جمع الكلمة ولزوم الجماعة

الشيخ سليمان أبا الخيل

الخُطْبَةُ الأُولَى: 

إنَّ الحمدَ للهِ، نحمَدُه ونَشْكُرُه، ونَسْتَعِينُه ونَسْتَهْدِيهِ ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ به مِنْ شُرُورِ أنفُسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأَشْهَدُ أنَّ محمدًا عَبْدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحابَتِه، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٢ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾ [آل عمران: 102-103].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ٧٠ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].

عِبَادَ اللهِ:

مِنَ الدَّعَائِمِ الرَّئِيسَةِ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا هَذَا الدِّينُ اجْتِمَاعُ الْـمُسْلِمِينَ عَلَى كِتَابِ اللهِ، وعَلَى سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَالْجَمَاعَةُ الَّتِي تَقُومُ عَلَى هَذَيْنِ الْأَسَاسَيْنِ هِيَ الضَّمَانَةُ الْقَوِيَّةُ لِاسْتِقْرَارِ أَمْرِ الدِّينِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ؛ فَلَا دِينَ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ، ولَا جَمَاعَةَ إِلَّا بِإِمَامَةٍ، ولَا إِمَامَةَ إِلَّا بِكِتَابٍ وسُنّـةٍ؛ لِذَا فَإِنَّ مَوْضُوعَنَا الْيَوْمَ مَوْضُوعٌ مُهِمٌّ وحسَّاسٌ ودقيقٌ وهو جَمْعُ الكَلِمَةِ ولُزُومُ الجماعةِ، وإنَّ حَدِيثِي عَنْ هذا الموضوعِ سَنَتَطَرَّقُ إليه مِنْ خِلَالِ النقاطِ الآتيةِ:

أولًا: أَنَّ اللهَ عز وجل بَعَثَ رَسُولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم علَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، بَعَثَهُ والعالَمُ أَجْمَعُ والعربُ على وجْهِ الخصوصِ يَعِيشُونَ حالةً مِنَ الفَوْضَى والخلافِ والشِّرْكِ والجَهْلِ والعَصَبِيَّةِ القَبَلِيَّةِ التي ما أَنْزَلَ اللهُ بها مِنْ سُلْطَانٍ؛ بل إنَّ القَوِيَّ في ذلك الزمنِ يَأْكُلُ الضعيفَ، والغنيَّ يَسْتَعْبِدُ الفقيرَ، ويَمْتَلِكُهُ ويُوَجِّهُه حَيْثُما يُرِيدُ؛ بلْ وأَبْعَدُ مِنْ ذلك كان بَعْضُ المجتمعِ يُعَدُّ سَقْطًا مِنَ المتاعِ لا قِيمَةَ له ولا منزلةَ ولا أهميةَ، ألَا وهو المرأةُ، فجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَمْرِ رَبِّه بهذا الدِّينِ العظيمِ الذي أَنْزَلَهُ عليه في القرآنِ والسُّنَّةِ؛ لِيُخْرِجَ الناسَ مِنَ الظلماتِ إلى النُّورِ، ويجمعَهُم على كلمةٍ سَوَاء؛ وتحْتَ رايةٍ واحدةٍ؛ هي رايةُ الإسلامِ، ويَنْهَاهُم عَنِ الشِّقَاقِ والنِّزاعِ ودَعَاوَى الجاهلية.

فقد كانتِ الجَمَاعَةُ والإِمامَةُ في عَهْدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعَهْدِ صحابتِه وخُلَفائِهِ الراشدينَ قوِيَّتَيْنِ عَزِيزَتَيْنِ مُهَابَتَيِ الجانبِ، لا يُمْكِنُ لأحدٍ أنْ يَتَعَرَّضَ لهما، أو أنْ يَنَالَهُما بسُوءٍ، أو يَتَنَقَّصَ قَدْرَهُما، أو يَأْتِيَهُما بأيِّ أمرٍ يُمْكِنُ أنْ يُؤَثِّرَ على ما حَصَلَا عليه مِنْ قُوَّةٍ ومكانَةٍ.

