الأذان من شعائر الإسلام

الشيخ صالح الأطرم

الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والفضل والطَّول والمِنن الجِسام، الذي هدانا للإسلام، وأسبغ علينا نِعمَه وألطافه العِظام، وأفاض علينا من خزائن مُلْكه أنواعًا من الإنعام، وكرَّم الآدميين وفضَّلهم على غيرهم من الأنام، وجعل فيهم قادةً يدْعون بأمره إلى دار السلام، أحمده - سبحانه - المستحِق لأعظم الحمد وأكمله وأشمله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتضمِّنة اعتقاد ربوبيَّته، والإذعان لجلاله وعظمته، ووحدانيَّته وحمده، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى من خليقته، والمختار المجتبى من بريَّته - صلى الله عليه - وآله وصحابته، والمتبعين لسنته.

أما بعد:

فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الأذان شعيرة من شعائر الإسلام، وفريضة عظيمة يجب على المسلمين إظهارُها وإعلانها، والقيام بحقوقها، والحِفاظ عليها وتشجيعها؛ ديانةً لله - سبحانه - ورجاء ما عنده من الثواب، وخوفًا من عقابه، فالأذان هو: الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة؛ تعبُّدًا لله تعالى، وهو مع قلة ألفاظه يشتمل على مسائل العقائد؛ لأنه يبدأ بالتكبير، وهو المتضمِّن لوجود الله وكماله، ثم ثنَّى بالتوحيد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عَقِب الشهادة بالرسالة؛ لأنها لا تُعرَف إلا من جِهة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم دعا إلى الفلاح، وهو البقاء الدائم، وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم إعادة ما بدأ به توكيدًا.

ويحصل من الأذان:

الإعلام بدخول الوقت، والدعاء إلى الجماعة، وإظهار شعائر الإسلام، والحكمة في اختيار القول له دون الفعل، هي: سهولة القول وتيسُّره لكل أحد في كل زمان ومكان.

عباد الله:

إن دليل مشروعية الأذان في الكتاب والسنة قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ﴾ [المائدة: 58]، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾ [الجمعة: 9]، وأما السنة، فمنها ما ورد من حديث ابن عمر في البخاري في سبب مشروعيَّة الأذان، وهو أن الجماعة شرعتْ في الصلاة فكانوا يتحرُّون الوقت، فاجتمعوا ذات يوم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبحثوا في وسيلة تُعلِمهم بوقت الصلاة، فمنهم مَن اقترح ناقوس النصارى، ومنهم من اقترح بوقَ اليهود، ومنهم مَن اقترح نارَ المجوس، فكلها يرفضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُبعِد المسلمين عن مشابَهة هؤلاء، فجاء اقتراح عمر - رضي الله عنه - الموافِق لشرْع الله تعالى، فقال: أوَلا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بلال، قم فنادِ بالصلاة)).

فعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "كان المسلمون حين قدِموا المدينة يجتمعون فيتحيَّنون الصلاةَ ليس يُنادى لها، فتكلَّموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مِثل بوق اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قم يا بلال، فنادِ بالصلاة)).

ومن أدلَّة وجوب الأذان:

قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من ثلاثة لا يؤذِّنون ولا تُقام فيه الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان))، فدلَّ الحديث على وجوبها؛ لأنه جعل ترْكها سببًا لاستحواذ الشيطان، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((يَعجَب ربُّك - عز وجل - من راعي الغنم في شَظِيَّةٍ بجبل يؤذِّن للصلاة ويصلي، فيقول الله - عز وجل -: انظروا إلى عبدي هذا يؤذِّن ويُقيم الصلاةَ؛ يخاف مني، فقد غفرت لعبدي وأدخلتُه الجنة)).

وهذا الوجوب وهذا الفضل للأذان من الرجال، أما النساء، فليس عليهن أذان ولا إقامة، ولو أقامت المرأة سرًّا، فلا بأس - إن شاء الله - لحديث: ((ليس على النساء أذان ولا إقامة)).

ويُستحَب رفْع الصوت بالأذان؛ لكونه سببًا للمغفرة وشهادة الموجودات؛ لأنه أمر بالمجيء إلى الصلاة، فكل ما كان أدعى لإسماع المأمومين بذلك، كان أَوْلى، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المؤذِّن يُغفَر له مدَّ صوته، ويَشهد له كلُّ رطْب ويابس))[1]، وقد قال لأبي محذورة: ((ارجع فارفع صوتك)).

وينبغي لسامع الأذان أن يتحرَّك قلبه، ويُجيب منادي ربه، فيقول مثلما يقول المؤذن، وأن يترك التشاغلَ بالكلام أو الحركة، كما في الحديث الشريف: ((إذا سمعتُم النداءَ، فقولوا كما يقول المؤذن))، ولا ينبغي له أن يَنصرِف أو يقوم مسرعًا حين يسمع الأذان؛ فإن هذه صفة الشيطان، فهو الذي يتولَّى وله ضراط حين يسمع الأذان، وفي فضْل مجاوبة المؤذن ما روي في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه، دخل الجنة))، فوعد بدخول الجنة؛ لأن الأذان توحيد وثناء على الله تعالى، وانقياد لطاعته وتفويض إليه، فمن حصَّل هذا، فقد حاز حقيقة الإيمان، وكمال الإسلام، واستحقَّ الجنة بفضل الله تعالى.

وفي الحديث الآخر: ((مَن قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)).

فهذا الفضل العظيم على مجاوبة الأذان يدلُّ على الجواب بالفعل، وهو السعي إلى حضور المساجد والجماعات؛ ففي الحديث: ((من سمِع النداء ولم يُجِب، فلا صلاة له إلا من عُذْر))، وقوله للأعمى: ((هل تسمع النداء؟))، قال: نعم، قال ((فأجب)).

فمن سمع الأذان ولم يُجِبه بالقول، ولم يحضر للصلاة، فهل ترونه مشجعًا لإحياء هذه الشعيرة؟! وهل ترونه مشجعًا لاجتماع الكلمة؟!

وهل ترونه ممتثلاً منقادًا لله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لما دعي لما يحيي قلبه ويؤمِّن جسمه من عذاب الله؟

فالحذر - يا أخي المسلم - من التشبه بالشيطان الذي يتولى وقت الأذان هاربًا، ومن اليهود والمنافقين الذين يستهزئون بالأذان، فاستمرارك بعملك ونومك عن صلاتك واشتغالُك بلهوك غير مبالٍ، هو الاستهزاء بعينه، فافزع إذا سمعتَ منادي الله تعالى، ولا تنتظر مَن يسحبك، أو يُوقِف حركتَك، أو يُغلق متجرك بالقوة.

هذا مقتضى الإسلام ومعنى لا إله إلا الله.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة: 58].

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.