدِ والحَسَدِ والبغضاءِ فلا يُمْكِنُ أنْ يَقْتَنِعُ أو يَرْجِعَ إلى الحقِّ، ولو وُضِعَتِ الشمسُ في يَمِينِهِ والقمرُ في شِمَالِهِ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ العليِّ العظيمِ.
فلِذَلِكَ أُوصِي نَفْسِي وإخْوَانِي بتَقْوَى اللهِ وطَاعَتهِ، والسمعِ والطاعةِ في غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ لِمَنْ ولَّاهُمُ اللهُ أَمْرَنا، وأنْ يَكُونَ رَائِدُنا المَحَبَّةَ، والتعاونَ على البِرِّ والتَّقْوَى، والاتفاقَ والائْتِلَافَ، والالتفافَ حَوْلَ قَادَتِنا ووُلَاةِ أَمْرِنا، وإِعَانَتَهُمْ على أُمُورِ دِينِهِمْ ودُنْيَاهُمْ، ومُنَاصَحَتَهُمْ بالطُّرُقِ الشرعيةِ.
ثُمَّ الثقةُ بعُلَمَائِنَا ومشايِخِنَا الذين أَمْضَوُا أعمارَهُمْ في العِلْمِ والتعَلِيمِ، وخِدْمَةِ الإسلامِ والمسلمينَ؛ سواءٌ أكَانُوا مِمَّنْ تُوُفِّي كسماحةِ الشيخِ عبدِ العزيزِ بنِ بازٍ، وشَيْخِنا العلَّامَةِ محمدِ بنِ صالحِ العثيمينَ -رَحِمَهُمَا اللهُ-، أو مِنَ الأحياءِ الكِبَارِ كسماحةِ مُفْتِي عامِ المملكةِ الشيخِ عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ الله آلِ الشيخ، وفضيلةِ الشيخِ العلَّامةِ صالحِ بنِ محمدِ اللحيدان، وفضيلةِ الشيخِ العلَّامةِ الأستاذِ الدكتورِ صالحِ بنِ فوزانَ الفوزانِ، فواللهِ لَهُمْ للناسِ كالجبالِ للأرضِ، يُرْسُونَهُمْ ويُثَبِّتُونَهُمْ، ويُبَيِّنونَ لهمُ الخَطَأَ مِنَ الصوابِ، والحقَّ مِنَ الباطلِ، بأسلوبٍ ثابِتٍ رَصِينٍ، وحِكْمَةٍ بارعةٍ، وتَوْجِيهٍ مُتَمَيِّزٍ، فَهُمْ في زَمَنِنَا أَكْثَرُ الناسِ عِلْمًا، وأَقْوَاهُمْ إيمانًا، وأَطْوَلُهُمْ تَجْرِبَةً ومِرَاسًا، وأَعْرَفُهُمْ بمصالحِ الأُمَّةِ، وأَشَدُّهُمْ على المُخالَفَاتِ والمُنْكَرَاتِ، وأَبْعَدُهُمْ تَلَمُّسًا لمواطِنِ الحكمةِ والدعوةِ إلى اللهِ على بصيرةٍ.
كما أُنبِّه إلى أنَّ المُوَاطِنَ الصادِقَ، والمُخْلِصَ لِدِينِهِ، ثمَّ وطَنِهِ ووُلَاةِ أَمْرِهِ؛ يَسْعَى لِجَلْبِ كلِّ خيرٍ ودَفْعِ كُلِّ شَرٍّ بكُلِّ ما يَسْتَطِيعُ، وأنَّ المُوَاطَنَةَ الحَقَّةَ لا تَقُومُ إلَّا على رعايةِ حَقِّ المجتمعِ؛ فهي تَقْتَضِي أنْ يَتَحَمَّلَ الإنسانُ مَسْؤُولِيَّتَهُ أمامَ اللهِ، ثمَّ أمامَ مُجْتَمَعِهِ، وأنْ يَسْتَشْعِرَ أنَّها مَسْؤُولِيَّةٌ عظيمةٌ، تَقْصُرُ دُونَها المسؤولياتُ، مسؤوليتُه في الحِفَاظِ على الثوابتِ التي هي أساسُ العِزِّ والتمكينِ، وفي العقيدةِ والعبادَةِ والمُعامَلَةِ والسُّلوكِ، ومسؤوليتُه في الحفاظِ على الأَمْنِ بمعناهُ الشُّمُولِيِّ، ومسؤوليتُه في التكاتُفِ والاجتماعِ، وإزالةِ أسبابِ الفُرْقَةِ والاختلافِ، والوُقُوفِ صَفًّا واحدًا ضِدَّ مَنْ يُرِيدُ زَعْزَعَةَ هذا المجتمعِ.