إلَّا أنَّ قضاءَ اللهِ الكونيَّ والشرعيَّ ثابتٌ ولا بُدَّ أنْ يَقَعَ، فبِمُرُورِ الزمنِ وتَغَيُّرِ الأحوالِ ظَهَرَتْ بعضُ البِدَعِ التي كان لها أثرٌ واضحٌ في التأثيرِ على جماعةِ المسلمينَ وأئمَّتِهِمْ، وكانتِ الشرارةَ الأُولَى والمُنْطَلَقَ لذلكَ في عَهْدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، كما ثَبَتَ في الحديثِ الصحيحِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا عَادَ قَافِلًا مِنْ غزوةِ حُنَيْنٍ، وجَعَلَ يُقَسِّمُ الغنائمَ، وأَعْطَى صناديدَ نَجْدٍ أكثرَ مِنْ غيرِهِمْ؛ تأليفًا لِقُلُوبِهِمْ، قامَ رجلٌ يُدْعَى عبدَ اللهِ بنَ أبي ذِي الخُوَيْصِرَةِ التمِيمِيَّ، فقال: يا محمدُ اعْدِلْ، فغَضِبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم واحْمَرَّ وجْهُهُ وقال: «مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَنَا أَعْدِلُ، أَتَأْمَنُونِّي عَلَى وحْيِ الله، ولَا تَأْمَنُونِّي عَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا؟!»، فقام رجلٌ يُذْكَرُ أنَّه عمرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه، وقيلَ: إنَّه خالدُ بنُ الوليدِ رضي الله عنهما وأرضاهما فقال: يا رسولَ الله، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هذا الرجلِ، أو هذا المنافقِ، فنهاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، وانْظُرُوا مَاذَا قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ؛ لِتَتَّعِظُوا وتَعْتَبِرُوا وتَتَبَيَّنُوا وتَتَبَصَّرُوا وتُدْرِكُوا الحقائقَ والمفاهيمَ والمقاصدَ. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ  هَذَا قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، وفي روايةٍ: «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، ويَدْعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ»، وفي روايةٍ أُخْرَى: «لَئِنْ لَقِيتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ».

وقَوْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : «يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا»، قالَ ابنُ كَثِيرٍ: ليسَ المقصودُ مِنْ نَسَبِه وأَصْلِه؛ بَلْ مِنْ شَكْلِه ومَنْ سارَ على فِكْرِه ومَنْهَجِه وعَقِيدَتِه؛ ولذلكَ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَّدَ على أنَّ هؤلاءِ القومَ الذين ابْتَدَعُوا الخروجَ على ولِيِّ الأمرِ وجماعةِ المسلمينَ يَخْرُجُونَ في كلِّ وقتٍ، وكُلَّمَا خَرَجَ منهمْ قَرْنٌ قُطِعَ إلى قيامِ الساعةِ.

ولذلك نَرَى اليومَ وُجُودَهُمْ وتجمُّعاتِهِمْ وآثارَهُمْ ظاهرةً في كثيرٍ مِنَ المجتمعاتِ، يُلَبِّسُونَ ويُدَلِّسُونَ، ويُحَسِّنُونَ القَبِيحَ، ويُقَبِّحُونَ الحَسَنَ، ويَرْفَعُونَ عقائِرَهُمْ؛ لِيَدُسُّوا السُّمَّ في العَسَلِ، ولِيَعْمَلُوا أعمالًا يَقْصِدُونَ منها الضَّرْبَ في أُسُسِ جماعةِ المسلمينَ والنَّيْلَ مِنْ تماسُكِهَا ووَحْدَتِها في أيِّ مكانٍ، أو أيِّ زمانٍ وُجِدُوا فيه، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم كما ثَبَتَ في الحديثِ الصحيحِ المُخَرَّجِ عندَ البخاريِّ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُ اللهِ عز وجل: ﴿قُلْ هُو الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ قال: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ ، قال: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ويُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾  [الأنعام: 65]، قال: «هَاتَانِ أَهْونُ»، قال الإمامُ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ اللهَ عز وجل بَيَّنَ أنَّه سَيَلْبِسُهُمْ شِيَعًا، ويُذِيقَ بَعْضُهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، وأنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيءٌ مِنْ هذا الأمرِ، وأنَّه فيهم جاهليةٌ، أيْ: ما يَعْمَلُونَه، ويَقُومُونَ به، ويَدْعُونَ إليهِ.

