فضل العشر من ذي الحجة

الشيخ عبدالسلام بن برجس

عباد الله:

إن هذه الأيام التي تعيشون فيها أيام مباركة مشهودة، أقسم الله - سبحانه وتعالى ـ بهـا في كتابه فقال: «والفجر * وليال عشر»[الفجر: ۱ - ۲ ]، وإقسامه - سبحانه وتعالى ـ بها لإظهار شرفها، وبيان مزيتها.

ولذا؛ فإن العمل الصالح فيها يختلف عن سائر الأيام.

ثبت في (البخاري) وغيره أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعني العشر - قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج بماله ونفسه ثـم لـم يرجع من ذلك بشيء».

فحري بالمسلم أن يسابق إلى الطاعات، وأن يبتدر الخيرات، وأن يستغل هذه الأيام المباركة؛ فيُري الله سبحانه وتعالى ـ من نفسه خيرا.

وإن مما شرعه الله - سبحانه وتعالى ـ في شهر ذي الحجة: الأضاحي، التي هي سنة أبيكم إبـراهـيـم ـ عليه الصلاة والسّلام ـ، وسنة نبيكم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهـذه الأضاحي شعيرة مـن شـعائـر الله، وما تُقُرِّب إلى الله سبحانه وتعالى في يوم النحر بأحب إليه من إراقة دم.

وهذه الأضاحي يُشترط فيها شروط؛ منها:

[1] أن تكون من بهيمة الأنعام، وأن تبلغ هذه البهيمة السن المعتبر شرعا؛ ففي الإبل خمس سنين، وفي البقر سنتان، وفي الماعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر .

[2] ومن الشروط ـ أيضا ـ: أن تكون الأضحية سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء؛ وهي أربعة لا غير، حصرها النبي - صلى الله عليه وسلم ـ في قوله كما في حديث البراء بن عازب: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العـوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تُنْقي»، أخرجه أصحاب السنن، وهـو حديث صحيح .

فقال رجل للبراء بن عازب: إني أكره أن يكون نقص في الأُذُن أو في القرن، فقال رضي الله عنه : «ما كرهت فدعه، ولا تحرمه على أحد».

فهذه الأربع لا تجوز في الأضاحي أبدا، فيقاس عليها ما هو أفحش منها عيبا.

فقوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ في كل عيب من هذه العيوب: «البين... البين» يفيـد أن العيب إذا كـان غـيـر بَـيـِّن فـإن الأضحية تجزئ؛ فالعوراء البين عورها التي نتأت عينها أو غارت عينها هذه هي التي لا تجزئ، أما إذا كانت عوراء وعورها غير بين فإنها تجزئ مع

الكراهة .

ومن الشروط -أيضا- في الأضحية: أن تقع في الوقت المحدد شرعا؛ وهـو مـا بعـد صـلاة العيد، والأفضل أن يكون الذبح بعد الخطبتين؛ تأسيا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم -؛ فمن ذبح قبل الصلاة فشاته شـاة لحم يُطعمه أهله، وأما من ذبح بعد الصلاة فإن ذبحه نسك أصاب به سنة المسلمين.

عباد الله:

ومما شرع الله - سبحانه وتعالى ـ لكم في هذه الأيام: التكبير، مطلقا كان أو مقيدا.

فالتكبير المطلـق:

هـو الذي يبتدئ من أول يوم من ذي الحجة، وينتهي بفجر يوم عرفة، فيكثر فيه المسلم تكبيرا مطلقا في أي مكـان كـان؛ فيكبر في المسجد قبل الصلوات، ويكبر في سوقه، ويكبر في متجره، ويكبر في بيته، قائلا شفعا: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد فإذا بزغ فجر يوم عرفة فإنه يقطع التكبير المطلق.

ويبتدأ في التكبير المقيد، بأن يكون تكبيره دبر الصلوات الخمس فقط؛ فإذا صلى الفجر يوم عرفة قال: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، وهكذا إذا صلى الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، ويمتد هذا التكبير إلى آخر يوم من أيام التشريق.

ودليل ذلك: الإجماع عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم عـن عـمـر - رضي الله عنه ـ، وعلي، وعـن ابـن عباس، وعن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، وقد رُويت في ذلك أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم .. ولا تثبت .

عباد الله:

فإذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي؛ فلا يجوز له شرعا أن يأخذ شيئا من ظفره أو مـن شـعره أو من بشرته؛ لحديث أم سلمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ في (صحيح مسلم).

وإذا كان الإنسان لا يريد أن يضحي؛ فأخذ من ظفره ومن شعره، حتى جاء يوم النحر فأراد عندئذ أن يضحي.. فليضح؛ إذ لا تأثير على أخذه لشعره وأظفاره آنذاك؛ لأنه قد أخذ الشعر والظفر في حال يريد أن لا يضحي معها .

فاتقوا الله - سبحانه وتعالى ـ عباد الله ـ، واجتنبوا هذا المحظور العظيم؛ لأن الله - سبحانه وتعالى ـ يحب منكم أن تحبسوا أنفسكم عن أخذ شعوركم وأظفاركم حتى تريقوا الدماء قربة لله سبحانه وتعالى .