التسبيح قبل النوم

الشيخ عبدالسلام الشويعر

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ .

«يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون»، «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا»، «يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً * يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً».

روى البخاري (وما بين القوسين منه) وابن حبان عن علي ﷺ قال: (شكت لي فاطمة - من الطحين، فقلت: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً، قال: فأتت النبي - فلم تصادفه فرجعت مكانها فذكرت ذلك لعائشة فيه ، فلما جاء أخبرته عائشة ، فأتانا وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولا خرجت منها جنوبنا وإذا لبسناها عرضاً خرجت منها أقدامنا ورؤوسنا، فذهبنا نقوم، فقال : { على مكانكما } ، فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني ، فقال : {يا فاطمة أخبرت أنك جئت فهل كانت لك حاجة ؟ } قالت: لا، قلت: بلى شكت إلى من الطحين، فقلت: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً، فقال لي { أفلا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ؟ إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم ) .

عباد الله:

إن معنى أمر النبي ﷺ بهذا الذكر في هذا الموضع وجعله خيراً من الخادم، له معنيان صحيحان.

أحدهما: أن المراد الخيرية الأخروية، إذ الخادم بالدنيا، والآخرة خير وأبقى، ولذا ثبت عند أهل السنن أن النبي ﷺ قال: {خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل، يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا، ويكبر عشرا، ويحمد عشرا، فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان .. وإذا أوى إلى فراشه سبح وحمد وكبر مائة. فتلك مائة باللسان وألف في الميزان. فأيكم يعمل في اليوم ألفين وخمسمائة سيئة } قالوا: وكيف لا يحصيهما ؟ قال: (يأتي أحدكم الشيطان وهو في الصلاة فيقول: اذكر كذا وكذا، حتى ينفك العبد لا يعقل، ويأتيه وهو في مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام .

والمعنى الثاني: أن الخيرية دنيوية لما قال هذا التسبيح، فهذا الذكر خير بالنسبة لما طلبته فاطمة رضي الله عنها

من خادم يعينها على مهنتها، من ثلاث جهات:

أحدها: أن الله تعالى يعطي للمسبح قوة يقدر بها على الخدمة أكثر مما يقدر الخادم عليها ، قال ابن قيم : ( الذكر يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه.. فقيل: أن من داوم على الذكر الذي علمه النبي ﷺ ابنته فاطمة قبل النوم وجد قوة في يومه ما يغنيه عن خادم) [ الوابل الصيبب ] .

والثاني: وقيل: إن من سبح قبل نومه فإنه تسهل الأمور عليه بحيث يكون فعل تلك الأعمال في النهار بنفسه

أسهل عليه من أمره الخادم بذلك، ومن أول ذلك سهولة استيقاظه لصلاة الفجر واستيقاظه من مطلق نومه

والثالث: وقيل: إن من قال هذا الذكر فإنه يصبح من نومه نشيطاً ولو أجهد بدنه يومه كله، ، ولم يعي ويتعب ي تالي يومه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل وغيره ) [الوابل الصيب].

وقال الشيخ محمد السندي: (في هذا الحديث أن من واظب على ذلك الذكر عند النوم لم يعي: لأن فاطمة - اشتكت التعب من العمل، فأحالها على ذلك الذكر).

ويدل لذلك ما جاء عند ابن حبان عن جابر له أن النبي ﷺ قال: (( إذا أوى الرجل إلى فراشه أتاه ملك وشيطان، فيقول الملك: اختم بخير، ويقول الشيطان: اختم بشر. فإن ذكر الله، ثم نام باتت الملائكة تكلؤه، فإن استيقظ قال الملك: افتح بخير. وقال الشيطان: افتح بشر )) .

فدل هذا الحديث على أن من ختم ليله بخير وهو التسبيح والذكر، فإن الملك يقول له إذا أصبح: ( افتح بخير ) ، فييسر الله أموره ويعينه عليها.

والسبب في ترتيب كل هذه الآثار الدنيوية على هذا الذكر اليسير: أن النوم إنما سببه ضعف البدن وإجهاده، فهو علامة نقص في بدن الآدمي، ولذا تنزه الله عنها؛ كما قال سبحانه: « الله لا إله الأهوا الح القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض . فإذا سبح العبد ربه ونزهه وأثنى عليه بلسانه وواطأ قلبه ما ينطق لسانه فإن الله يحفظه ويهبه القوة والحياة، كما قال جل وعلا: «الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون؟ .

عباد الله:

إن تسبيح الله ثلاثاً وثلاثين وتحميده ثلاثاً وثلاثين، وتكبيره أربعاً وثلاثين من كلمات يسيرة على اللسان، بيد أن أجورهن كثيرة، إذ لذكر الله أثر على العبد لا ينكر، ويتعدى مداه إلى حفظ جسده، وزيادة قوته.

ولكن لا يقول هذه الكلمات إلا القليل من القوم؛ كما جاء في الحديث: (وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل). وذلك أن الشيطان يأتي أحدهم فيلقي عليه النوم، وينسيه ذكرها، ولا يستمر عليها إلا الموقنون الأشداء، قال علي : ( فما تركتها منذ سمعتها من رسول الله ﷺ ) ، فقالوا له: ولا ليلة صفين ؟ قال: (ولا ليلة صفين ) .

عباد الله ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

.

.

.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره ومن استن بسنته واهتدى بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله : فاتقوا الله حق التقوى وتمسكوا بالإسلام بالعروة الوثقى.

وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شد شد ع النار، واعلموا عباد الله أن خير الكلام كلام الله جل وعلا ، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله رسول الله ﷺ ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال جل وعلى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما » ، اللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا ورسولنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وأزواجه أمهات المؤمنين.

اللهم وارض عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحابة يارب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، وانصر اللهم من نصر الدين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمة الإسلام أمرا يعز فيه أهل طاعتك ويعافي فيه عن أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهي فيه عن المنكر ياسميع الدعاء، اللهم آمنا والمسلمين عامة في أوطاننا، واصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وسدده بتسديدك واصلح له بطانته يا رب العالمين.

اللهم اصرف عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن ، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يارب العالمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، عباد الله ، أقول ما تسمعون ، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ، وأقم الصلاة.