وفي هذا الزَّمَنِ تكاثَرَتِ الآراءُ، وانتشرتِ الأهواءُ والأضاليلُ والأباطيلُ والتزْيِيفَاتُ والانتحالُ والإبطالُ بصُورَةٍ لم يَعْهَدْ لها التاريخُ نَظِيرًا، ولذلكَ فإنَّ هذه الجماعاتِ والأحزابَ والتنظيماتِ وُجِّهَتْ إلى عُقُولِ بعضِ الشبابِ والشاباتِ والناشئةِ، ورَكَّزَتْ على أمورٍ وقضايا لا أساسَ لها، ومع الأسفِ أنَّ بعضَ الشبابِ والشاباتِ يَقَعُونَ ضَحِيَّةً وفريسةً لِدُعَاةِ هذه الجماعاتِ والأحزابِ، وبِطَرِيقٍ غريبٍ مُلْتَبِسٍ مُشْتَبِهٍ تُسْتَخْدَمُ مِنْ أَجْلِه ولتحقيقِه وسائلُ وأدواتٌ وأسانيدُ ومناهجُ وطُرُقٌ مُتَنَوِّعَةٌ ومُتَعَدِّدَةٌ، والأعجبُ والأغربُ من ذلك أنَّها تَبْلُغُ في الأثرِ والنَّيْلِ مِنْ عُقُولِ هؤلاءِ الفتيةِ ونُفُوسِهِمْ مَبْلَغًا لا يَعْلَمُ الإنسانُ كيفَ وصَلُوا إليه!!.

وإذا تأَمَّلْتَ أخي المسلمَ وتَدَبَّرْتَ في هذا الأمرِ؛ رأيتَ أنَّه يُحَاكُ ويُنَظَّمُ ويُخَطَّطُ له بطُرُقٍ عجيبةٍ خَفِيَّةٍ وظاهرةٍ؛ حتَّى إنَّ أبناءَ المسلمينَ أَصْبَحُوا همُ الذين يُخَطِّطُونَ ويُنَفِّذُونَ، فهُمُ الحَطَبُ، والجامِعُ للحَطَبِ، والمُوقِدُ في الحَطَبِ، هل يُمْكِنُ أنْ يكونَ ذلكَ أيُّها الإخوةُ؟! إنَّما هي الانحرافاتُ العقديةُ، والشبهاتُ التي لُبِّسَ بها على عقولِ وأفكارِ الناشئةِ، ولا يُمْكِنُ أنْ يُنَقِّيَها ويُصَفِّيَها ويجعلَها تَسِيرُ على ما جاءَ في الكِتَابِ والسُّنَّةِ ومنهجِ سَلَفِ هذه الأُمَّةِ إلَّا العلماءُ المحقِّقُونَ الربانيُّونَ الذين يَعْمَلُونَ لتحقيقِ أَمْرَيْنِ لا بُدَّ مِنْ وُجُودِهما على أرضِ الواقعِ؛ لِنُوَاجِهَ هذا المدَّ الخطيرَ، وهذانِ الأمرانِ هما:

الأمرُ الأولُ: تصفيةُ العقائدِ والأفكارِ والمناهجِ مِنْ كُلِّ ما دَاخَلَهَا وأَثَّرَ عليها مِنْ قَرِيبٍ وبعيدٍ؛ لِتَكُونَ على وفْقِ ما أرادَ اللهُ ورسُولُه صلى الله عليه وسلم، وعَمِلَ به علماءُ الأُمَّةِ مُنْذُ صَدْرِ الإسلامِ إلى يَوْمِنا هذا.

الأمر الثاني: تربيةُ الأبناءِ والبناتِ والطلَّابِ والطالباتِ؛ بل وأبناءِ المجتمعِ على مختلفِ سِنِي عُمُرِهِمْ على ما جاءتْ به هذه الشريعةُ مِنَ الأصولِ والقواعدِ والثوابتِ والمبادئِ التي لا نَجَاةَ ولا سعادةَ ولا فلاحَ إلَّا بالأخذِ بها، والسيرِ على ما جاءتْ به.

