مسؤولية رجال الأمن

الشيخ سليمان أبا الخيل

الخُطْبَةُ الأُولَى: 

إنَّ الحمدَ للهِ، نحمَدُه ونَشْكُرُه، ونَسْتَعِينُه ونَسْتَهْدِيهِ ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ به مِنْ شُرُورِ أنفُسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأَشْهَدُ أنَّ محمدًا عَبْدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحابَتِه، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ((١٠٢)) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾  [آل عمران: 102-103].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ((٧٠)) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾  [الأحزاب: 70-71].

عِبَادَ الله:
نَعْرِفُ جميعًا أنَّنَا نعيشُ في زَمَنٍ مُتَسَارِعٍ مُتَصَارِعٍ؛ للفتنِ فيه صَوْلَةٌ، ولدُعَاتِها وأربابِها، والمُنَادِينَ بها، والمُرَوِّجِينَ لها جَوْلَةٌ؛ يريدون من خِلالَ مُخَطَّطَاتِهم وأعمالِهم وكلِّ ما يَسْعَوْنَ من أجله النَّيلَ مِنْ دِينِنا وإيمانِنا وأَمْنِنا وأَمَانِنا واستقرارِنا، ولُحْمَتِنَا الوطنيَّةِ الشرعيَّةِ الاجتماعيَّةِ التي تضربُ أطنابها في هذه البلادِ بِصُورةٍ مُتَمَيِّزَةٍ لا يَعْرِفُ لها التاريخُ المعاصِرُ نظيرًا.

وما دامَ أنَّ الأمرَ كَذَلِكَ والأمانةُ عَظِيمَةٌ والمسؤوليَّةُ جسيمةٌ على كل واحِدٍ مِنَّا في هَذِهِ البِلَادِ، فما بَالُكَ إذا كان الأمرُ مُوَجَّهًا إلى رجالِ الأمْنِ وحُمَاةِ الدِّينِ والوَطَنِ، فلا شكَّ أن ذلك سَيَعْظُمُ، وأن الأمرَ سيكونُ مَحَطًّا للنَّظَرِ والتَّأَمُّلِ والتَّدَبُّرِ؛ ولِذَلكَ فَإِنَّنِي أُوصِي رَجُلَ الأمنِ بِبَعْضِ الوَصَايا الوَاجِبَةِ عَلَيْهِ تُجَاهَ دينِهِ ووطنِهِ ووُلَاةِ أَمْرِهِ:

أَمَّا الْوصِيَّةُ الْأُولَى: فَهِيَ أن يَسْتَشْعِرَ كلُّ رَجُلِ أَمْنٍ فيما يقومُ به مِنْ أعمالٍ، وما يَتَحَمَّلُهُ من مَسْؤولِيَّةِ الإخلاصِ للَّـهِ عز وجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ومَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾، [البينة: 5].

والإخلاصُ في هذه الآيَةِ وغيرِها مِمَّا ورَدَ من مَثِيلاتِها منَ القرآنِ والسُّنَّــةِ يَدْخُلُ فيهِ كــلُّ الأعمالِ، وأعظـمُ ذلك إخلاصُ العبادةِ للَّـهِ عز وجل وتوحيـدُهُ على ما أراد اللهُ ورَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم، وإنَّ الإخْلَاصَ الَّذِي لا تَشُوبُهُ شَائِبَةٌ، ولا يَعْتَرِيهِ نقصٌ يَقُودُ المسلمَ؛ سواءٌ أكانَ مُوَاطِنًا عَادِيًّا أو رَجُلَ أَمْنٍ إلى أنْ يَكُونَ حَرِيصًا على أَعْمَالِهِ، مُبْدِعًا في أقوالِهِ وأفعالِه، لا يُمْكِنُ أن يَحْصُلَ منه نَقْصٌ أو كَسَلٌ أو تهاونٌ أو تَنَازُلٌ بأيِّ حالٍ منَ الأحوالِ.

وأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَالاعتصامُ بكتابِ اللهِ، وسُنَّةِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم، وما كان عَلَيْهِ سَلَفُ هذه الأمَّةِ الذي سَارَتْ عليه بِلَادُنَا؛ حُكَّامًا، وعُلَمَاءَ، ومَحْكُومِينَ، وإنَّ النجاةَ والفلاحَ والسَّعَادَةَ والطُّمَأْنِينَةَ والرِّيَادَةَ والعِزَّةَ والنَّصرَ والتَّمْكِينَ في الدُّنْيا والآخرةِ هو بالأخْذِ بِالْوَحْيَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ والانطلاقُ منهما في الأقوالِ والأفعالِ والحَرَكَاتِ والسَّكَنَاتِ.

