خطبة 17 ( قصيرة ) ( رمضان ) ( ليلة القدر )

شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب

الحمد لله العظيم الشأن، الكبير السلطان، خلق آدم من طين ثم قال له: كن، فكان. أحسن كل شيء خلقه وأبدع الإحسان والإتقان. أحمده سبحانه وحمده واجب على كل إنسان، وأشكره على ما أسداه من الإنعام والتوفيق للإيمان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كثير الخير دائم السلطان. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صاحب الآيات والبرهان. اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه حملة العلم والقرآن، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمعه ويراه، واعملوا ليوم ترجعون فيه إلى الله، { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً }. وهل ينفع المجرم ما يتمناه؟ يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، وينشر المكتوب والمسطور، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، يوم يكشف للعبد غطاء عينيه، ويعرف محصول عمله وما لديه، ولا يروج البهرج يومئذ منه ولا عليه. يومئذ يعض الظالم على يديه أسفا على ما اقترفه وما جناه، فاتقوا الله عباد الله، وبادروا إلى ما يحبه الرب من العمل ويرضاه.

واعلموا أن أفضل شهركم هذا عشره الأخيرة، فيها ليلة مباركة، فيها يفرق كل أمر حكيم، وتكتب الحوادث والتدبير، يصل فيها الرب ويقطع، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويميت ويحيي، ويسعد ويشقي، وتجري أقلام القضاء والتقدير، فعظموها رحمكم الله تعالى بالقيام والركوع والسجود والقراءة والتكبير، والتمسوها في أفراد العشر كما جاء بذلك الخبر عن البشير النذير.

قالت عائشة رضي الله عنها قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" .

وقالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر" .

وقال صلى الله ليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.