ثانيًا: أهميةُ الجماعةِ والاجتماعِ وجَمْعِ الكَلِمَةِ:

الجماعةُ عِبَادَ الله إمَّا أنْ تَكُونَ جماعــةً صُـغْرَى، وهي جماعةُ الصلاةِ، أو التي تَنْعَقِدُ بها صلاةُ الجماعةِ، وهذه الجماعةُ تَتَكَوَّنُ مِنْ إمامٍ ومأمومينَ مأمورينَ باتِّبَاعِ الإمامِ، وعَدَمِ مخالفَتِه وهذه الجماعةُ بهذه الصفةِ وهذا المفهومِ هي تَوْجِيهٌ ودليلٌ وبيانٌ إلى النوعِ الثاني مِنْ أنواعِ الجماعةِ؛ وهِيَ الجماعةُ الكُبْرَى، وهي التي يَنْتَظِمُ فيها أفرادُ الأُمَّةِ الإسلاميةِ جَمِيعًا إذا كانتْ مُجْتَمِعَةً، أو أفرادُ البلدِ الواحدِ فيما سِوَى ذلكَ تحتَ ولِيِّ أَمْرٍ أو أَمِيرٍ يُسْمَعُ له ويُطَاعُ، وهذه الجماعة يَجِبُ علينا جميعًا أنْ نُحَافِظَ عليها، وأنْ نَحْفَظَها، وأنْ نَقُومَ بحقُوقِها وألَّا نُؤَثِّرَ على قُوَّتِها أو كِيَانِها أو أيِّ أَمْرٍ مما يَجْعَلُها تكونُ سَهْلَةَ المنالِ مِنَ الأعداءِ.

ولذلك فقد عَرَّفَ بعضُ العلماءِ الجماعةَ بأنهمُ القومُ الذين يَسْتَمْسِكُونَ بالكِتَابِ والسُّنَّةِ، ويُؤْثِرونَ كلامَ اللهِ على غيرِه مِنَ الكلامِ، ويُقَدِّمُونَ كلامَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على كلامِ غيرِه، وقِيلَ: إنَّ الجماعةَ همُ الجماعةُ التي تَسْمَعُ وتُطِيعُ لأميرٍ له السمعُ والطاعةُ.

وهذه الجماعةُ بهذا المفهومِ يَجِبُ لُزُومُها، وعَدَمُ الخروجِ عليها بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوالِ.

ومِنْ هنا نَرَى أنَّ الصغيرَ بحاجةٍ إلى الكبيرِ، والكبيرَ إلى الصغيرِ، والمواطِنَ بحاجةٍ إلى الأميرِ، والأميرَ بحاجةٍ إلى المواطِنِ، وهكذا، فلا يُمْكِنُ أنْ يَعْتَمِرَ الكونُ وتَثْبُتُ الخلافةُ التي وعَدَ بها بني آدَمَ إلَّا بهذا الطريقِ.

يقول الإمامُ ابنُ القيمِ رحمه الله تعالى: إنَّ الناسَ لا بُدَّ أنْ يكونَ لهم عقيدةٌ يَجْتَمِعُونَ عليها، وهذه العقيدةُ يَكُونُ فيها مِنَ الأحكامِ والمبادئِ ما تَنْتَظِمُ مِنْ خلالها شُؤونُهُمْ وحياتُهم، ويُردع فيها الظالمُ، ويُؤخذ الحقُّ منه ويُعادُ إلى صاحِبِهِ.

إنَّ الجماعةَ والاجتماعَ حِفَاظٌ على الهُوِيَّةِ الإسلاميةِ، ولا يُمْكِنُ أنْ يُوجَدَ الإسلامُ بلا جماعةٍ بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوالِ، ولا يُمْكِنُ أنْ تُوجَدَ الجماعةُ إلَّا بطاعةٍ، ولا يُمْكِنُ أنْ تَتَحَقَّقَ الطاعةُ إلَّا بوجودِ الإمامةِ، أَخْرَجَ الإمامُ الدارميُّ في سُنَنِهِ عنْ تميمِ بنِ أوسٍ الداريِّ رضي الله عنه قال: لمَّا تَطَاوَلَ الناسُ بالبُنيانِ قال أميرُ المؤمنينَ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه: يا مَعْشَرَ العُرَيْبِ، الأرضَ الأرضَ، فإنَّه لا إسلامَ إلَّا بجماعةٍ، ولا جماعةَ إلَّا بإمامةٍ، ولا إمامةَ إلَّا بطاعةٍ، إنَّه مَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ بِفِقْهٍ كَانَ خَيْرًا له ولهمْ، ومَنْ سَوَّدَهُ قومُه بِغَيْرِ فِقْهٍ كَانَ هلاكًا له ولهمْ.

