الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُه ونَشْكُرُه، ونَسْتَغْفِرُه ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحْدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه، وعلى آلِهِ وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ((١٠٢)) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾ [آل عمران: 102-103].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ((٧٠)) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
عِبَادَ اللهِ:
أَحْمَدُ اللهَ الَّذِي أعَزَّنا بالإسلامِ، وأَلَّفَ بَيْنَنا وجَمَعَنَا على قِيادَةِ الخَيْرِ والأَمْنِ والسَّلَامِ، ونَسْأَلُه أنْ يُعِيذَنَا مِنَ الفِتَنِ الجِسَامِ، والصلاةُ والسلام على خَيْرِ الأنامِ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ.
أما بَعْدُ:
فإنَّ هذه الجزيرةَ المباركةَ، والوَطَنَ الآمِنَ «المملكةَ العربيةَ السعوديةَ» لا يُزَايِدُ أَحَدٌ على أهمِّيَّتِها، وما حَبَاهَا اللهُ عز وجل مِنْ خَصَائِصَ ومِيزَاتٍ، وكُنُوزٍ وخَيْرَاتٍ، ومُكْتَسَبَاتٍ ومُقَدَّرَاتٍ، يَكْفِي أنَّها بَلَدُ الإسلامِ، ومَهْدُ الرسالةِ، ومَهْبِطُ الوَحْيِ، ومَأْرِزُ الإيمانِ، ومَوْئِلُ العَقِيدَةِ، اصْطَفَاهَا اللهُ سُبحانَه واختارَها لِيَجْعَلَها قِبْلَةَ المسلمينَ، ومَهْوَى أَفْئِدَةِ المؤمنينَ، فيها تَرَدَّدَ التنزيلُ، وجُمِعَتْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ.
ومَنْ يَسْتَقْرِئُ تَارِيخَ هذه الجزيرةِ بَعْدَ تَوَحُّدِها في ظِلِّ الإسلامِ؛ يَجِدُ أنَّها ظَلَّتْ مِئَاتِ السِّنِينَ في صُورَةٍ مِنَ الفَوْضَى والاضْطِرَابِ والنِّزَاعاتِ والتفَرُّقِ، حتَّى مَنَّ اللهَ عليها، وهَيَّأَ لها وِلَايَةً راشدةً، وقِيَادَةً حَكِيمَةً لِتَكُونَ سَبَبًا في نُصْرَةِ الدِّينِ، وإقامةِ شَرِيعَةِ اللهِ، وحِمَايَةِ عقيدةِ التوحيدِ الصافِيَةِ، وكَانَ قِيَامُها بهذا الشأنِ سَبَبًا في التمْكِينِ والاسْتِخْلَافِ الذي وعَدَ اللهُ به، وجَعَلَهُ سُنَّةً ماضيةً إلى يَوْمِ القيامةِ لِمَنْ أَقَامَ دِينَ اللهِ: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وآتَوُا الزَّكَاةَ وأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الحج: 41].
هذه البِدَايَةُ هي الأساسُ المَتِينُ لِدَوْلَةِ التوحيدِ مُنْذُ قامتْ، وظَلَّ الأساسُ قَوِيًّا حتَّى تَمَّ توحيدُ هذه الأرضِ الطاهرةِ، والثَّرَى المبارَكِ على يَدِ المَلِكِ المُؤَسِّسِ الباني المغفورِ له بإِذْنِ اللهِ المَلِكِ الصالِحِ: عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ الرحمنِ الفَيْصَل آل سُعُود، طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ، وجَعَلَ الجَنَّةَ مَثْوَاهُ، وتَمَّ وللهِ الحمدُ قِيَامُ أَعْظَمِ وَحْدَةٍ في العَصْرِ الحاضِرِ على أساسٍ راسِخٍ، وأَصْلٍ أَصِيلٍ، ومَنْهَجٍ ثابِتٍ، يَعْتَمِدُ حُكْمَ الشريعةِ أَصْلًا، ونُصْرَةَ العقيدةِ والدِّينِ هَدَفًا، والأَخْذَ بأَخْذِ سَلَفِ الأُمَّةِ مَنْهَجًا، ونُصْرَةَ قضايا المسلمينَ والإسهامَ بِثِقَلِها الرِّيَادِيِّ والعالميِّ في دَعْمِ كلِّ ما مِنْ شَأْنِهِ وحْدَةُ المسلمينَ وتَضَامُنُهُمْ، والوقوفُ معهم في قَضَايَاهُمْ، وفي المِحَنِ والنوازلِ التي يُقَدِّرُها اللهُ سبحانَه أن تَحُلُّ بأَيِّ مُسْلِمٍ؛ بَلْ وبِكُلِّ إنسانٍ على وجْهِ الأرضِ.