أَسْألُ اللهَ العَلِيَّ القديرَ أنْ يَحْفَظَ وطَنَنا الغاليَ، وأنْ يُوَفِّقَ ويُسَدِّدَ خَادِمَ الحَرَمَيْنِ الشرِيفَيْنِ الملكَ سلمانَ بنَ عبدِ العزيزِ، وسُمُوَّ وليَّ عَهْدِهِ صاحبَ السموِّ الملكيِّ الأميرَ محمدَ بنَ سلمانَ بنِ عبدِ العزيزِ، ويُعِزَّهُمْ، ويُمَكِّنَهُمْ، ويَرْفَعَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وأنْ يَحْفَظَ حُجَّاجَ بيتِ اللهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ ومَكْرُوهٍ، إنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
عبادَ اللهِ صَلُّوا وسَلِّمُوا على خَيْرِ عبادِ اللهِ، الرحمةِ المُهداةِ، والنِّعْمَةِ المُسْدَاةِ، محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وزِدْ وبارِكْ على نَبِيِّنا محمدٍ، وارْضَ اللهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين، وصَحابَتِه الغُرِّ المَيَامِينِ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أعداءَ الدِّينِ، اللهم اجْعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وسائِرَ بلادِ المسلمينَ.
اللهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنا، وأَصْلِحْ أئِمَّتَنا ووُلَاةَ أُمُورِنا، اللهُمَّ وفِّقْ وليَّ أَمْرِنا خَادِمَ الحرمينِ الشريفينِ سلمانَ بنَ عبدِ العزيزِ ووليَّ عَهْدِه الأمين بتَوْفِيقِكَ، واكْلَأْنَا وإيَّاهُمْ بِعِنَايَتِكَ ورعايتِكَ، وأَلْبِسْنا وإيَّاهُمْ ثَوْبَ الصِّحَّةِ والعافيةِ، وزِدْنا وإيَّاهُمْ عِزًّا ونَصْرًا وتمْكِينًا وقِيامًا بكِتَابِكَ وبسُنَّةِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم ، وما كَانَ عليه سَلَفُ هذه الأمةِ. اللهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنا البَوَاسِلَ، ورِجَالَ أَمْنِنا دَاخِلَ البلادِ، وعلى الحدودِ والثُّغُورِ، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ ومَكِّنْ لهمُ، اللهُمَّ ثَبِّتْ قلوبَهُمْ، وارْبِطْ على جأشِهِمْ، واخْذُلْ عَدُوَّهُمْ، وزِدْهُمْ قُوَّةً وبصيرةً، واحْفَظْنَا وإيَّاهُمْ مِنْ بَيْنِ أيْدِينا ومِنْ خَلْفِنا، وعنْ أَيْمَانِنَا، وعَنْ شَمَائِلِنَا، ومِنْ فَوْقِنا، ونَعُوذُ بِكَ أنْ نُغْتَالَ وإيَّاهُمْ مِنْ تَحْتِنا. اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشقاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشَمَاتَةِ الأعداءِ، وغَلَبَةِ الدَّيْنِ، وقَهْرِ الرجالِ.
اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ، والهَمِّ والحَزَنِ والكَسَلِ، اللهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ، لا يَهْدِي لِأَحْسَنِها إلَّا أنتَ، واصْرِفْ عنَّا سَيِّئَها، لا يَصْرِفُ عنَّا سَيِّئَها إلَّا أنتَ، اللهُمَّ زِدْنَا تَوْفِيقًا وعِلْمًا، وارْزُقْنَا الإخلاصَ والاحْتِسَابَ في القولِ والعَمَلِ، واحْفَظْ بِلادَنا، وأَدِمْ أَمْنَنَا، ورَغَدَ عَيْشِنا، واسْتِقْرَارَنا، وأَبْعِدْ عنَّا كلَّ حاسدٍ وحاقدٍ وفاسِدٍ.
وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ على نَبِيِّنا محمدٍ.