الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
أما بعد: فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون حق التقوى، ثم اعلموا أن أصول الدين التوحيد والإيمان.
والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان الستة، والتذكير بهذا الركن تذكير بعظمة الله تعالى، وتذكير بقدرة الله، وتخويف من معصيته وحث على طاعته وعبادته.
فإن الملائكة خَلْقٌ عظيم من خلق الله، مخلوقون، جند من جنود الله يقومون بالسفارة والرسالة بين الله وبين خلقه، ويؤدون أوامر الله ليس فيهم داعي الهوى والشهوة فطرهم الله على العبادة، ويستغفرون للمؤمنين ويثبتونهم ويدعون لهم ويحفظونهم بأمر الله، .
والإيمان بهم أحد أركان الإيمان الستة، وهو إيمان بالغيب الذي لا يتم إيمان العبد إلا به.
والتكذيب بهم تكذيب بالله تعالى الذي ذكرهم في كتابه وتكذيب برسوله ﷺ .
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136].
أما منازلهم فهم في السماء ويتنزلون بأمر الله، قال تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [سورة مريم /64].
أما أعدادهم فهم خلق لا يحصيهم غير الله تعالى، ففي حديث الإسراء والمعراج أن النبي ﷺ قال: (ثُمَّ رُفِعَ لِىَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا قَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ) رواه البخاري ومسلم.
فلا إله إلا الله وسبحان الله رب العالمين! عباد الله! والإيمان بالملائكة على درجتين.
إجمالا وتفصيلا، فنؤمن -إجمالا- بوجودهم فيما علمنا منهم وما لم نعلم، ونؤمن تفصيلا بما ورد من الآيات والأحاديث من صفاتهم وأعمالهم.
فمن سادتهم جبريل وميكائيل وإسرافيل.
فجبريل عليه السلام: خصه الله بالسِّفارة بينه وبين رسله، ينزل بالوحي الذي يسمعه من الله تعالى ويلقيه إليهم.
وميكائيل: مهمته المطر والنبات.
وإسرافيل: مهمته النفخ في الصور يوم القيامة.
ومن الملائكة حملة عرش الرحمن جل جلاله : قال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَـانِيَةٌ} [الحاقة:17].
ومنهم من هو موكل بقبض الأرواح: والموكل بذلك ملك الموت وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّـاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الذي وُكّلَ بِكُمْ} [السجدة:11].
وقال عن أعوانه: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } [الأنعام: 61] .
ومنهم: خزنة الجنة وخزنة النار، قال تعالى عن أهل الجنة: {وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ} [الرعد:23].
وقال عن أهل النار: {وَنَادَوْاْ يا مَـالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـاكِثُونَ} [الزخرف:77].
وقال سبحانه: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لاَ تُبْقِى وَلاَ تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لّلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:26-30].
ومنهم الحفظة: الموكلون بحفظ العبد من الجن والهوام والمصائب إلا شيء أذن الله به فيقع: قال تعالى: {لَهُ مُعَقّبَـاتٌ مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد :11].
هذه بعض أعمالهم، وهناك غيرهم لهم أعمال أخرى يقومون بها مما يأمرهم به الله جل جلاله، وهم مع ذلك لا ينقطعون عن عبادة الله، يبكون خوفاً من ربهم، مشفقون من خشيته، ليس لهم من الأمر شيء. ولكن المشركين أعظموا الفرية على الله تعالى فزعموا أنهم ولد الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)} [الأنبياء: 26 - 29].
ومنهم من رفعهم إلى مرتبة الألوهية فعبدهم من دون الله، قال سبحانه: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ: 40، 41، 42].
فالملائكة عباد لله، خاضعون لأمره، فكيف يعبدون من دون الله؟!.
إن المستحق للعبادة هو الذي خلقهم سبحانه وتعالى لا شريك له في عبادته كما أنه ليس له شريك في ملكه، جل جلاله وتقدست أسماؤه بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
.
.
.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها لمؤمنون حق التقوى، عباد الله ! إن الإيمان بالملائكة له أثر عظيم على العبد المؤمن فهو يجعله يستشعر عظمة الله سبحانه وقدرته جل جلاله فإن عظم خلق الملائكة دليل على عظمة خالقهم جل جلاله، ويجعل المؤمن يخاف من الله تعالى ويحبه ويعظمه ويبتعد عن معاصيه، ويجعله يوقن بأن الله تعالى بيده ملكوت السماوات والأرض والمتصرف فيهما فكل عظيم يتصاغر تحت قدرة الله، ويبعث في قلب المؤمن محبة الله العظيم الحليم الذي لو عاجل الناس بالعقوبة ما ترك على ظهر الأرض من دابة، ويجعل المؤمن ينتهي عن فعل السيئات، وإذا أذنب يسرع إلى التوبة والرجوع إلى ربه لما يعلم من عظيم قدرته سبحانه، قال سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [فاطر: 1].
والإيمان بالملائكة يبعث في قلب المؤمن محبتهم وموالاتهم فهم يحبون المؤمنين ويستغفرون لهم كما قال تعالى : {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}.
ومن أثر الإيمان بالملائكة أن يعلم المؤمن أن كل عمل صالح يعمله، فإنما هو دعوة من الملك المصاحب له، وكل عمل سيء فإنما هو دعوة من الشيطان قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لمًّة وللمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فإيعادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فإيعادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ) الحديث. [سنن الترمذي (2988)].
وهذا يجعل المؤمن ينتهي عن الأمور التي تبعد عنه الملائكة، ويفعل الأمور التي تقرب منه الملائكة لأنهم يعينونه على الخير ويدلونه عليه، فلنحقق -عباد الله- هذا الركن العظيم من أركان الإيمان الستة ولنعظِّم ربنا حق تعظيمه ونقدره حق قدره، فنقيم على طاعته وعبادته تعظيما وخوفا ومحبة له سبحانه . ألا إن ربكم أمركم بالصلاة والسلام على نبيكم فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ...
الدعاء ..