يَقُولُ اللهُ عز وجل: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْومُ ويُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 9].

وَفِي الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللهِ وسُنَّتِي».

فَالْكِتَابُ والسُّنَّةُ معًا هما سَبِيلُ النَّجاةِ مِنَ الفِتَنِ في آخرِ الزَّمَانِ؛ الذي يَظْهَرُ فيه أقوامٌ يُنْكِرُونَ سُنَّةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ كما جاء في حديثِ رسولِ اللـهِ صلى الله عليه وسلم وهو حديثٌ صحيحٌ: «يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَـنَا وبَيْنـَكُمْ كِتَـابُ اللهِ عز وجل، فَمَا وجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، ومَا وجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَّا وإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللهُ».

فما سُنَّةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا وحيٌ يُوحَى، وحِكْمَةٌ تُضِيءُ لنا طريقَ النَّجَاةِ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ. والرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْتَقِلْ إلى الرفيقِ الأعلى إِلَّا وقد بيَّنَ للأُمَّة ما تحتاجُه في مَعَاشِها ومعادِها؛ في أُمُورِ دِينِها ودُنْيَاها وأُخْرَاها؛ في مَآكِلِهِمْ وملابِسِهِمْ ومَنَاكِحِهِمْ، في عِبَادَاتِهم وطَاعَاتِهِم؛ في مُعَامَلَاتِهم، في عَلَاقَاتِهم مع إخوانِـهـمُ المسلمينَ، ومع غَيْرِ المُسْلِمِينَ.

وَفِي الْأَثَرِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه : قَالَ «تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ومَا طَائِرٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا عِنْدَنَا مِنْهُ عِلْمٌ».

فَمَا أَعْظَمَ هذِهِ الشَّرِيعَةَ!! وما أَكْمَلَها، وما أَتَمَّهَا، وما أَفْضَلَهَا، وما أَحْسَنَها، وما أَمْيَزَهَا!! قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله: «شَرِيعَةُ اللهِ كُلُّهَا عَدْلٌ، وكُلُّهَا رَحْمَةٌ، وكُلُّهَا فَضْلٌ، وكُلُّهَا خَيْرٌ، وكُلُّهَا رِفْقٌ، وكُلُّهَا لِينٌ، وكُلُّهَا تَعَاوَنٌ عَلَى الْبَرِّ والتَّقْوَى».

الْوصِيَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ نَعْلَمَ جَمِيعًا أَنَّنَا نَعِيشُ في بَلَدٍ عَظِيمٍ، ووَطَنٍ كَرِيمٍ؛ قَامَ أَسَاسًا عَلَى كِتَابِ اللهِ، وسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، ومَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُنَا الصَّالِحُ مُنْذُ تَأْسِيسِهِ عَلَى يَدِ الْإِمَامِ الْـمَلِكِ الصَّالِحِ الْعَادِلِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ آلِ سُعُودٍ رحمه الله الَّذِي وحَّدَ هَذِهِ الْجَزِيرَةَ عَلَى التَّوْحِيدِ، وإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّـهِ عز وجل، وقَد كانَتْ قَبْلَ ذلك في تَدَابُرٍ وتَبَاغُضٍ ونِزَاعٍ وعَصَبِيَّةٍ وقَبَلِيَّةٍ بَغِيضَةٍ.

لَكِنَّهَا أَصْبَحَتْ بِفَضْلٍ مِنَ اللهِ عز وجل، ثُمَّ بِمَا دَعَا إِلَيْهِ هَذَا الْإِمَامُ الْكَرِيمُ الْعَظِيمُ بلادَ الخَيْرَاتِ والفَضَائِلِ والنِّعَمِ الَّتِي لَا تُعَدُّ ولَا تُحْصَى؛ أَبْدَلَ اللهُ جَهْلَهُمْ عِلْمًا، وخَوْفَهُمْ أَمْنًا، وجُوعَهُمْ شِبَعًا، وعَطَشَهُمْ رِيًّا، وخِلَافَهُمْ واخْتِلَافَهُمْ اجْتِمَاعًا، وعَصَبِيَّتَهُمْ وقَبَلِيَّتَهُمْ لُحْمَةً شَرْعِيَّةً وطَنِيَّةً؛ أَصْبَحَتْ مَضْرِبَ الْـمَثَلِ، ومَحَطَّ النَّظَرِ في زَمَنٍ عَادَتْ فِيهِ الْأَحْزَابُ والْجَمَاعَاتُ والتَّنْظِيمَاتُ في مُجْتَمَعَاتِهَا؛ مِمَّا نَرَاهُ واقِعًا تَشْهَدُ بِهِ الْـحَقَائِقُ والْأَرْقَامُ.

وقَدْ سَارَ أَبْنَاءُ الْـمَلِكِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله عَلَى دَرْبِهِ وسَبِيلِهِ حَتَّى وصَلَ الْأَمْرُ إِلَى هَذَا الْعَهْدِ الزَّاهِرِ عَهْدِ خَادِمِ الْـحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ الْـمَلِكِ سَلْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ وسُمُو وليِّ عَهْدِه الأمين الأميرِ محمَّد بْن سَلمان بنِ عبد العزيز حَفِظَهُما اللهُ.

الْوصِيَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ نَعْلَمَ جَمِيعًا أَنَّنَا في هَذِهِ الْبِلَادِ، وبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنْ ذَكَرْنَا مِنَ النِّعَمِ مَحْسُودُونَ ومَقْصُودُونَ بِالشَّرِّ، وقَدْ وُجِّهَتْ إِلَيْنَا وإِلَى أَبْنَائِنَا وبَنَاتِنَا السِّهَامُ الْـمَسْمُومَةُ عَبْرَ أَدَوَاتٍ وقَنَوَاتٍ ووَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ ومُتَنَوِّعَةٍ.

إِنَّ الْأَعْدَاءَ لَـمَّا لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَنَالُوا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ بِاجْتِمَاعِهِمْ وقُوَّتِهِمْ مِنَ الْخَارِجِ اسْتَحْدَثُوا مَنَاهِجَ وطُرُقًا يُرِيدُونَ مِنْ خِلَالِهَا أَنْ يُحَقِّقُوا أَهْدَافَهُمْ عَبْرَ شَبَابِ وشَابَّاتِ هَذَا الْوَطَنِ.
وهُنَا يَأْتِي صِمَامُ الْأَمَانِ والْـمَانِعُ والْـحَاجِزُ بَعْدَ اللهِ عز وجل مِنَ الْوُقُوعِ في حَبَائِلِهِمْ وبَرَاثِنِهِمْ ومَخَاطِرِهِمْ؛ هذا الصمامُ هو لُزُومُ جَمَاعةِ المسلِمِينَ، وطَاعُة وُلاةِ الأمورِ كَمَا أَخْبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حُذَيْفَـةَ بْنَ الْيَمَانِ رضي الله عنه في الحديثِ الصحيحِ. وقَدْ رَأَيْنَا عَيَانًا بَعْضَ أَبْنَائِنَا يَنْجَرِفُ في تَيَّارِ هذه الفِئَةِ الضَّالَةِ؛ فَيُفَجِّرُ نَفْسَهُ، ويَقْتُلُ نَفْسَهُ الْـمَعْصُومَةَ، ويَقْتُلُ الْـمَعْصُومِينَ، ويُهْلِكَ الْـحَرْثَ والنَّسْلَ بِدَعَاوَى وأَبَاطِيلَ وتَأْوِيلَاتٍ وشُبَهٍ وشَهَوَاتٍ وهَوًى وأُمُورٍ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ.

ولَوْلَا أَنْ قَيَّضَ اللهُ لِهَؤُلَاءِ رِجَالًا صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ؛ وهُمْ رِجَالُ الْأَمْنِ، حُمَاةُ الْعَقِيدَةِ والدِّينِ والْوَطَنِ، الَّذِينَ تَرَكُوا الْـمَالَ والْوَلَد، وكُلَّ غَالٍ ونَفِيسٍ، يَرْجُونَ مَا عِنْدَ اللهِ عز وجل؛ لأنَّهُم مُوقِنُونَ بِأَنَّ مَا يَقُومُونَ بِهِ هُوَ دِفَاعٌ عَنْ مُقَدَّسَاتٍ ومُكْتَسَبَاتٍ دِينِيَّةٍ وشَرْعِيَّةٍ.