وهذا أَمْرٌ يَجْعَلُنا نُنادِي كلَّ صاحبِ رأيٍ سَدِيدٍ وقَوْلٍ أنْ يُحَقِّقَ هذا المبدأَ في نَفْسِه، ويَعْمَلَ على تربيةِ أبنائِه وبناتِه به؛ حتَّى يَحْفَظَ نَفْسَه وأُسْرَتَه ومجتمعَه وأُمَّتَه، ويكونَ بهذه الطريقةِ وهذا الأسلوبِ صِمَامَ أمانٍ مِنَ التأثُّرِ بهذه الدعواتِ التي تَفِدُ علينا مِنَ الشَّرْقِ ومِنَ الغَرْبِ؛ بلْ إنَّ بَعْضَ دُعاتِها يَتَسَتَّرُونَ بمَنْهَجٍ خَفِيٍّ فيما بَيْنَنا.

ثالثًا: لُزُومُ جماعةِ المسلمينَ وأَهَمِّيَّتُه ووُجُوبُه ومُسْتَلْزَمَاتُه.

وهو المَحَكُّ والمَقْصِدُ والمُعَوَّلُ عليه والذي سَنُرْسِي أطنابَ العِلْمِ بإِذْنِ الله فيها، ونُبَيِّنُها بالدليلِ الأَثَرِيِّ والنَّظَرِيِّ الذي لا يَخْرُجُ عن:

العِـلْـمُ قَـالَ اللهُ قَـالَ رَسُـولُــهُ

قَالَ الصَّحَابَةُ هُمْ أُولُو الْعِرْفَـانِ

أمَّا حكمُ لُزُومِ جماعةِ المسلمينَ فهوَ واجِبٌ على كُلِّ مسلمٍ، في أيِّ زَمَنٍ أو حالٍ أو مكانٍ، ولا يَجُوزُ له أنْ يَتَعَدَّى هذا الوجوبَ لأيِّ مُبَرِّرٍ أو أَمْرٍ مِنَ الأمورِ، صغيرًا كان أو كبيرًا.

والأدلةُ على وُجُوبِ لُزُومِ جماعةِ المسلمينَ وعَدَمِ الخروجِ عليها مِنَ الكِتَابِ والسُّنةِ فهي كثيرةٌ منها.

مِنَ القرآنِ الكريمِ:

قَوْلُ اللهِ عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ((١٠٢)) واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولَا تَفَرَّقُوا واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوانًا وكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ [آل عمران: 102-103].

هذه الآياتُ تَدُلُّ دلالةً صريحةً وواضحةً على أنَّ سبيلَ المتقينَ هو الاعتصامُ بحَبْلِ اللهِ عز وجل الذي هو الجماعةُ، وأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى بَيَّنَ مِنَّتَه وفَضْلَه على عبادِه المؤمنينَ بأنْ جَعَلَهُمْ إخوةً متحابِّينَ مُتَآلِفِينَ مُتكاتِفِينَ متوحِّدِينَ بما جَاءَ في كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم؛ ولذلكَ فإنَّ قَوْلَ اللهِ عز وجل:   ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولَا تَفَرَّقُوا﴾.

قال ابنُ عطيَّةَ: اختلفتْ عباراتُ المفسِّرِينَ في مَعْنَى قَوْلِ اللهِ عز وجل ﴿بِحَبْلِ اللَّهِ﴾.

فقالَ ابنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: حَبْلُ اللهِ في هذه الآيةِ المقصودُ به الجماعةُ.

ورَوَى أَنَسُ بنُ مالكٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وسَبْعِينَ فِرْقَةً، وإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى اثْنَتَيْنِ وسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا واحِدَةٌ». قَالَ: فَقِيلَ: يا رسولَ اللهِ، وما هذه الواحدةُ؟ قال أنسٌ: فَقَبَضَ يَدَهُ وقال: «الْجَمَاعَةُ، وقَرَأَ: ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولَا تَفَرَّقُوا﴾».

وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله: المقصودُ بحَبْلِ اللهِ هنا قيلَ: إنَّه دِينُ اللهِ، وقيلَ: إنَّه القرآنُ، وقيلَ: إنَّه الإسلامُ، وقيل: إنَّه الجماعةُ، وقيلَ غيرُ ذلك؛ ولذلك فإنَّ السَّلَفَ الصالحَ رحمهم الله لا يَخْرُجُونَ عنْ أَمْرِ ونَهْيِ القرآنِ، وكانوا أُمَّةً مُجْتَمِعَةً على الخيرِ، ولم يَخْرُجُوا عمَّا جاء في مبادئِ الشريعةِ، فكَانُوا أُمَّةً عزيزةً قويةً مُهَابَةَ الجانِبِ.

