عباد الله:
لقد أمر الله - سبحانه وتعالى ـ عباده بالصلوات الخمس، وأمرهم بالمحافظة عليها؛ فمن حفظها حفظ
دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع .
وإنَّ حفظها إنما يكـون بـحـفـظ شروطها وأركانها وواجباتها، والإتيان بذلك على الوجه المأثور عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وعلى ذلك؛ ينبغي للمسلم أن يتعلم شروط الصلاة وأركانها وواجباتها؛ ليكون تعلمه ذلك عونا له على حفظ صلاته من الخطأ والنقصان والبطلان.
أما شروط الصلاة فهي تسعة:
أولها: الإسلام، وضده الكفر، والكافر لا يُقبل منه عمل؛ قال الله ـ جل وعلا -: «ما كان للمشركين أن يعمروا
مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالـهـم وفي النّـار هـم خـالـدون» [التوبة: 17 ].
وقال: « وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا» [الفرقان: ۲۳] .
والثاني: العقل، وضده الجنون، والمجنون مرفوع عنه القلم حتى يفيق؛ لحديث: «رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ».
والثالث: التمييز، وضده الصِّغَر، وحد الصغر سبع سنين، ثم بعد ذلك يؤمر بالصلاة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع".
الشرط الرابع: رفع الحدث، بالوضوء إن كان الحدث أصغر، وبالاغتسال إن كان الحدث أكبر؛ قال الله ـ جل وعلا -: «يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين» [المائدة: 6]، وفي الحديث: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور» .
الشرط الخامس: إزالة النجاسة مـن الثوب والبقعـة والبـدن؛ يقـول الله ـ سبحانه وتعالى ـ: «وثيابـك فطهر» [المدثر : 4 ]، وهو عام في كل تطهير معنويا كان أو حسياً.
الشرط السادس: ستر العورة، وقد أجمع أهل العلم على فساد صلاة من صلى عريانا وهو يقدر على ستر عورته وحد عورة الرجل من السرة إلى الركبة، وليست السرة والركبة داخليين في حدود العورة.
أما المرأة الحرة البالغة فكلها عورة سوى وجهها في الصلاة.
يقول الله ـ جل وعلا -: «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد» [الأعراف: 31] أي: عند كل صلاة.
وثبت في الحديث: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار»، والحائض هي المرأة البالغة .
وقالت أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم -: «تصلي إحدانا في درع وخمار وليس عليها إزار، فقال: لا بأس بذلك إذا كان سابغا يغطي قدميها».
فيجب ستر العورة بما يستر لون البشرة، فإن لم يستر لون البشرة وَوَصَفَهَا؛ فإنه لا يُعتـد بـه عنـد أهـل الـعـلـم كالثياب الخفيفة والدروع الخفيفة.
ويجب على الرجل أن يضع شيئا على عاتقيه في الصلاة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم ـ في حديث أبي هريرة: «لا يصلين أحدكم في ثوب واحد وليس على عاتقه منه شيء».
الشرط السابع من شروط الصلاة: استقبال القبلة؛ قال الله ـ جل وعلا -: «فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره» [البقرة: 144، 150].
والناس في استقبال القبلة على قسمين:
أحدهما: من فرضه إصابة عين الكعبة، وهـذا في حـق مـن كـان مـشاهدا للكعبة، أو كان في مكة، أو قريبا من مكة.
والآخر: من فرضه إصابة جهة الكعبة، وهـو مـن كـان بعيدا عنها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم ـ في حق هذا: «ما بين المشرق والمغرب قبلة».
والبعيد عن الكعبة إما أن يكون في بلد من البلدان؛ ففرضه أن يتوجه إلى محاريبهم، وأن يرجع إلى أهـل البـلـد في معرفة القبلة، ولا يجوز له بحال من الأحوال أن يجتهد في إصابة القبلة والحال هذه.
وإما أن يكون في غير بلد ـ كبريَّة، أو بحر، أو نحو ذلك ـ، فإن كان عالما بأدلة إصابة القبلة من النجوم والرياح؛ فإنه يجب عليه أن يجتهد حتى يظن أنه قد أصاب جهة الكعبة، وإن لم يكن عالما بذلك؛ ففرضه التقليد عندئذ.
وإن لم يكن مجتهدا ولم يجد من يقلده؛ تحرى فصلى، فإن تبين بعد الصلاة أنه قد صلى إلى غير القبلة والحـال مـا ذُكـر فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم ـ أفتى أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ بذلك.
ويسقط استقبال القبلة في حالات ثلاث:
الأولى: في تعذر الاستقبال إلى القبلة، كأن يكون أسيرا قد رُبط إلى غير القبلة.
والثانية: في شدة الخوف، كحال التحام الصفوف؛ فقد أسقط الله ـ جل وعلا ـ والحال هذه استقبال القبلة.
والحالة الثالثة: أن يصلي النافلة في السفر على دابته أو سيارته.
ففي هذه الحالات يسقط وجوب استقبال القبلة، عباد الله.
الشرط الثامن من شروط الصلاة: دخول وقتها.
فأول وقت الظهر إذا زالت الشمس، وآخر وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله؛ کما جاء ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، أن جبريل أم بالنبي - صلى الله عليه وسلم ـ عند البيت، فصلى به الظهر حين زالت الشمس في اليوم الأول، ثم صلى به الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله، ثم قال: «الوقت ما بين هذين».
ووقت العصر يبدأ من صيرورة ظل كل شيء مثله إلى صيرورة ظل كل شيء مثليه؛ کما جاء في حديث ابن عباس المتقدم .
أما وقت المغرب فهو عند غروب الشمس؛ فإذا غابت فقد بدأ وقت المغرب، وينتهي بغروب الشفق الأحمر.
ثم يبدأ وقت العشاء من بعد غروب الشفق الأحمر، وينتهي إلى ثلث الليل الآخر .
أما وقت الفجر فيبدأ بعد طلوع الفجر الصادق ـ وهو الثاني -، وينتهي بطلوع الشمس.
والأفضل في الظهر أن يتعجل بها المسلم، إلا في شدة الحر؛ فالسنة الإبراد؛ كما أمر بذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم - .
وكذا الحال في العصر : الأفضل التبكير بها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم ـ كـان يـصـلي الـعـصـر، ثـم يـذهب الذاهب إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية.
وكذا المغرب: يستحب تبكيرها؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم ـ كان يبكر بها، وأم جبريلُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم ـ مرتين المغرب ، كلها يصلي في أول وقتها.
أما العشاء فقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستحب تأخيرها إذا لم يكن ضررا على المصلين.
أما الفجر فالسنة التبكير بها؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يصليها بغلس؛ وهو شدة الظلام.
وعلى الإمام أن يراعي أحوال المأمومين، وأن ينتبه لهم؛ فلا يضر بهم في أي وقت من الأوقات .
أما الشرط التاسع من شروط الصلاة؛ فهـو النية، ومحلها القلب، والتلفظ بها بدعة؛ يقـول ـ عليه الصلاة
والسّلام ـ: «إنما الأعمال بالنيات».
فاعرفوا هذه الشروط ـ بارك الله فيكم ـ، واحفظوها، واحذروا من الإخلال بها؛ فإن الإخلال بشيء منها مفسد للصلاة.