الوصِيَّةُ الْخَامِسَةُ: لِيَعْلَمْ رِجَالُ الْأَمْنِ أنَّهُم إنْ أَحْسَنُوا الْقَصْدَ وأَخْلَصُوا النِّيَّةَ؛ كَانُوا مِنَ المجاهِدِينَ في سَبِيلِ اللهِ، لَيْسَ الْجِهَادُ كَمَا يَدَّعِي الْـمُدَّعُونَ، ويُزَايِدُ الْـمُزَايِدُونَ هُوَ في تِلْكَ الْـمُسْتَنْقَعَاتِ ومَوَاقِعِ الْفِتَنِ والْأَهْوَاءِ والشُّبُهَاتِ؛ إِنَّمَا هُوَ في الْـحِفَاظِ عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ ووَطَنِ الْعَقِيدَةِ؛ قِبْلَةِ الْـمُسْلِمِينَ، ومَهْوَى أَفْئِدَتِهِمْ.
وَقَدْ سُئِلَ سَمَاحَةُ الشَّيْخِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَازٍ رحمه الله عَمَّا يَقُومُ بِهِ رِجَالُ الْأَمْنِ مِنْ أَعْمَالٍ وجُهُودٍ يُحَافِظُونَ فِيهَا عَلَى دِينِهِمْ وعَقِيدَتِهِمْ ووَطَـنِـهِمْ؛ هَلْ عَمَلُهُمْ هَذَا جِهَادٌ في سَبِيلِ اللهِ؟

فأجابَ: «إِنَّ عَمَلَهُمْ هَذَا جِهَادٌ في سَبِيلِ اللهِ إِذَا أَخْلَصُوا النِّيَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ يُدَافِعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وعَنْ دِينِهِمْ، وعَنْ عُقُولِهِمْ، وعَنْ أَعْرَاضِهِمْ وأَمْوَالِهِمْ».

الوصِيَّةُ السَّادِسَةُ: لِيَعْلَمْ رِجَالُ الأمنِ أَيْضًا أنَّهُمْ مُطَالَبُونَ بِالسَّمْعِ والطَّاعَةِ أَوَّلًا لِوَلِيِّ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ اللهَ عز وجل يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾  [النساء: 59].

فَالْـمَقْصُودُ بِوُلَاةِ الأمْرِ هُنَا الْـحُكَّامُ، والمسْؤولُونَ في كافَّةِ الأجْهِزَةِ المعْنِيَّة، ونَحْنُ في هَذِهِ الْبِلَادِ بَيْعَتُنَا لِخَادِمِ الْـحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ الْـمَلِكِ سَلْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وسُمُوِّ ولِيِّ عَهْدِهِ الأمين؛ فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْوَفَاءُ بِحُقُوقِ الْبَيْعَةِ والسَّمْعُ والطَّاعَةُ لَهُمْ في غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ.

ثَبَتَ في الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ في الْعُسْرِ والْيُسْرِ، والْـمَنْشَطِ والْـمَكْرَهِ، وعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وعَلَى أَلَّا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْـحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ».

الْوصِيَّةُ السَّابِعَةُ: ضَرُورَةُ الحفاظِ على ما تَنْعَمُ به البلادُ من نِعَمٍ وأمْنٍ وأمَانٍ؛ خَاصَّةً في ظِلِّ هَذِهِ الْفِتَنِ والْـمُتَغَيِّرَاتِ والتَّحَوُّلَاتِ الْعَجِيبَةِ والْـحَوَادِثِ والْقَضَايَا والنَّوَازِلِ المحيطَةِ بالمنطَقَةِ بأَثْرِها؛ فَمُجْتَمَعُنَا والحمدُ للَّـهِ مُجْتَمَعٌ مُؤْتَلِفٌ مُتَحَابٌّ، ومُتَنَاغِمٌ مُتَّفِقٌ، يَأْتِيهِ رِزْقُهُ رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ بِفَضْلٍ مِنَ اللهِ ونِعْمَةٍ ومِنَّةٍ مِنْهُ، وغَيْرُنَا يُحِيطُ بهمُ الْخَطَرُ والنَّقْصُ والْهَرْجُ والْقَتْلُ وغَيْرُ ذَلِكَ؛ مِمَّا أَدَّى إِلَى أَنْ تَذْهَبَ أَوْطَانٌ بِكَامِلِهَا؛ فَلَا وُجُودَ لَهَا عَلَى الْخَرِيطَةِ.