وإذا كَانَ اللهُ سبحانَه بَيَّنَ في كِتَابِهِ في نصوصٍ كثيرةٍ أنَّ الصلاحَ والإصلاحَ هَدَفٌ رَئِيسٌ، ومَقْصِدٌ أَكِيدٌ مِنْ إرسالِ الرُّسُلِ وإنزالِ الكُتُبِ، وهو سِمَةُ عِبَادِ اللهِ الصالحينَ، وبَيَّنَ في مُقَابِلِ ذلك أنَّ الفسادَ بكُلِّ صُوَرِهِ فسادُ القولِ أو فَسَادُ الفِعْلِ، أو فسادُ المُعْتَقَدِ، الفسادُ الحسيُّ والمعنويُّ كلُّ ذلكَ مَذْمُومٌ ومَبْغُوضٌ عِنْدَ اللهِ، وهو مِنْ عَمَلِ اليهودِ والمنافقينَ، وغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الكُفْرِ وأربابِ الفِـتْنَةِ، قَـالَ اللهُ تَعَـالَى: ﴿ولَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60].
وقال جَلَّ شأنُه: ﴿ولَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56].
وقـال سُبْحَـانَه عن مُوسَى وأَخِيـهِ: ﴿وأَصْلِحْ ولَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: 142].
وقَالَ عَنِ اليهودِ: ﴿ويَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا واللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة: 64].
وقَـالَ عَنِ المنـافقـينَ: ﴿وإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ١١ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ولَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 11- 12].
وحينما يَقِفُ المُتَـأَمِّـلُ على دلالَةِ قَوْلِهِ سبحانَه: ﴿ولَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56].
يَرَى أنَّ صُورَةَ الفسادِ والساعي مَذْمُومَةٌ لا يُحِبُّها اللهُ، ولَيْسَ ثمةَ فسادٌ يُحِبُّه اللهُ؛ لكِنْ وُقُوعُ الفسادِ بَعْدَ الصلاحِ، واستهدافُ صَلَاحٍ قائمٍ تُمَثِّلُه المقوِّمَاتُ الشرعيةُ، واللُّحْمَةُ بينَ الراعِي والرعيةِ، وقيامُ الدِّينِ، وإقامةُ العَدْلِ.
فاستهدافُ هذه الصورةِ المثاليةِ بنَشْرِ الفسادِ وزَعْزَعَةِ الأَمْنِ، وبَثِّ الرُّعْبِ والفَوْضَى أَعْظَمُ إثمًا وجُرْمًا عندَ اللهِ ممَّا لو كَانَ الأمرُ بخِلافِ ذلك، وهذا مَا يُظْهِرُ قُبْحَ فِعْلِ أولئكَ الحُوثِيِّينَ الخونةِ العابِثِينَ، الذين كَانَ دَيْدَنُهُمْ وشَأْنُهُمْ، مُنْذُ بَدْءِ فِتْنَتِهِمْ في بِلادِهِمْ وبين بَنِي جِنْسِهِمْ وقَوْمِهِمُ، الفتنةَ والفُرْقَةَ والاختلافَ، بل وإِيوَاءَ كُلِّ منْ يَرَوْنَ فيه أنَّه يَخْدِمُ هذا الهَدَفَ لهم، لا في وطَنِهِمْ وبَلَدِهِمْ فحَسبْ؛ بلْ في كُلِّ بُلْدَانِ المِنْطَقَةِ، خِدْمَةً لِمَنْ هذا شَأْنُهُمْ، وتلكَ سِيَاسَتُهُمْ في المِنْطَقَةِ بِرُمَّتِها.