وَقَـوْلُ اللهِ سبحانه وتعالى: ﴿ولَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ٣١ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 31، 32].

فاللهُ عز وجل يُبَيِّنُ لنا في هذه الآيةِ أنَّ التفَرُّقَ والتحزُّبَ والتشَرْذُمَ والاختلافَ هو مَنْهَجُ وطَرِيقُ المشركينَ، الذين اتخذُوا دِينَهُمْ شِيَعًا؛ ولذلكَ حَذَّرَنَا مِنْ أنْ نَسْلُكَ طريقَهُمْ، أو أنْ نَنْهَجَ منهَجَهُمْ؛ بلْ إنَّ الواجبَ علينا أنْ نَسِيرَ على ما دَعَانَا إليه القرآنُ والسُّنَّةُ مِنْ لُزُومِ جماعةِ المسلمينَ وإمامِهِمْ وقَوْلُه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْ﴾ [الأنعام: 159].

فهذا خطابٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والخطابُ الذي يُوَجَّهُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم هو مُوَجَّهٌ لِأُمَّتِه، فلا بُدَّ أنْ تَأْخُذَ به، وتَعْمَلَ به، وألَّا تَخْرُجَ عنه، واللهُ في هذه الآيةِ بَيَّنَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ليسَ مِنْ أُولَئِكَ الذين يَتَحَزَّبُونَ ويَتَشَيَّعُونَ؛ بلْ هو أَبْعَدُ ما يَكُونُ عنهم، وحَذَّرَ منهم أيَّما تَحذِيرٍ فيما أَنْزَلَهُ اللهُ عليه مِنَ الوحيِ في الكِتَابِ وفي السُّنَّةِ.

وقَوْلُهُ عز وجل: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وصَّى بِهِ نُوحًا والَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ومَا وصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ ومُوسَى وعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾  [الشورى: 13].

قال المفسِّرُونَ: إقامةُ الدِّينِ المقصودُ بها في هذه الآيةِ هي إقامةُ التوحيدِ والمُعْتَقَدِ الخالصِ النَّقِيِّ مِنَ الشوائبِ والبِدَعِ والشرْكِيَّاتِ، والذي إذا قَامَ الإنسانُ به وكَانَ بهذه الصِّفةِ فإنَّه عاصِمٌ له مِنَ الوقوعِ في إرهابِ الفِتَنِ ودُعاتِهَا ومُنْقِذٌ له مِنَ الوقوعِ في الشرِّ والفسادِ والإفسادِ؛ سواءٌ أكانَ ذلك فِكْرِيًّا أو سُلُوكِيًّا وأخلاقيًّا.

مِنَ الأدلةِ على وُجُوبِ لُزُومِ جماعةِ المسلمينَ  مِنَ القرآنِ الكريمِ:  هو أنَّ اللهَ عز وجل دائمًا ما يُنَادِي عبادَه المؤمنينَ بِصِفَةِ الجَمْعِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾   [التوبة: 119]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلَاةِ ﯶ﴾ [البقرة: 153].

وغيرُ ذلكَ مِنَ الآياتِ، ولو لم يَكُنْ لذلكَ مَقْصُودٌ ومفهومٌ؛ لَمَا ذُكِرَ بتلكَ الصِّيغَةِ.

.

.

.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: 

الحَمْدُ لله والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى رَسُولِ الله، وبَعْدُ:

هُنَاك الْعَدِيدُ مِنَ الأدلَّةِ على ضَرُورَةِ لُزُومِ جَمَاعةِ المُسْلِمينَ مِنْ كِتَابِ الله، وسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، ولَكِنِّي سأَذْكُرُ دليلًا واحدًا وأَخْتِمُ به لنُكْمِلَهُ في قابِلِ الأيامِ بإِذْنِ اللهِ تعالَى.