الوصِيَّةُ الثَّامِنَةُ: أَلَّا يَتَسَاهَلُوا ولَا يَأْخُذْهُمْ لَوْمَةُ لَائِمٍ في مُوَاجَهَةِ هَؤُلَاءِ الْـمُتَطَرِّفِينَ والْإِرْهَابِيِّينَ والْغُلَاةِ؛ أَيًّا كَانَ نَوْعُهُمْ ومَهْمَا كَانَ جِنْسُهُمْ.
أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ، وابْنُ مَاجَهَ في سُنَنِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: الْقَتْلُ الْقَتْلُ. فَقَالَ بَعْضُ الْـمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْواحِدِ مِنَ الْـمُشْرِكِينَ كَذَا وكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ بِقَتْلِ الْـمُشْرِكِينَ، ولَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وابْنَ عَمِّهِ، وذَا قَرَابَتِهِ».

فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ، ومَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا، تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، ويَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ».

وَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ فَيَقْتُلُ أُمَّهُ، ويَقْتُلُ أَبَاهُ، ويَقْتُلُ خَالَهُ، ويَقْتُلُ قَرِيبَهُ، وإِنَّ مَا وقَعَ عَلَى غَيْرِنَا إِذَا لَمْ نَقُمْ بِوَاجِبِنَا فَلَا قَدَّرَ اللهُ يَقَعُ عَلَيْنَا، وهَذَا نَذِيرٌ لَنَا جَمِيعًا دُونَ اسْتِثْنَاءٍ بِأَنْ نَحْفَظَ أَبْنَاءَنَا وبَنَاتِنَا، ونَقُومَ بِوَاجِبَاتِنَا في أُسَرِنَا في تَرْبِيَةِ أَوْلَادِنَا تَرْبِيَةً صَحِيحَةً صَافِيَةً مُعْتَدِلَةً، وكما أَخْبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:

«كُلُّكُمْ رَاعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ الْإِمَامُ رَاعٍ، ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ والرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وهُو مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ والْـمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، ومَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا؛ والْـخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

الوصيَّةُ التَّاسِعَةُ: حَسِّنُوا أَخْلَاقَكُمْ؛ فحُسْنُ الخُلُقِ من كمالِ الدِّينِ، ومِنَ الأسبابِ الَّتِي تُعِينُ على محبَّةِ الناسِ في الدُّنْيَا، والارتقاءِ إلى الدَّرَجَاتِ العُلَى في جَنَّاتِ النَّعِيمِ؛ فَلْتَكُنْ أخلاقُكُمْ كأخلاقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي قَالَ عَنْهُ رَبُّه:   ﴿وإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، [القلم: 4].

وقد جَاءَ في الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ رضي الله عنه قَدِمَ عَلَى أُمِّ الْـمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وسَأَلَهَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرَآنَ». يَقُولُ هِشَامٌ: «فَهَمَمْتُ أَنْ أَخْرُجَ ولَا أَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ».

لَقَد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْتَثِلُ الْقُرْآنَ في أقوالِهِ وأفعَالِهِ وعِبَادَاتِه ومُعَاملاتِهِ وشؤونِ حياتِهِ كافَّةً ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.

وَالْـمُسْلِمُ يَأْمُرُ بِالْـمَعْرُوفِ، ويَنْهَى عَنِ الْـمُنْكَرِ، ولَكِنْ وفْقَ حُدُودِهِ وضَوَابِطِهِ الشَّرْعِيَّةِ الْـمَرْعِيَّةِ.
أَقُولُ قَوْلِي هذا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولكُم.
.
.
.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: 

الحَمْدُ للهِ والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُول الله، وبَعْدُ:

إِنَّ الْـمُتَلَبِّسَ بِالْأَخْلَاقِ الْـحَسَنَةِ، والْآدَابِ الْعَالِيَةِ يَنَالُ مِنَ الْأُجُورِ والثَّوَابِ الشَّيْءَ الْكَثِيرَ؛ فَقَدْ ثَبَتَ في الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْـمِرَاءَ وإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وبِبَيْتٍ فِي وسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وإِنْ كَانَ مَازِحًا، وبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ».

ورُوِيَ عن عائشةَ رضي الله عنها وأَرْضَاها: «إِنَّ الْـمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ».

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم في الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وأَقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا».