إنَّ مَنْ يُتَابِعُ تَارِيخَ هذه الفتنةِ المُتَمَثِّلَةِ في هؤلاءِ المُتَسَلِّلِينَ ليَلْفِتُ نَظَرَهُ أوَّلَ ما يَلْفِتُ أنَّ هذه التصرُّفاتِ تُوحِي بالتجرُّدِ مِنَ القِيَمِ والوطنيةِ، والانتماءِ إلى القَبِيلَةِ يُشْعِرُ بالتمرُّدِ على السُّلْطَةِ، والتملُّصِ مِنَ المسؤولِيَّاتِ الشرعيةِ والاجتماعيةِ، ويَدُلُّ دلالةً أكيدةً على أنَّ أولئكَ لا يُرِيدُونَ بفِعْلِهِمْ وفِتْنَتِهِمْ إلَّا الفَوْضَى والفسادَ وزَعْزَعَةَ الأَمْنِ؛ فإنَّهُمْ لا يَحْمِلُونَ أَجِنْدَةً يُرِيدُونَ تَحْقِيقَها، ولا هَدَفًا يَرُومُونَ الوصولَ إليه إلَّا الفتنةَ: ﴿والْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: 217].
ولِذَا وجَدَ فيهم أربابُ الفتنةِ والضلالِ مِنْ دُوَلٍ وجماعاتٍ مَوْئِلًا ثَابِتًا، ومَأْرِزًا يَتَّخِذُونَهُ ذَرِيعَةً لهم؛ للوُصُولِ إلى مَآرِبِهِمْ، فالدُّوَلُ التي لها أَهْدَافٌ في المِنْطَقَةِ احْتَضَنَتْهُمْ مُنْذُ البدايةِ، ورَعَتْهُمْ؛ بلْ ودَافَعَتْ عنهمْ بِكُلِّ ما أُوتِيَتْ، رَغْمَ أنَّه قَدْ يُسْتَغْرَبُ هذا التواصلُ المشؤومُ عندما يُسْتَحْضَرُ البُعْدُ الأيديولوجيُّ؛ لكِنَّه غَيْرُ مُسْتَغْرَبٍ إذا اتَّفَقَتِ الأهدافُ السياسيةُ التي يُرَادُ منها نَشْرُ الفَوْضَى الخلَّاقَةِ في المِنْطَقَةِ، وخِدْمَةُ الأعداءِ عُمُومًا بمِثْلِ هذه الحركاتِ التي تَسْتَنْزِفُ قُوَى المِنْطَقَةِ، وتَقُودُها إلى الانْقِسَامِ وإلى سيطرة تنظيم القاعدة الذي حَمَلَ لِوَاءَ الإرهابِ في المِنْطَقَةِ.
وقد عانَتِ البلدانُ عُمومًا وهذا الوَطَنُ الآمِنُ مِنْ فِتْنَتِهِمْ، وكَوَّنُوا خَلَايَاهُمْ في الداخِلِ والخارِجِ، وصارتْ تلكَ الخَلَايَا مَصْدَرَ إزعاجٍ وفتنةٍ، فما يَمُرُّ زَمَنٌ إلَّا وتُبْتَلَى البلادُ بِشَيْءٍ مِنْ ذلك، وتُسْتَنْزَفُ الجهودُ في مُوَاجَهَتِهِمْ، نَجِدُ أنَّ صِلَتَهُ بهؤلاءِ الحُوثِيِّينَ لا تَخْفَى، ولم تَقْتَصِرْ هذه العَلاقَةُ على الدَّعْمِ الماديِّ فحَسْبُ؛ بَلْ شَمِلَ التأييدَ والمؤازرةَ، بلْ والتجنيدَ والتجييشَ لكلِّ مَنْ رَامَ بَلَدَهُ بسُوءٍ؛ ولِذَا فَلَا غَرَابَةَ أنْ كَانَتْ مَرَابِعُ الحُوثِيِّينَ مَقْصِدًا للفارِّينَ مِنْ بِلَادِهِمُ، الذين عَادَوْا أوطانَهُم وأُمَّتَهُمْ ومجتمعاتِهم، وما حَصَلَ مِنْ تصريحاتٍ مُتَزَامِنَةٍ بتَقَاذُفِ الاتهاماتِ بَيْنَ الحوثيينَ والقاعدةِ ما هو إلَّا ذَرٌّ للرَّمَادِ على العُيُونِ، ومحاولةٌ لِصَرْفِ الأنظارِ عَنْ هذه العَلَاقَةِ الآثِمَةِ، وتَوْظِيفُ ذلكَ في تَسْوِيقِ أهدافٍ، وتَبْرِئَةِ هؤلاءِ مِنَ الإرهابِ والفسادِ، وإلَّا فإنَّ الحقيقيةَ هِيَ تَوْزِيعٌ للأدوارِ بَيْنَ هذَيْنِ الحَلِيفَيْنِ الذي جَمَعَهُما فَسَادُ الفِكْرِ وفَسَادُ القَوْلِ والفِعْلِ.
