الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمَدُه ونَشْكُرُه، ونَسْتَعِينُه ونَسْتَهْدِيهِ ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ به مِنْ شُرُورِ أنفُسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأَشْهَدُ أنَّ محمدًا عَبْدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحابَتِه، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ((١٠٢)) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾ [آل عمران: 102-103].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. ((٧٠)) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الشَّرِيعَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ جَاءَتْ بِحِفْظِ الدِّمَاءِ الْـمَعْصُومَةِ، ووُجُوبِ صِيَانَتِهَا، وعَدَمِ الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهَا، وتَحْرِيمِ سَفْكِهَا وإِرَاقَتِهَا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿والَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ولَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ولَا يَزْنُونَ ومَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان: 68، 69].
وقَــالَ تَـعَــالَى: ﴿ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].
وفِي الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يَزَالَ المؤمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا».
وعَنْهُ أيضًا قَالَ: «إِنَّ مِنْ ورَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ».
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْـمُوبِقَاتِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ومَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْـحَقِّ، وأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وأَكْلُ الرِّبَا، والتَّولِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ الْـمُحْصِنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْـمُؤْمِنَاتِ».
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أَكْبَرُ الكَبَائِرِ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وقَوْلُ الزُّورِ، - أَوْ قَالَ: وشَهَادَةُ الزُّورِ -».
وعَنْ عُبَادَةَ ابن الصَّامِتِ رضي الله عنه، قَالَ: «إِنِّي مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَلَّا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا، ولاَ نَسْرِقَ، ولاَ نَزْنِيَ، ولَا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ، ولاَ نَنْتَهِبَ، ولاَ نَعْصِيَ، بِالْجَنَّةِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللهِ».
وعَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا»، وغَيْرهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ فَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
بَلْ وإِنَّ مِنْ عِظَمِ خَطَرِ سَفْكِ الدِّمَاءِ أَنَّهَا أَوَّلُ مَا يُقْضَى فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَولُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ».
وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ عِظَمِ خَطَرِ سَفْكِ الدِّمَاءِ أَنَّ الشَّرِيعَةَ تَبَرَّأَتْ مِمَّنْ حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَى الْـمُسْلِمِينَ؛ فَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا».
كُلُّ هَذَا وغَيْرُهُ كَثِيرٌ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الدِّمَاءِ الْـمَعْصُومَةِ، وعَدَمِ التَّعَدِّي عَلَيْهَا، أَوِ التَّعَرُّضِ لَهَا.
بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ بِحِفْظِ الضَّرُورَاتِ الْخَمْسِ: الدِّينِ، والنَّفْسِ، والْعَقْلِ، والْعِرْضِ والْـمَالِ؛ الْـمَبْنِيُّ حِفْظُهَا وُجُودًا في جَلْبِ الْـمَصَالِحِ وتَكْثِيرِهَا؛ فَكُلُّ طَاعَةٍ تَرْجِعُ إِلَيْهَا، وعَدَمًا في دَرْءِ الْـمَفَاسِدِ وتَقْلِيلِهَا؛ فَكُلُّ مُخَالَفَةٍ خَارِجَةٌ عَنْهَا.
بَلْ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ أَيْضًا بِحِفْظِ الْـحَاجِيَّاتِ والتَّحْسِينِيَّاتِ؛ فَقَدْ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ بِكُلِّ خَيْرٍ وهُدًى وصَلَاحٍ، ونَهَتْ عَنْ كُلِّ شَرٍّ وفَسَادٍ وضَلَالٍ.
قَالَ الْإِمَامُ الشَّاطِبِيُّ رحمه الله: «الشَّرِيعَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حِفْظِ الضَّرُورِيَّاتِ والْـحَاجِيَّاتِ والتَّحْسِينِيَّاتِ»، اهـ.
والشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَدْلِ والْقِسْطِ، بَلْ هُوَ مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ في جَمِيعِ الشَّرَائِعِ.
يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والْإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]؛ فَاللهُ سُبْحَانَهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَّةً مِنْهُ وتَفَضُّلًا أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا، وحَرَّمَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، وحَرَّمَهُ عَلَى عِبَادِهِ، فَقَالَ في الْـحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا»، وأَمَرَ بِالْعَدْلِ والْقِسْطِ في جَمِيعِ الْـمُعَامَلَاتِ، وأَدَاءِ الْـحُقُوقِ الْـمُتَنَوِّعَةِ بَيْنَ النَّاسِ، ونَهَى عَنِ الظُّلْمِ في الدِّمَاءِ والْأَمْوَالِ والْأَعْرَاضِ والْـحُقُوقِ كُلِّهَا؛ ومِنْ ذَلِكَ حُقُوقُ الرَّاعِي والرَّعِيَّةِ؛ فَإِنَّ التَّعَامُلَ يَكُونُ مُنْطَلِقًا مِنْ هَذِهِ الْقِيمَةِ الْأَسَاسِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَى مُرَاعَاتِهَا إِقَامَةُ الْـحُقُوقِ، وإِشَاعَةُ الطُّمَأْنِينَةِ والسَّعَادَةِ، والتَّلَاحُمِ والتَّرَابُطِ، والْـمَحَبَّةِ، والْأُلْفَةِ.
وَيَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الْعَدْلَ في الْإِسْلَامِ مَعْنًى شُمُولِيٌّ؛ يَنْتَظِمُ الْعَدْلَ في مُعَامَلَةِ الْخَالِقِ، والْعَدْلَ في مُعَامَلَةِ الْـمَخْلُوقِ، ويَشْمَلُ الْعَدْلَ في الْقَوْلِ، والْعَدْلَ في الْفِعْلِ والْعَمَلِ، بَلْ حَتَّى في الْـمَشَاعِرِ والْأَحَاسِيسِ، ولِهَذَا يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ولَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: 152].
يقولُ الْـمَلِكُ سَلْمَانُ -حَفِظَهُ اللهُ- في أَوَّلِ كَلِمَةٍ لَهُ، عَقِبَ تَوَلِّيهِ حُكْمَ الْبِلَادِ: «سَنَظَلُّ بِحَوْلِ اللهِ وقُوَّتِهِ مُتَمَسِّكِينَ بِالنَّهْجِ الْقَوِيمِ، اَلَّذِي سَارَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الدَّوْلَةُ مُنْذُ تَأْسِيسِهَا عَلَى يَدِ الْـمَلِكِ الْـمُؤَسِّسِ عَبْدِالْعَزِيزِ رحمه الله، وعَلَى أَيْدِي أَبْنَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ رَحِمَهُمُ اللهُ، ولَنْ نَحِيدَ عَنْهُ أَبَدًا؛ فَدُسْتُورُنَا هُوَ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وسُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم».
.
.
.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ لِلَّـهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللـهِ، وبَعْدُ:
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْـمَمْلَكَةَ الْعَرَبِيَّةَ السُّعُودِيَّةَ بِثَوَابِتِهَا وأُسُسِهَا وقَوَاعِدِهَا الَّتِي قَامَتْ عَلَيْهَا والْـمَبَادِئِ والْأُصُولِ الَّتِي تَنْطَلِقُ مِنْهَا تَعْمَلُ عَلَى نَشْرِ كُلِّ خَيْرٍ وفَضْلٍ وتَعَاوُنٍ عَلَى الْبَرِّ والتَّقْوَى، ومَا يَجْمَعُ الْقُلُوبَ ويُؤَلِّفُهَا، ويُلِمُّ الشَّمْلَ، ويَرْأَبُ الصَّدْعَ، ويُحَذِّرُ ويُحَارِبُ كُلَّ فَسَادٍ وإِفْسَادٍ وإِرْهَابٍ وتَطَرُّفٍ وغُلُوٍّ وجَفَاءٍ وإِفْرَاطٍ وتَفْرِيطٍ، أَيًّا كَانَ نَوْعُهُ، ومَهْمَا كَانَ جِنْسُهُ، أَوِ الْـمُنَادِي بِهِ مِنَ الدَّاخِلِ أَوِ الْخَارِجِ.
وَإِنَّ مِمَّا يُحْمَدُ لِوُلَاةِ أَمْرِ هَذِهِ الْبِلَادِ الْـمُبَارَكَةِ تَنْفِيذَ حُدُودِ اللهِ، وأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ أَخْذًا بِمَا أَمَرَهُمُ اللهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ؛ فَالْـحُدُودُ أَسْوَارٌ مَنِيعَةٌ، وعُقُوبَاتٌ زَاجِرَةٌ مِنَ التَّعَدِّي عَلَى الدِّينِ والْأَنْفُسِ والْأَعْرَاضِ والْعُقُولِ والْأَمْوَالِ، وغَيْرِهَا مِمَّا يَحْتَاجُهُ النَّاسُ.