وَحُسْنُ الْخُلُقِ هُوَ كَفُّ الْأَذَى، وبَذْلُ النَّدَى، وتَحَمُّلُ الْأَذَى. وقِيلَ: إِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ هُوَ فِعْلُ كُلِّ مَحْمُودٍ، وتَرْكُ كُلِّ مَرْذُولٍ. وقِيلَ: إِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ هُوَ الْأَخْذُ بِأَوَامِرِ اللهِ ورَسُولِهِ، واجْتِنَابُ نَوَاهِيهِمَا.

وَإِنَّنَا جَمِيعًا مُطَالَبُونَ بِالْعَمَلِ بِحُسْنِ الْخُلُقِ؛ سَوَاءٌ كُنَّا مَدَنِيِّينَ أَوْ عَسْكَرِيِّينَ؛ وخاصَّةً في مِثْلِ هَذِهِ الْـمَوَاقِعِ الشَّرِيفَةِ في مَكَّةَ والْـمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُ يَفِدُ عَلَيْهَا الْـحُجَّاجُ والْـمُعْتَمِرُونَ والزُّوَّارُ وقَاصِدُو الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ، والْـمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ لِلصَّلَاةِ والذِّكْرِ والدُّعَاءِ وقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.

فَمَا أَحْسَنَ أَنْ يَكُونَ رَجُلُ الْأَمْنِ خَيْرَ مُعِينٍ لِهَؤُلَاءِ عَلَى أَدَاءِ مَا أَتَوْا مِنْ أَجْلِهِ مِنْ هَذِهِ الشَّعَائِرِ والْعِبَادَاتِ، ومَا أَجْمَلَ الْبَسْمَةَ لَهُمْ، وتَحَمُّلَ أَذَاهُمْ والْعَمَلَ عَلَى تَوْجِيهِهِمْ وإِرْشَادِهِمْ!.

وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْـمَعْرُوفِ شَيْئًا، ولَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوجْهٍ طَلْقٍ».

وقال: «تَبَسُّمُكَ فِي وجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ».

وَذَلِكَ في الْأَحْوَالِ الْعَامَّةِ والْأَمَاكِنِ الْأُخْرَى؛ فَمَا بَالُنَا بِالثَّوَابِ الَّذِي سَنُحَصِّلُهُ إِذَا أَدَّيْنَا هَذِهِ الشَّعِيرَةَ في مَكَّةَ والْـمَدِينَةِ، ومَعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ مَشَارِقَ الْأَرْضِ ومَغَارِبِهَا، وقَدْ يَكُونُ أَغْلَبُهُمْ جُهَّالًا، أَوْ لَا يُدْرِكُونَ واجِبَهُمْ، أَوْ مَا يُوَجَّهُونَ إِلَيْهِ.

الوصِيَّةُ الْعَاشِرَةُ: هِيَ مجموعةٌ من التَّوْجِيهَاتِ المهمَّة:

ومِنْهَا: التعوذُ دائمًا بِاللهِ مِنَ الفتنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ؛ مثلَ فتنةِ المحيا والمماتِ، وفتنةِ المسيخِ الدَّجَّالِ، وفتنةِ القَبْرِ، ومن عذابِ النَّارِ. وفي الحديثِ: «إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا؛ فَلَوْلَا أَلَّا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ». ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوجْهِهِ فَقَالَ: «تَعَوذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ». قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ. فَقَالَ: «تَعَوذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ». قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَ: «تَعَوذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ». قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ. قَالَ: «تَعَوذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ». قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ .

ومنها: الدُّعَاءُ؛ فَالدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، و«لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ»؛ كما في الحديثِ الصحيحِ، وفِي الْـحَدِيثِ الآخَرِ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَنْصِبُ وجْهَهُ إِلَى اللهِ عز وجل فِي مَسْأَلَةٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهَا: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا، وإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا».

وَالدُّعَاءُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الْأَقْوِيَاءُ الْأَتْقِيَاءُ الْأَخْيَارُ سَهْلٌ مُمْتَنِعٌ؛ سَهْلٌ عَلَى مَنْ سَهَّلَهُ اللهُ عَلَيْهِ؛ مُمْتَنِعٌ عَلَى مَنْ قَصَّرَ وتَهَاوَنَ وتَكَاسَلَ، والدُّعَاءُ تُؤَدِّيهِ في أَيِّ زَمَانٍ أَوْ أَيِّ حَالٍ أَوْ أَيِّ مَكَانٍ؛ لَا يَحْتَاجُ إِلَى طَهَارَةٍ، ولَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِعْدَادٍ، ولَا يَحْتَاجُ إِلَى أَيِّ أَمْرٍ صَغِيرٍ أو كَبِيرٍ؛ فَيَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُحَقِّقَهُ ويَدْعُوَ اللهَ في أَيِّ مَوْقِعٍ كَانَ، بل يحتاج إلى إخلاص النيَّةِ وصِدْق التوجُّهِ، وألا يكون بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ.