وإذا كَانُوا يُحَاوِلُونَ هذه المحاولةَ اليَائِسَةَ؛ فكَيْفَ يُمْكِنُهُمْ ذلك مع ما قَامُوا به مِنَ أعمالٍ إجراميةٍ في بِلَادِهِمْ، فَقَدْ قَتَلُوا الأطفالَ والشيوخَ، ووَظَّفُوا الأطفالَ في مِثْلِ هذه الأعمالِ، وقَامُوا بأعظمِ فَسَادٍ، وعَانَى منهمْ أَوَّلَ ما عَانَى وطَنُهُمْ وبَلَدُهُمْ، ثم حَاوَلُوا تَوْسِيعَ دائرةِ هذا الفسادِ في المِنْطَقَةِ باستهدافِ هذا الوَطَنِ الغالي، وفي تَوْقِيتٍ يَدُلُّ على تَأَصُّلِ الشرِّ والفسادِ في عَمَلِ هذه الزُّمْرَةِ الباغيةِ، في استقبالِ الحَجِيجِ، ووُرُودِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ فجٍّ عميقٍ إلى هذه البِقَاعِ الطاهرةِ لِيُؤَدُّوا مَنَاسِكَهُمْ، ويَقْضُوا تَفَثَهُمْ؛ ولِذَا فإنَّ عَمَلَهُمْ وفِتْنَتَهُم جَرِيمَةٌ بكُلِّ ما يَحْمِلُه الإجرامُ مِنْ مَعْنًى؛ بل جرائمُ متتاليةٌ: أَعْظَمُها:
استهدافُ بلادٍ بما حَبَاهَا اللهُ مِنْ مَيْزَاتٍ وخصائصَ، وخِدْمَةُ أعداءِ الدِّينِ وأربابِ الفتنةِ مِنَ الصَّفَوِيِّينَ بهذه المساهمةِ الشيطانيةِ.
ومنها: انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الأشهُرِ الحُرُمِ، التي أَخْبَرَ اللهُ ببقاءِ حُرْمَتِها إلى قِيَامِ الساعةِ، قال اللهُ سبحانَه: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة: 36]، وقَـالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ولَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: 2].
ومنها: تَجْنِيدُ وتَجْيِيشُ مَنْ يَرَوْنَهُمْ يَخْدِمُونَهُمْ في هذا الهَدَفِ مِنَ الجماعاتِ والأفكارِ المنحرفةِ.
ومنها: تَوْظِيفُ الأطفالِ والنساءِ والشيوخِ في هذه المواجهةِ، والتَّتَرُّسُ بهم.
ومنها: التأثيرُ على مَوْسِمِ الحجِّ بمِثْلِ هذه الأعمالِ الغوغائيةِ، واستنزافِ جُهُودِ المسلمينَ ممَّنْ يَزْعُمُونَ الإسلامَ. أسألُ اللهَ لي ولكُمُ التوفيقَ والسدادَ، وأستغفرُه لي ولكُمْ مِنْ سَائِرِ الذنوبِ، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
.
.