الدليلُ على وُجُوبِ لُزُومِ جماعةِ المسلمينَ مِنَ السُّنةِ:

أَخْرَجَ البخاريُّ ومسلمٌ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ حذيفةَ بنِ اليَمَانِ رضي الله عنه قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: ومَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، ويَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وتُنْكِرُ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، ويَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْـمُسْلِمِينَ وإِمَامَهُمْ»، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ ولَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، ولَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْـمَوْتُ وأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».

هذا الحديثُ حديثٌ عظيمٌ جَلِيلٌ كريمٌ، فيه مِنَ الفوائدِ المهِمَّةِ والأحكامِ الجَمَّةِ ما لو وعَيْنَاهَا وأَدْرَكْنَاهَا وفَهِمْنَا مقاصِدَها، وخُصُوصًا فيما يتعَلَّقُ بالجماعةِ والإمامةِ؛ لَسَلِمْنَا مِنْ شرورٍ كثيرةٍ، ومخاطرَ متنوعةٍ ومتعددةٍ، ولَكَانَ إدراكُنا وقناعَتُنا وإيمانُنا بذلك أَمْرًا يَقِفُ في وُجُوهِ الحاقِدِينَ والحاسِدِينَ، ولذلك اعْتَبَرَ بعضُ العلماءِ أنَّ هذا الحديثَ مِنْ دلائلِ نبوةِ نَبِيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

عبادَ اللهِ:

صَلُّوا وسَلِّمُوا على خَيْرِ عبادِ اللهِ، الرحمةِ المُهداةِ، والنِّعْمَةِ المُسْدَاةِ، محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وزِدْ وبارِكْ على نَبِيِّنا محمدٍ، وارْضَ اللهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين، وصَحابَتِه الغُرِّ المَيَامِينِ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أعداءَ الدِّينِ، اللهم اجْعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وسائِرَ بلادِ المسلمينَ.

اللهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنا، وأَصْلِحْ أئِمَّتَنا ووُلَاةَ أُمُورِنا، اللهُمَّ وفِّقْ وليَّ أَمْرِنا خَادِمَ الحرمينِ الشريفينِ سلمانَ بنَ عبدِ العزيزِ ووليَّ عَهْدِه الأمين بتَوْفِيقِكَ، واكْلَأْنَا وإيَّاهُمْ بِعِنَايَتِكَ ورعايتِكَ، وأَلْبِسْنا وإيَّاهُمْ ثَوْبَ الصِّحَّةِ والعافيةِ، وزِدْنا وإيَّاهُمْ عِزًّا ونَصْرًا وتمْكِينًا وقِيامًا بكِتَابِكَ وبسُنَّةِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم ، وما كَانَ عليه سَلَفُ هذه الأمةِ.

اللهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنا البَوَاسِلَ، ورِجَالَ أَمْنِنا دَاخِلَ البلادِ، وعلى الحدودِ والثُّغُورِ، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ ومَكِّنْ لهمُ، اللهُمَّ ثَبِّتْ قلوبَهُمْ، وارْبِطْ على جأشِهِمْ، واخْذُلْ عَدُوَّهُمْ، وزِدْهُمْ قُوَّةً وبصيرةً، واحْفَظْنَا وإيَّاهُمْ مِنْ بَيْنِ أيْدِينا ومِنْ خَلْفِنا، وعنْ أَيْمَانِنَا، وعَنْ شَمَائِلِنَا، ومِنْ فَوْقِنا، ونَعُوذُ بِكَ أنْ نُغْتَالَ وإيَّاهُمْ مِنْ تَحْتِنا.

اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشقاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشَمَاتَةِ الأعداءِ، وغَلَبَةِ الدَّيْنِ، وقَهْرِ الرجالِ.

اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ، والهَمِّ والحَزَنِ والكَسَلِ، اللهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ، لا يَهْدِي لِأَحْسَنِها إلَّا أنتَ، واصْرِفْ عنَّا سَيِّئَها، لا يَصْرِفُ عنَّا سَيِّئَها إلَّا أنتَ، اللهُمَّ زِدْنَا تَوْفِيقًا وعِلْمًا، وارْزُقْنَا الإخلاصَ والاحْتِسَابَ في القولِ والعَمَلِ، واحْفَظْ بِلادَنا، وأَدِمْ أَمْنَنَا، ورَغَدَ عَيْشِنا، واسْتِقْرَارَنا، وأَبْعِدْ عنَّا كلَّ حاسدٍ وحاقدٍ وفاسِدٍ. وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ على نَبِيِّنا محمدٍ.