من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

الشيخ سليمان الرحيلي

الخطبة الأولى:

الحمد لله ربِّنا ومولانا، لا نعبد إلا إياه ونحمده على ما هدانا، ونشكره على ما أنعم به علينا وأولانا، نزل القرآن للحق تبيانا، وجعل السنة مثله وله بيانا، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له توحيدا له وإيمانا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أصدق البشر لسانا، وأحسنهم بيانا، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم اقتداءً وإحسانا.

أما بعد فيا عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، ففي ذلك الفوز يوم القيامة، والحياة الطيبة في الدنيا، قال ربنا سبحانه: {يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُونَ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، وقال سبحانه: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا}، وقال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثَى وَهْوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِينَّهُ حَيَاةً طَيبَة}.

عباد الله:

إن ربنا سبحانه قد أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضيَ لنا الإسلام دينا، قال ربنا سبحانه {الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَليكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا}، وإن المسلمين يا عباد الله يتفاوتون في إسلامهم، فمنهم مسيء في إسلامه، ومنهم محسن في إسلامه، والله يحب المحسنين، كما أن المؤمنين يا عباد الله متفاوتون في إيمانهم، فمنهم ظالم لنفسه يترك بعض الواجبات ويفعل بعض المحرمات، و هذا مسلم مسيء في إسلامه مؤمن ناقص الإيمان، ومنهم مقتصد يفعل الواجبات ما استطاع ويترك المحرمات وهذا مسلم محسن في إسلامه و مؤمن قد أتى بالإيمان الواجب، ومنهم سابق بالخيرات يفعل الواجبات ويترك المحرمات ويكثر من المستحبات ويترك المكروهات، وهذا يا عباد الله قد أحسن في إسلامه إحسانا عظيمة وأتى بالإيمان الواجب و المستحب، يقول الله عز وجل: {ثُمَّ أَورَثنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَينَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وِمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}.

فالمؤمن الموفق والمسلم الموفق الذي يحرص على حسن إسلامه، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم إذا أحسن إسلامه ضاعف الله ثوابه، وكلما زاد في الإحسان كلما زادت المضاعفة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أحسن أحدكم إسلامه تكتب له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، وتكتب له السيئة بمثلها، حتى يلقى الله)).

قال العلماء:

المقصود أن المسلم إذا أحسن إسلامه في أول درجات الإحسان تكتب له الحسنة بعشر أمثالها، و كلما زاد في إحسان إسلامه كلما زادت له المضاعفة من ربه سبحانه وتعالى.

و قد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر -يا عباد الله- إذا لزمناه وكنا من أهله حسن إسلامنا وزادنا ذلك إحسانا و أعاننا على الإحسان، فقال صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))، نعم يا عبد الله من حسن إسلامه ومما يعينك على إحسان إسلامك، أن تعتني بما يعنيك وأن تترك ما لا يعنيك، فإذا فعلت ذلك سلكت طريق الإحسان، فما الّذي يعنيك يا عبد الله؟، وما الّذي لا يعنيك يا عبد الله؟.

 قال العلماء: الّذي يعني المسلم ما طلب منه وما كلف به وما كان له فيه فائدة، والذي لا يعني المسلم هو الذي لم يطلب منه وإنما طلب من غيره أو لا فائدة له فيه.

فالأمر الّذي لم يطلب منك -يا عبد الله- لا تدخل رأسك فيه ولا تتدخل فيه، وادعوا لصاحبه بأن يوفقه الله عز وجل إلى العمل بما يرضيه، وإذا استطعت أن تنصح بالطريقة الشرعية إذا رأيت خللا ففعل فإن ذلك مما يعنيك، فمثلا يا عباد الله هناك أمور قد أوكلها الشرع إلى ولاة الأمور، فلا ينبغي للعبد أن يُدخل نفسه فيها وأن يُعرض نفسه لها، وإنما يَدعوا لِولي الأمر أن يوفقه الله إلى الخير فيها وأن يُرشده إلى الهدى فيها، هذا الذي ينبغي على العبد إذا كان يريد أن يكون من المحسنين في إسلامهم، والذي لا يفيدك يا عبد الله تقلل منه ما استطعت، فإن الّذي ينشغل بما لا يعنيه ينشغل عن ما يعنيه، وإن العبد إذا انشغل بما لا يعنيه لا يجلب لنفسه إلا القلق وعدم الراحة، ولا يستفيد شيئا ولا يحقق شيئا.

