الزنا

الشيخ عبدالسلام الشويعر

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ . «يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون»، «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً»، «يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ۝ يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم و ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما»

أما بعد عباد الله :

فقد ثبت في الصحيح أنه لما خسفت الشمس في عهد النبي ﷺ ثم خطب فقال: « يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرا ».

نعم عباد الله:

فما عُصي الله بعد الشرك بذنب هو أشنع ولا أغلظ من الزنا، ولا أقبح ولا أسوء من السِّفاح، ولذا غار سبحانه أن يزني عبدُه أو تزني أمتُه، ذلكم أن الزنا من أخبث وأنجس الذنوب، لأنه يفسد القلب ويضعف توحيده، ولذا فإن أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركا، وكلما كان العبد أعظم إخلاصاً لله كان منها أبعد.

في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن » .

إن للزنا خاصية عجيبة في إبعاد القلب عن الله، وإغفاله عنه، وإقصائه عن جنابه فإذا انصبغ القلب به بعد من الله، إذ الله طيب لا يقبل إلا طيبا.

عباد الله:

االزنا شؤم على صاحبه، وشؤم على أهل الزاني ومجتمعه: فما ظهر الزنا في قوم إلا كثرت فيهم الأمراض والأوجاع، وفشا فيهم الموت، وسلط الله عليهم العذاب؛ كما قال الصادق المصدوق ﷺ.

روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن ميمونة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ : « لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا فيوشك أن يعمهم الله بعذاب ».

وفي الموطأ أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ما ظهر الغُلول في قوم قط إلا أُلقي في قلوبهم الرعب، ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت).

وعند ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: « يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم ».

الزنا عباد الله:

من أكبر الموبقات، وأشد المهلكات، ومن أبغض الذنوب إلى الله رب البريات، مفقر لصاحبه، مهلك له، قاطع لذكره، مسود لوجهه، فاضح لما أَسَرَّه في الدنيا والآخرة، مظهر للفقر والمسكنة.

وفي الحديث: « إذا ظهر الزنا ظهر الفقر والمسكنة » [رواه البزار ٥٣٨٣].

ما جعل الله عز وجل في الدنيا عقوبة هي أشد ولا أنكى من عقوبة الزنا، فإن الزاني إن كان محصناً رُجِم بالحجارة حتى يموت من غير رحمة له ولا شفقة به، وإن كان غير محصن جلد مئة جلدة وغُرِّب عن بلده سنة، وزيادة في عذابه والنكال به أمر الله بعدم الرأفة بالزناة ولا الشفقة عليهم، بل وأمر بشهود عقوبتهم تشهيراً بهم ونكالا من الله وليس ذلك في غير الزنا؛ عقوبة لهم بنقيض فعلهم فحينما أسَرُّوا الذنب فضحهم الله.

قال سبحانه: «الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين».

ومن عقوبة الزاني في الدنيا قبل الآخرة أنه ليس كفؤا للمؤمنة المحصنة العفيفة قال سبحانه: «الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحُرِّم ذلك على المؤمنين».

فالزنا يُذهب حرمة فاعله، ويسقط شرفه.

الزاني لا يُستجاب دعاؤه، ولا يُرفع نداؤه؛ روى أحمد عن عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: « تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد هل من داع فيُستجاب له؟ هل من سائل فيُعطى؟، هل من مكروب فيُفرج عنه؟ فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها » .

والزنا سبب لسواد وجه الزاني وظلمته، وذهاب نوره وبهجته، وهو سبب ما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو للناظرين، ولا يخفى على المتوسمين.

ناهيك عن دوام الحزن، وفشو المرض، وفقر القلب، وقصر العمر، وعقوق الأبناء، وقطيعة الرحم، قبل ذلك وبعده وأعظم منه غضب الجبار جل وعلا.

ففي الصحيحين أن النبي ﷺ قال: « والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته ».

فشو الزنا مؤذن بقيام الساعة ودنو أجلها، قال ﷺ : « إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر ».

الزاني عباد الله يُعذب في قبره قبل البعث يوم القيامة أشد العذاب وأنكله ففي صحيح البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: « رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة » فذكر الحديث إلى أن قال: « فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته ناراً فإذا فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا أخمدت رجعوا فيها ». ثم قال : « أما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني » .

وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: « بينا أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلاً وعرا فقالا اصعد فقلتُ إني لا أطيقه فقالا إنا سنسهله لك فصعدت قال: ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم أشد شيء انتفاخا وأنتنه ريحا كأن ريحهم المراحيض، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون ) .

هذا ما يعذبون به قبل قيام الساعة.

وأما عذابهم يوم القيامة فأسوأ العذاب، وأشنعه وأقبحه؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ، ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم، وذكر منهم شيخاً زانيا ».

الزاني عباد الله, متوعد بعدم دخول الجنة روى أهل السنن عن أبي هريرة قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: « أيما امرأة أدخلت على قوم رجلا ليس منهم فليست من الله في شيء، ولا يدخلها الله جنته ».

ولو لم يكف للدلالة على شدة عذاب الزناة إلا أن أهل النار يتأذون بعذاب الزناة ونتن ريحهم لكفى؛ قال ﷺ : « إن ريح فروج أهل الزنا ليؤذي أهل النار ».

وعن مكحول رفعه قال: « تروح أهل النار برائحة فيقولون: ربنا ما وجدنا ريحاً منذ دخلنا النار أنتن من هذه الرائحة، فيقال: هذه رائحة فروج الزناة ».

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ..

.

.

.

الخطبة الثانية:

عباد الله! يقول الله تعالى: « ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ».

لقد نهى اللهُ عز وجل عن كل أنواع الزنا سرا وجهراً، وسواء كان احترافا أم مجرد نزوة، من مسلمة أو غيرها، كما نهى عن الخطوات التي تسبقه وتؤدي إليه من نحو المخادنة والمصادقة وقد سوى الله في ذلك بين الرجال والنساء فقال جل وعلا: « غير مسافحين ولا متخذي أخدان »، وقال: « غير مسافحات ولا متخذات أخدان » .

كما حرم الله النظرَ المحرم، والخلوة بالأجنبية، وحرم تَجَمُّلَ المرأةَ وتعطَّرها أمام الرجال الأجانب، فثبت عنه ﷺ أنه قال: « أيما امرأة استعطرت فمَرَّتْ على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية » .

وعن عقبة بن عامر أن رسول الله ﷺ قال: « إياكم والدخول على النساء » . فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: « الحمو الموت ».

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: « والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما »

ويقول الله عز وجل: « والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يُصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين » .