خطر أذية المؤمنين

الشيخ عبدالسلام بن برجس

يقـول الله - سبحانه وتعالى -: « والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا» [الأحزاب: 58] .

في هذه الآية الكريمة ـ يا عباد الله ـ يبين الله ـ تعالى ـ شناعة وبشاعة جريمة أذية المسلمين بغير حق؛ بما رتبه عليها ـ سبحانه وتعالى ـ من العقوبة الغليظة، وما وصفها به من البهتان والإثم المبين؛ فهي جريمة عنيفة تتجلى فيهـا أقبح صور الظلم والعدوان، وتظهر من خلالها خساسة نفس المؤذي بغير حق، وقلة ديانته؛ إذ أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ جعل للمسلم حرمة، من تخطاها بغير حق شرعي؛ فقد عَرَّض نفسه لغضب الله ـ تعالى ـ ومقته.

وقد ثبت في الصحيح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» ؛ فالمسلم الكامل هو الذي كف أذاه عن إخوانه المسلمين، سواء ما يصدر عن اليـد مـن الأذيـة بالضرب ونحوه، أو ما يصدر عن اللسان من الأذية بالغيبة والنميمة ونحوهما.

وفي الصحيح ـ أيضا ـ من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «المسلم أخو المسلم؛ لا يخذله، ولا يحقره، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله، وعرضه».

فمن آذى مؤمنا أو مؤمنة بغير حق؛ فقد شاق الله ورسوله، لا قَبِلَ الله منه صرفا ولا عدلا، ولا يسَّر الله ـ تعالى ـ له هذا الأمر.

أيها المسلمون:

وكلما كانت الأذية أشد كلما كان إثمها أعظم وأكبر.

ومن أشنع أذية المسلم:

الافتراء عليه، وإلصاق قول أو فعـل بـه لم يقله ولم يفعله؛ ليكـون هـذا الإلصاق وهـذا الافتراء سببا لعيبه وتنقصه عند الناس.

يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى ـ في تفسير قوله - تعالى -: « والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإنها مبينا».

«بغير ما اكتسبوا» أي: ينسبون إليهم مـا هـم بَـراء منه لم يعملوه ولم يفعلوه، فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ، وهـذا هـو البهـت الكبير : أن يحكي أو ينقـل عـن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والنقص هم.

وقد قال بعض السلف ـ رحمهم الله تعالى ـ على قول الله - سبحانه وتعالى -: «إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين » : (هـي لـكـل مفتر إلى يوم القيامة: غَضَـبٌ مـن الله يناله، وذلة في الحياة الدنيا جزاء له من جنس عمله؛ إذ أراد إذلال المسلم بما افترى عليه).

وقد أخرج أبو الشيخ الأصبهاني وابن أبي الدنيا عن أبي الدرداء ـ رضي الله تعالى عنه - موقوفا عليه أنه قال: «أيما امرئ أشاع على امرئ مسلم كلمة وهو منها بريء ليشينه بها؛ كان حقا على الله أن يعذبه بها يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال».

فتأمل هذا الأثر العظيم الذي لا يُقال من قبل الرأي؛ لتعلم منزلة الافتراء على المؤمن، وسوء عاقبة من قام به وتحمله.

ويستوي في الإثم من اختلق هذه الكلمة ومن أعان على نشرها دون تثبت وتوثق؛ لقـول عـلي ـ رضي الله تعالى عنه ـ: «القائل كلمة الزور والذي يمد بحبلها في الإثم سواء».

وفي الحديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «كفى بالمرء إثما أن يُحَدِّث بكل ما سمع».

فليتق الله المسلم، ولا يُعَرِّض نفسه لسخط الله بما يقترفه مـن أذيـة إخوانه المسلمين؛ فقـد يكـون مَـنْ أوقع عليه الأذية برا تقيا وليا لله ـ تعالى ـ؛ فيصدق على من آذاه قول الله ـ جل وعلا ـ في الحديث القدسي: «مـن عـادى لي ولياً فقد آذنته بالحزب» .

ولما مَرَّ أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ على نفر من الصحابة وقال لهم كلمة كأنه أغلـظ عـليهم بها، فجـاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره، فقال له ـ عليه الصلاة والسّلام ـ: «يا أبا بكر، لئن كنت أغضبتهم؛ لقد أغضبت ربك».