ولِلدُّعَاءِ آثَارٌ عَجِيبَةٌ في طُمَأْنِينَةِ النَّفْسِ، ورَاحَةِ الْبَالِ، وتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في الدِّينِ والدُّنْيَا والْآخِرَةِ، وتَنْفِيسِ الْكُرُوبِ، وكَشْفِ الْفَرَجِ، وتَيْسِيرِ الْأُمُورِ، وحِمَايَةِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْعَوَادِي، ومِنَ الْـمُعْتَدِينَ، وأَيِّ مُؤَثِّرٍ يَخَافُهُ في أُمُورِ الدُّنْيَا وغَيْرِهَا.

وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَحْسَنُ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ نَحْرِصَ عَلَيْهِ وأَنْ نَدْعُوَ اللهَ عز وجل في كُلِّ الْأَدْعِيَةِ؛ خاصَّةً مَا ورَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم، وعَنْ صَحَابَتِهِ، وعَنِ التَّابِعِينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.

ونَدْعُوهُ بِمَا نُرِيدُهُ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا والْآخِرَةِ، وكَمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ الدُّعَاءَ يُسَمَّى بِسِهَامِ اللَّيْلِ وهِيَ لَا تُخْطِئُ، ولْنَحْرِصْ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ في مَظِنَّةِ إِجَابَتِهِ؛ وهِيَ الْأَزْمِنَةُ والْأَمْكِنَةُ الْفَاضِلَةُ.
وَإِنَّ أَوْلَى مَنْ يَدْعُو لَهُ الْإِنْسَانُ هو نَفْسُهُ؛ فَيَدْعُو لَهَا بِالْهِدَايَةِ والصَّلَاحِ والتَّوْفِيقِ والسَّدَادِ والسَّعَادَةِ والرِّزْقِ، ثُمَّ يَأْتِي الدُّعَاءُ لِوُلَاةِ الأُمُورِ، وعَامَّةِ الْـمُسْلِمِينَ.

أَسْأَلُ اللهَ الْعَلِيَّ الْقَدِيرَ أَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، وأَنْ يُوَفِّقَنَا وإِيَّاكُمْ لِكُلِّ خَيْرٍ، ويَحْفَظَ عَلَيْنَا دِينَنَا وأَمْنَنَا ووَطَنَنَا ووُلَاةَ أَمْرِنَا، وأَنْ يُوَفِّقَ وُلَاةَ أَمْرِنَا بِتَوْفِيقِهِ، ويَكْلَأَنَا وإِيَّاهُمْ بِعِنَايَتِهِ ورِعَايَتِهِ، ويَحْفَظَنَا وإِيَّاهُمْ بِحِفْظِهِ، ويَزِيدَنَا وإِيَّاهُمْ عِزًّا ونَصْرًا وتَمْكِينًا وقِيَامًا بِكِتَابِ اللهِ، وسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، ومَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وأَنْ يَرُدَّ كَيْدَ الْكَائِدِينَ في نُحُورِهِمْ.

اللهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا، وأَرَادَ دِينَنَا، وعَقِيدَتَنَا، ووَطَنَنَا، ووُلَاةَ أَمْرِنَا، وعُلَمَاءَنَا، وأَبْنَاءَ مُجْتَمَعِنَا، ورِجَالَ أَمْنِنَا بِسُوءٍ فَاشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ، واجْعَلْ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ، ومَزِّقْهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ، واجْعَلْهُ عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ.
اللهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطَمْئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ، اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، ودَرَكِ الشَّقَاء، وسُوءِ الْقَضَاءِ، وشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ، وغَلَبَةِ الدَّيْنِ، وقَهْرِ الرِّجَالِ.

اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى والتُّقَى والْعَفَافَ والْغِنَى، والْقَصْدَ في الْفَقْرِ والْغِنَى، وكَلِمَةَ الْـحَقِّ في الْغَضَبِ والرِّضَا، وخَشْيَتَكَ في الْغَيْبِ والشَّهَادَةِ.