الخُطْبَةُ الثانيةُ:
الحمدُ للهِ رَبِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ على رسُولِه الأمينِ، محمدِ بنِ عبدِ الله، عليه أفضلُ الصلاةِ وأتَمُّ التسليمِ.
ومع عِظَمِ الابتلاءِ، وفَدَاحَةِ هذا الجُرْمِ إلَّا أنَّنا واثِقُونَ بوَعْدِ اللهِ، مُطْمَئِنُّونَ بحِفْظِ اللهِ لهذه البلادِ المباركةِ، مُغْتَبِطُونَ مُسْتَبْشِرُونَ بما قَامَ به رِجَالُ أَمْنِنا البواسلُ، وقُوَّاتُنا المسلَّحَةُ المبارَكَةُ، التي أَثْبَتَتْ بما يَقْطَعُ الطريقَ على كُلِّ مُفْسِدٍ ومُبْطِلٍ، أنَّها قادرةٌ بعَوْنِ اللهِ وتَأْيِيدِهِ على رَدْعِ المعتدِينَ المجرمِينَ، وذلك بتَوْفِيقِ اللهِ لها، ثُمَّ بما خَصَّهَا به وُلَاةُ أَمْرِنا الأوفياءُ، وقيادتُنا الحكيمةُ مِنْ إعدادٍ وتهيئةٍ، ورعايةٍ وعنايةٍ، وتَذْلِيلٍ لكُلِّ العَقَبَاتِ، وتطويرٍ للطَّاقَاتِ والقُدُرَاتِ؛ حتَّى أَصْبَحَتْ هذه القُوَّاتُ في أَعْلَى درجاتِ الجاهِزِيَّةِ والاستعدادِ، والقُدْرَةِ على المباغتةِ والمفاجَأَةِ بما تَلَقَّوْهُ وعَاشُوهُ، وبما يَحْمِلُونَه مِنْ بُعْدٍ إيمانيٍّ عَقَدِيٍّ، يَرَوْنَ فيه أنَّ الدِّفاعَ عَنْ أَرْضِ الحَرَمَيْنِ، ووَطَنِ الإسلامِ «المملكةِ العربيةِ السعوديةِ» رِبَاطٌ في سَبِيلِ اللهِ، وجِهادٌ لإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ، وحمايةٌ لِأَمْنِ المسلمينَ وحُرُمَاتِهِمْ، وبِمَا يَحْمِلُونَهُ مِنْ بُعْدٍ وطنيٍّ، يَحْمِلُهُمْ عليه مَحَبَّتُهُمْ لهذا الوَطَنِ العزيزِ، الذي تَهُونُ دُونَهُ كلُّ التضحِيَّاتِ.
إنَّ حقًّا على كُلِّ مُواطِنٍ شَرُفَ بالانتماءِ إلى هذا الوَطَنِ، بلْ كُلِّ مُسْلِمٍ، أنْ يُدْرِكَ عِظَمَ هذه الفتنةِ، وخُطُورَةَ هذا الاستهدافِ، وجرائمَ أولئكَ المُتَسَلِّلِينَ، وأنْ يَنْظُرَ في مُقَابِلِ هذه المِحْنَةِ إلى ما أَنْعَمَ اللهُ به علينا، وما هَيَّأَ له وُلَاةُ أَمْرِنا، ومَا حَفِظَ اللهُ به بِلادَنا، فيَحْمَدُ اللهَ سبحانَه، ويَشْكُرُهُ على هذه النِّعَمِ المتواليةِ، والآلاءِ المتتابِعَةِ.
إنَّ هذه الفتنةَ تُوجِبُ على الجميعِ تَقْوَى اللهِ سبحانَه، والشعورَ بتَحَمُّلِ المسؤوليةِ كاملةً، كما أنَّها دَرْسٌ لبَعْضِ أولئكَ الشبابِ الذين تَوَرَّطُوا في الفِكْرِ المُنْحَرِفِ وأعمالِ الإرهابِ، أنْ يُدْرِكُوا أنَّهُمْ أوَّلُ ما يَخْدِمُونَ أَعْدَاءَ الدِّينِ بِاسْمِ الدِّينِ، والدِّينُ مِنْ أعمالهم بَرَاءٌ، فلْيَعُودُوا إلى رُشْدِهِمْ، ولْيَنْظُرُوا إلى ما حَصَلَ نَظَرَ اعتبارٍ وتَفَكُّرٍ؛ لِيَكُونَ لهم في ذلك مُزْدَجَرٌ.