وَقَدْ أَمَرَ وشَدَّدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِإِقَامَةِ الْـحُدُودِ؛ حَتَّى يَحْرِصَ وُلَاةُ أُمُورِ الْـمُسْلِمِينَ عَلَى إِقَامَتِهَا وتَنْفِيذِهَا، وتَطْبِيقِهَا عَلَى الرَّعِيَّةِ، وعَدَمِ التَّهَاوُنِ أَوْ الِاسْتِخْفَافِ بِهَا؛ فَضْلًا عَنْ تَرْكِهَا، أَوْ اسْتِبْدَالِهَا بِغَيْرِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ الْبَشَرِيَّةِ الْأَرْضِيَّةِ الْوَضْعِيَّةِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْـمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ في عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: ومَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ؛ حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَتَلَوَّنَ وجْهُ رَسُولِ اللهِ ، فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟»، فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ، قَامَ رَسُولُ اللهِ ، فَاخْتَطَبَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْـحَدَّ، وإِنِّي والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْـمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقُطِعَتْ يَدُهَا.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِقَامَةُ حَدٍّ بِأَرْضٍ، خَيْرٌ لِأَهْلِهَا مِنْ مَطَرٍ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا».
فَفِي هَذَا الْـحَدِيثِ أَنَّ إِقَامَةَ الْـحَدِّ خَيْرٌ مِنَ الْـمَطَرِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ومِنَ الْـمَعْلُومِ أَنَّ الْـمَطَرَ والْغَيْثَ لِمُدَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا خَيْرُهُ ونَفْعُهُ بِإِذْنِ اللهِ عَامٌّ يَشْمَلُ الْبِلَادَ والْعِبَادَ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ والنَّفْعِ؛ فَإِقَامَةُ حَدٍّ واحِدٍ خَيْرٌ مِنْ هَذَا الْإِمْطَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ الْأَنْفُسِ والْأَعْرَاضِ والْأَمْوَالِ وغَيْرِهَا مِنَ الضَّرُورَاتِ الَّتِي تُصْلِحُ النَّاسَ، وتَجْلِبُ الْخَيْرَ والْأَمْنَ والْأَمَانَ.
عبادَ اللهِ:
هَذَا، وصَلُّوا وسَلِّمُوا على خَيْرِ عبادِ اللهِ، الرحمةِ المُهداةِ، والنِّعْمَةِ المُسْدَاةِ، محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وزِدْ وبارِكْ على نَبِيِّنا محمدٍ، وارْضَ اللهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين، وصَحابَتِه الغُرِّ المَيَامِينِ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أعداءَ الدِّينِ، اللهم اجْعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وسائِرَ بلادِ المسلمينَ.
اللهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنا، وأَصْلِحْ أئِمَّتَنا ووُلَاةَ أُمُورِنا، اللهُمَّ وفِّقْ وليَّ أَمْرِنا خَادِمَ الحرمينِ الشريفينِ سلمانَ بنَ عبدِ العزيزِ ووليَّ عَهْدِه الأمينَ بتَوْفِيقِكَ، واكْلَأْنَا وإيَّاهُمْ بِعِنَايَتِكَ ورعايتِكَ، وأَلْبِسْنا وإيَّاهُمْ ثَوْبَ الصِّحَّةِ والعافيةِ، وزِدْنا وإيَّاهُمْ عِزًّا ونَصْرًا وتمْكِينًا وقِيامًا بكِتَابِكَ وبسُنَّةِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم ، وما كَانَ عليه سَلَفُ هذه الأمةِ.
اللهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنا البَوَاسِلَ، ورِجَالَ أَمْنِنا دَاخِلَ البلادِ، وعلى الحدودِ والثُّغُورِ، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ ومَكِّنْ لهمُ، اللهُمَّ ثَبِّتْ قلوبَهُمْ، وارْبِطْ على جأشِهِمْ، واخْذُلْ عَدُوَّهُمْ، وزِدْهُمْ قُوَّةً وبصيرةً،
واحْفَظْنَا وإيَّاهُمْ مِنْ بَيْنِ أيْدِينا ومِنْ خَلْفِنا، وعنْ أَيْمَانِنَا، وعَنْ شَمَائِلِنَا، ومِنْ فَوْقِنا، ونَعُوذُ بِكَ أنْ نُغْتَالَ وإيَّاهُمْ مِنْ تَحْتِنا. اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشقاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشَمَاتَةِ الأعداءِ، وغَلَبَةِ الدَّيْنِ، وقَهْرِ الرجالِ.
اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ، والهَمِّ والحَزَنِ والكَسَلِ، اللهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ، لا يَهْدِي لِأَحْسَنِها إلَّا أنتَ، واصْرِفْ عنَّا سَيِّئَها، لا يَصْرِفُ عنَّا سَيِّئَها إلَّا أنتَ، اللهُمَّ زِدْنَا تَوْفِيقًا وعِلْمًا، وارْزُقْنَا الإخلاصَ والاحْتِسَابَ في القولِ والعَمَلِ، واحْفَظْ بِلادَنا، وأَدِمْ أَمْنَنَا، ورَغَدَ عَيْشِنا، واسْتِقْرَارَنا، وأَبْعِدْ عنَّا كلَّ حاسدٍ وحاقدٍ وفاسِدٍ.
وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ على نَبِيِّنا محمدٍ.