إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا () يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أما بعد:
عباد الله: فإن الله تعالى لا يقبل من العبادات إلا ما كان خالصاً لوجهه لكريم، وموافقاً لهدي نبيه الأمين ﷺ قال تعالى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وقال ﷺ : «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» متفق عليه.
ومن ذلك عبادة الحج التي هي أحد أركان الإسلام، فعلى الحاج أن يتقي الله في نيته وإرادته وأن يحذر أن يحج ليمدحه الناس ويثنوا عليه، أو أن يحج لا يريد بحجه إلا الدنيا قال الله في الحديث القدسي: “أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ” رواه مسلم.
وليحرص الحاج أشد الحرص أن يكون حجه موافقاً لهدي النبي ﷺ لا سيما والنبي ﷺ كان يؤدي المناسك ويقول: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»” رواه مسلم، فالحج اقتداء واتباع، لا يصلح فيه الإحداث والاختراع، شأنهُ شأنُ غيرهِ من العبادات.
عباد الله:
إن دين الله تعالى مبني على التيسيرِ ورفعِ الحرج ولله الحمد، قال تعالى { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقال تعالى {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وقال ﷺ : «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُتْرَكَ مَعْصِيَتُهُ» صححه ابن خزيمة.
فعلى الحاج أن يرفق بنفسه ويترخص برخص الله له فإن الله غنيٌّ عن تعذيب المسلمِ نفسَه، فمن كان يضره مباشرةُ الرمي بنفسه لمرضٍ أو كبر ونحو ذلك فليوكل مَن يَصحُّ له توكيلَه ليرمي عنه، ومن كان يضره الطوافُ أو السعي ماشياً فليطفْ وليسعَ راكباً، ومن كان يشق عليه المبيت في مزدلفة إلى طلوع الفجر فله أن يتعجّل بعدَ نصفِ الليل،وإذا كان تقبيلُه الحجرَ أو استلامُه سيضره أو يضر غيرَه فليكتفِ بالإشارةِ إليه من بعيد إذا حاذاه، وإذا كانت صلاةُ الركعتين عند المقام مضرةً به أو بغيره فليصل في أي مكانٍ في الحرم ، ونحوُ ذلك من الرخص أو البدائل التي أذن فيها الشرع، مع التنبه التام أنه لا يجوز التلاعب بالمناسك بدعوى التيسير ورفع الحرج.
عباد الله:
إن الحج يجمع ملايين البشر في مكان واحد ووقت واحد، منهم الراجل ومنهم الراكب، فما لم يلزمِ الحجاجُ عامةً وقائدو الحافلاتِ خاصةً السكينةَ والتؤدةَ وأنظمَة السير فإنهم سيعرّضون الضعفاء والمشاة والمراكب الأخرى لخطر الحوادث المؤدية للموت أو الإصابات البالغة.
وليحفظ كل حاج وصيةَ النبي ﷺ حين أفاض من عرفات وهو يقول “أيها الناس: السكينةَ السكينة” رواه مسلم، قال القاضي عياض: “وهو سُنّةُ العبادات، لاسيّما فى الجموع الكثيرة، مع ما فيه من الرفق والتؤدة لهم ولركابهم، وأمنِ الأذى مع ذلك، بخلافِ العَجَلة”.
إخوة الإيمان:
إن الزحام من طبيعة الحج حيث تجتمع حشود الحجيج في مكان واحد لذلك على الحاج “أن يتحفظ من إيذاء الناس في الزحمة، ويتلطفَ بمن يزاحمه ويلحظَ بقلبهِ فضيلةَ البقعةِ التي هو فيها والتي هو متوجهٌ إليها، ويُمهِّدَ عذرَ مَن زاحمه، ويصفح عنه لأنه في الغالب مزحوم، وما نُزِعت الرحمةُ إلا من قلبٍ شقي، قال ﷺ: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)”. صححه التر مذي.
وإن من مكارم الأخلاق في الإسلام الصبرَ والحِلْمَ والرفقَ والأناةَ واجتنابَ الرَّفَثِ والفُسوقِ والجدال، وأولى الناس بهذه الأخلاق هو الحاجُّ المتلبّسُ بأحدِ أعظمِ مناسكِ الإسلام وشعائره.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
.
.
.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الدولة وفقها حريصة غاية الحرص على سلامة الحجاج وأمنهم وراحتهم، ولذلك تُصدر الأجهزةُ الرسمية المعنية بالحجاج على اختلاف مهامها كثيراً من الأنظمة والتعليمات والتنبيهات فينبغي على الحجاج الالتزام بها، ومراعاتها فما وُضِعتْ إلا لمصلحتهم، وإهمالُها وتركُ العمل بموجبها قد يُفضي إلى أضرارٍ بالغة على النفس والغير. وعلى المسلم أن يتذكر دائما أن التزامه بأوامر ولي الأمر هو من طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.
عباد الله:
إن البدن أمانة، فلا يجوز للمسلم أن يلقي بنفسه إلى التهلكة قال تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقال ﷺ : “لا ضرر ولا ضرار” صححه الحاكم. فعلى الحاج أن يحفظ نفسه من التعرض لما يضره في بدنه كالتعرض للشمس مباشرة في شدة الحر، أو يهمل شرب الماء، أو يعرّضَ نفسه لما لا يطيق من الإجهاد، ولْيرْفُق بنفسه قال ﷺ: “إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ” رواه مسلم.
رزقني الله وإياكم الفقه دينه والعمل بما يرضيه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم وفق إمامنا ووليَّ عهده لما تحب وترضى، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
اللهم احفظ الحجاج والمعتمرين ويسر لهم أداء مناسكهم آمنين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.