فهذا خطاب مع أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ خير من طلعت عليه الشمس بعد الأنبياء، فكيف بمن دونه؟!.

فكيف بالذي يُغضب المؤمنين والمؤمنات بما يتقول عليهم من البهتان الواضح والكذب الصريح؟!! لا ريب ولا شك أن غضب الله ـ تعالى ـ عليه أحرى وأولى، وأن عقابه شديد أليم وقد ثبت في الحديث عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم - قال: «ومن بهت مؤمنا أو مؤمنة؛ حبسه الله في ردغة الخبال، حتى يأتي بالمخرج».

أيها المؤمنون، لقد كثر في هذه الأيام إيذاء المؤمنين من أهل العلم وطلبته؛ بما يفتري عليهم من الأقوال والأعمال الذين هم براء منها، والتي يتولى كبرها دعاة الفتنة.

فليحذر المسلم أن يشاطرهم الإثم، وليحذر المسلم أن يستجلب العقوبة على نفسه بما يعينهم به من نشر كلمة كاذبة خاطئة، أو خبر غير موثوق به، وليضع نصب عينيه قـول الله - سبحانه وتعالى -: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» [ق: ۱۸ ].

وقول المولى - سبحانه وتعالى -: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تُصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» [الحجرات: 6 ] .

عباد الله:

ومن أشنع صور أذية المسلم ـ أيضا ـ: أذيـة الجـار لجـاره؛ فإن أذية المسلم للمسلم مذمومة عموما، وتزداد مذمة وإثما إذا كان جارا للمؤذي؛ لِمَا للجار من المنزلة في الشرع؛ إذ قـد حـثَّ اللهُ على بره ومواساته، وأمـر بكف الأذى عنه؛ يقول ـ صلى الله عليه وسلم -: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» .

وفي الحديث: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسـول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه» أي: شروره وغوائله.

وفي الحديث ـ أيضا ـ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره»، وفي رواية: «فليحسن إلى جاره».

لقد تعدى كثير من الناس - هداهم الله تعالى ـ هذه الأوامر، ولم يكتفوا بعدم إحسانهم إلى جيرانهم وبرهم بهم؛ بل تخطوا ذلك إلى إيذائهم ومضايقتهم بألوان من الأذى.

وأشر الناس في ذلك من يعتبر هذا الإيذاء فخرا، ويعده شجاعة وبسالة!! .

وأيم الله لقد خاب وخسر؛ ما أعظم جريمته، وما أشد خسارته!

فاتقوا الله - تعالى - عباد الله .. وتأملوا كثيرا قول الله - سبحانه وتعالى ـ: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا» [النساء: 36].

عـبـاد الله:

ومـن أذيـة المسلمين: مضايقتهم في طرقاتهم وشوارعهم، وذلك بإلقاء الأذى فيهـا مـن النفايات والأوساخ، وقد ثبت في الحديث: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة» .

وكذلك: إيقاف السيارات فيها، أو مضايقة الناس أثناء السير، أو ترويعهم بالسرعة الجنونية، أو إزعاجهم بأصوات الأبواق من غير حاجة، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «من آذى المؤمنين في طرقهم؛ وجبت عليه لعنتهم» أخرجه الطبراني، وهو حديث حسن.

ومن أذية المسلمين: حبس معاملاتهم لدى بعض المسؤولين، وعرقلة مصالحهم بغير حق، لا لشيء سوى عـدم المبالاة!!

ومن ذلك: إفساد محلات الوضوء العامة، وتعطيل منافعها.

فكل ذلك ـ يا عباد الله ـ يدخل تحت قول الله - سبحانه وتعالى -: « والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإنما مبينا» [الأحزاب: 58] .

فعلى المسلمين أن يجتنبوا أذية إخوانهم المسلمين أيا كانت هذه الأذية، وليحذر المسلم حذرا شديدا من الوقوع في هذه الأذية، وليكن شديد التفقد لنفسه أن تقع فيها هذه الأذية وهو لا يشعر.

وجامع القول فيما يؤذي المؤمنين: أن ينظر الإنسان المعتاد ما يتعدى هو به لو وقع عليه؛ فلا يؤذي بـه أحـدا مـن عباد الله - تعالى -.

أخرج الشيخان عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» .

وفي (صحيح مسلم) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم؛ وإن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، ثم تجيء فتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويَدخل الجنة؛ فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومـن بـايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه؛ فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه؛ فاضربوا عنق الآخر».