عِبَادَ اللهِ، صَلُّوا وسَلِّمُوا على نَبِيِّ الهُدَى والرحمةِ، محمدِ بنِ عبدِ الله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا؛ لأنَّ مَنْ صَلَّى عليه صلاةً واحدةً صَلَّى اللهُ بها عليه عَشْرًا، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وزِدْ وبَارِكْ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجمعينَ، وارْضَ اللهمَّ عَنِ الخلفاءِ الراشدينَ، الأئمةِ المهدِيِّينَ أبي بكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ وعَلِيٍّ، وسائرِ الصحابةِ أجمعينَ.
اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أعداءَكَ أعداءَ الدِّينِ، اللهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أئِمَّتَنا وولاةَ أُمُورِنا، واجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خافَكَ واتَّقَاكَ، واتَّبَعَ رِضَاكَ يا رَبَّ العالمينَ.
اللهُمَّ وفِّقْ ولِيَّ أَمْرِنا خَادِمَ الحرمَيْنِ الشريفَيْنِ سلمانَ بنَ عبدِ العزيزِ، ووَلِيَّ عَهْدِه الأمين بتَوْفِيقِكَ، واكْلَأْنا وإيَّاهُمْ بعِنَايَتِكَ ورعايَتِكَ، وأَلْبِسْنا وإيَّاهم ثَوْبَ الصحةِ والعافيةِ، وزِدْنا وإيَّاهُمْ عِزًّا ونَصْرًا وتمكينًا وقِيَامًا بكِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم، اللهُمَّ احْفَظْ علينا دِينَنَا وعَقِيدَتَنا ووَطَنَنَا وأَمْنَنَا وولاةَ أَمْرِنا وعلماءَنا وأبناءَ مُجْتَمَعِنا، اللهُمَّ مَنْ أرادَنا وأرادَ الإسلامَ والمسلمينَ بسُوءٍ فاشْغَلْهُ بنَفْسِه، واجْعَلْ كَيْدَه في نَحْرِهِ، ودَمِّرْه يا رَبَّ العالمينَ. اللهُمَّ إنَّا نعوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلَاءِ، ودَرَكِ الشَّقَاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشماتَةِ الأعداءِ، وغَلَبَةِ الدَّيْنِ وقَهْرِ الرجالِ.
اللهُمَّ إنَّا نعوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ، والهَمِّ والحَزَنِ والكَسَلِ، اللهُمَّ اهْدِنا لأحْسَنِ الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ، لا يَهْدِي لِأَحْسَنِها إلَّا أنتَ، واصْرِفْ عنَّا سَيِّئَها، لا يَصْرِفُ عنَّا سَيِّئَها إلا أنتَ. اللهُمَّ يا قَوِيُّ يا عزيزُ يا واحدُ يا أَحَدُ يا فَرْدُ يا صَمَدُ، يا ربَّ العرشِ العظيمِ، انْصُرْ رجالَ أَمْنِنَا وجنودَنا المرابطينَ في الحدودِ والثغورِ وفي وسَطِ البلادِ، اللهُمَّ احْفَظْنَا وإياهم بحِفْظِكَ، واكْلَأْنَا وإيَّاهُمْ بعنايَتِكَ ورعايَتِكَ، اللهُمَّ ارْبِطْ على قُلُوبِهِمْ، وثَبِّتْهُمْ وانْصُرْهُمْ نَصْرًا عَزِيزًا مُؤَزَّرًا، اللهم ادْحَرْ أعْدَاءَنا وأعداءَهُمْ يا رَبَّ العالمينَ، اللهُمَّ قَوِّ عَزَائِمَهُمْ واجعلهمْ مجاهدينَ في سبيلِكَ، وانْصُرْهُمْ على عَدُوِّنا وعدوِّكَ، برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
وآخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ.
وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ على نبيِّنا محمدٍ.