فالله الله عباد الله، احرصوا على ما يعنيكم، احرصوا على ما يقربكم إلى ربكم، أكثروا من الخيرات وسابقوا إلى الجنات، واعملوا الخير لعلكم تفلحون.

وإياكم يا عباد الله، أن تُشغلوا أنفسكم بما لا يعنيكم وما يصرفكم عما يَعنيكم، أسأل الله عز وجل أن يوفقني وإياكم الى ما يحب ويرضى.

أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

.

.

.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد فيا عباد الله، إن ربنا سبحانه وتعالى يقول: {كُنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنَاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله}، فمن خيرية المؤمن ومن خيرية الأمة الأمر بالمعروف بمعروف من غير إفساد، والنهي عن المنكر بغير منكر، فهاذا يا عباد الله مما يعني المؤمن، ومما يعني المؤمنين الأمر بالمعروف بمعروف من غير إفساد، والنهي عن المنكر بغير منكر مما يعنينا يا عباد الله.

فليس صحيحا ما يقوله بعض الناس عليك بنفسك ولا تأمر بمعروف ولا تنهى عن المنكر ولو كنت مستطيعا لذلك وقادرا على ذلك بمعروف ومن غير منكر، نعم يا عباد الله ربنا سبحانه وتعالى قال لنا: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَليكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضرُّكُمْ مَن ضلَّ إِذَا اهْتَدِيتُم}، نعم ورب الكعبة لا يضرنا من ضل إذا اهتدينا، لكن من الهُدى إذا رأينا معروفا واجبا متروكا وكنا نستطيع أن نأمر به بمعروف أن نأمر به، وإذا رأينا منكرا مفعولا وكنا نستطيع أن نُنكره من غير منكر ولا فساد من الهدى أن ننكره، فإذا أمرنا بالمعروف مع القدرة ونَهَينا عنِ المنكر بغير منكر فقد اهتدينا، فلا يضرنا من ضل بعد ذلك أبدا.

فعلينا عباد الله أن نفهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما صحيحا بفهم سلف الأمة، بفهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نكون من المهتدين، ولا نسيرُ في طريق الضالين.

ثم اعلموا رحمني الله وإياكم، أن الله أمرنا بأمر عظيم شريف، تزداد به أجورنا ونفعل شيئا من حق نبينا صلى الله عليه وسلم علينا، فقال سبحانه {إنَّ الله ومَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا)).

فاللهم صلي على محمد ...

اللهم اجعلنا ممن رضيت أقوالهم وأفعالهم وقبلتها، يا رب العالمين.

اللهم تقبل منا إحساننا واغفر لنا تقصيرنا، اللهم تقبل منا إحساننا واغفر لنا تقصيرنا، اللهم تقبل منا إحساننا و اغفر لنا تقصيرنا.

اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.

اللهم إنا عباد من عبادك قد اجتمعنا في بيت من بيوتك نؤدي فريضة من فرائضك نرجوا رحمتك وجنتك ونخاف من نارك وغضبك اللهم فأعطنا ما نرجوا، وأَمِّنَا مما نخاف يا رب العالمين.

اللهم كما جمعتنا في هذا اليوم المبارك في هذا المسجد المبارك اجمعنا و والدينا وأهلينا و ذرياتنا وأحبابنا في الفردوس الأعلى أجمعين، اللهم لا تحرم منا أحدا، اللهم لا تحرم منا أحدا، اللهم لا تحرم منا أحدا.

اللهم بارك لنا في أعمارنا، وبارك لنا في أعمالنا، وبارك لنا في أموالنا، وبارك لنا في أهلينا، وبارك لنا في ذرياتنا، وبارك لنا في بيوتنا، وبارك في علمائنا، وبارك لنا في ولاة أمرنا، اللهم زد جماعتنا قوة و زد محبتنا أُلفة يا رب العالمين.

فاللهم صلي على محمد