حديث ( من عادى لي وليا ) - وصيام الست من شوال

الشيخ عبيد الجابري

الـخـطـبـة الأولــى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله الـخـطـبـةفلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أما بعد:

فإن خيرَ الكلام كلامُ الله وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون:

في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: (( إن الله تعالى يقول: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )).

أيها المسلمون:

في هذا الحديث جملةٌ من الفوائد والفقه ما من مسلم يسمعها إلا قويتْ في الله رغبته وعظم فيه يقينه وحرص جاهدا على سلوك كل سبيل يقربه إلى الله تعالى من فعلِ المأمورات وتركِ المنهيات، من فعلِ ما أمر الله به ورسوله ، وتركِ ما نهى الله عنه ورسوله، وقبولِ كل ما أخبر به الله ورسوله، واعتقادِ أن ذلك كله حق على حقيقته يجب أن يصان عن الظنون الكاذبة والخيالات الباطلة.

ومن ذلكم الفقه وتلكم الفوائد أيها المسلمون:

الفائدة الأولى: إثبات صفة من صفات الرب جل وعلا دل عليها كتابه وصحيح سنة نبيه ﷺ وأجمع عليها المسلمون كما كانت هذه الأدلة الثلاثة متوافقة كلها ومتواطئة كلها على إثبات ما وصف الله به نفسه أو وصفه به نبيه ﷺ واعتقاد أن ذلك حق على الحقيقة من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تأويل كما قال الحق جل ثناؤه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} هذا الحديث الصحيح وهو مروي كما سمعتم في أعظم الكتب صحة بعد كتاب الله سبحانه وتعالى وهو الكتاب الذي صنفه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وجمع فيه آلافا من أحاديث رسول الله ﷺ إنها صفة المحبة لله سبحانه وتعالى.

الفائدة الثانية: حض المسلم الذي اطمأن قلبه بالإيمان وأحب أن يكون عبدا مخلصا لله سبحانه وتعالى يقفُ عند أوامره فيفعلُ منها ما استطاع ويقفُ عند نواهيه فيتجنبُها كما قال النبي ﷺ : (( إذا أمرتكم بالأمر فافعلوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)).

وذلكم الحظ الذي يخاطب به كل مسلم حريص على ما يقربه إلى الله سبحانه وتعالى وهو من أسباب المحبة له في أمرين :

الأول: المحافظة على ما افترضه الله عليه وأن يؤديه مخلصا فيه لله متابعا فيه سنة رسوله ﷺ وسواء يا عباد الله كانت تلكم الفرائض والواجبات لله عزوجل أو لعباد الله "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه".

الثاني: في استكثار المسلم بعد محافظته على فرائض الله من نوافل العبادات وهي التطوعات والمندوبات والمستحبات وحد ذلك كل ما أمر به الشارع وحظ عليه ورغب فيه من غير إيجاب كركعتي الضحى والسنن الراتبة القبلية والبعدية وغير ذلك مما قرر أئمة الإسلام أنه ليس بواجب إنما هو سنة.

فإذا يتلخص من هذا أيها المسلم الناصح لنفسه أن محافظتك على فرائض الله واستكثارك من نوافل العبادات سبب من أسباب محبة الله لك.

أيها المسلمون:

ومن أحبه الله فلا يُسأل عن حسن حاله ومآله في الدنيا والآخرة يوضح ذلكم قوله ﷺ : (( إِذَا أحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحْبِبْهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فيُنَادِي جِبْرِيلُ في أهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ )).

فاللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا واسلك بنا كل سبيل يقربنا إليك ويرفع درجاتنا عندك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

.

.

.

الـخـطـبـة الـثـانـيـة:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا أما بعد:

فيا عباد الله:

أمر آخر يستبشر به المسلمون وتطيب به نفوسهم وتزداد به رغبة في الخير قلوبُهم وتشتد عزائمهم أعني كل من كان كيسا فطنا رزقه الله مجاهدة نفسه وتطويعها لمحاب الله ومراضيه تزودا في الخيرات ومسارعة في الطيبات ومنافسة في زيادة الحسنات وتكفير السيئات وذلكم يوضحه ما أخرجه مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر كله)) فحاصل هذا الحديث أن من جمع الله له بين هذه الشعيرتين صيام رمضان وصيام ست من شوال فكأنه يصوم لله سنة من أول شهر فيها حتى نهاية آخر شهر فيها.

واعلموا أيها المسلمون:

أن هذا الأجر والثواب الذي بشركم به نبيكم ﷺ مقيد بقيود ثلاثة فتفطنوا إليها وعوها وافهموها:

القيد الأول: أن تكون هذه الأيام ستا فلو نقص منها يوم واحد لم يحصل هذا الأجر.

القيد الثاني: أن تكون في شوال وهذا جاء مطلقا فإن المسلم يسوغ له صيامها في أول هذا الشهر وفي وسطه وفي آخره على حد سواء ويصيب السنة سواء كان صامها متتابعة أو متفرقة إلا أن التتابع أفضل لأنه يؤمن معه النسيان.

القيد الثالث: أن يتم شهر رمضان وهذا بيانه فيما يأتي وهو أن من كان عليه قضاء من رمضان فلا يخلو من حالين:

أحدهما أن يكون عنده قوة ونشاط وسعة في أمره فإنه يؤمر بصيام ما عليه من قضاء ثم يتبع بعد ذلك الست من شوال لأنه بهذا الصنيع يكون قد أتم قبل ذلك صيام رمضان.

الحال الثانية أن يكون في ضيق من أمره فلا يستطيع أن يجمع بين صيام قضائه وست من شوال فلا مانع أن يصوم الست ويؤخر القضاء لكن ليعلم كل مسلم ومسلمة أنه ليس له ذلكم الأجر وهو صيام سنة كما نص عليه في الحديث وإنما له الأجر المطلق يعني ينال على كل يوم تقرب بصومه لله عشر حسنات فيحصل على ستين سنة.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

اللهم ألهمنا الرشد من أمرنا وقنا شر أنفسنا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.