كتاب الله هداية الله للعالمين

الشيخ صالح الأطرم

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده - سبحانه - إله الأولين الآخرين، وأشكره فهو المتفضِّل والمُنعِم بنِعم عظيمة أجلها نعمة الإسلام على المسلمين، الذين ينتفعون بوعْظه، ويعتبرون بزجره، ويهتدون بهديه، ويأتمرون بأمره، وينتهون بنهيه، ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [النور: 34]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي أعدَّ الجنة للمتقين، وأعدَّ النار بمقتضى عدله وحكمته للعاصين.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي أُنزِل عليه القرآن العظيم ﴿ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [البقرة: 232]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه الذين عظَّموا القرآن بحفظه وتلاوته والعمل به حقَّ التعظيم، فما قدَّموا عليه غيره، ولم يهتموا بسواه، حتى أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكتبوها؛ مخافة أن تَشتَبِه بالقرآن.

أما بعد:

فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وعظِّموا كتاب ربكم حفظًا وتلاوة وعملاً واستماعًا، كبارًا وصغارًا، واحذروا من انعكاس الأمر من أن تَشتغِلوا بتعظيم غيره، من قراءة مقالة، أو صحيفة أو مجلة، أو قَصص ومسرحيات، وسماع الأغاني والمغنيات بطريقة التسجيل والإذاعات، وهذه ظاهرة خطيرة كأنه لا يَقرأ القرآنَ إلا الصغارُ، ولا يهتم به إلا الضعفاءُ، وهذا أكبر خطر يُهدِّدنا، إذا استغنى التجار بتجارتهم، وأهل الجاه بجاههم، وأصحاب الأشغال بأشغالهم، وكأن الآخرة ليست بشُغل، وليست بتجارة أو جاه، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يَخطُب إلا أن يقرأ آية أو سورة، وكان من أكثر ما يقرأ سورة (ق) كما روت أم هشام بنت حارثة - رضي الله عنها - قالت: (وما أخذت (ق) إلا على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر، كان يقرؤها كل جمعة على المنبر يَخطُب بها كل جمعة).

والمقصود - أيها المسلمون - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ هذه السورة في المجتمعات الكبار كالعيدينِ والجمعة؛ لما تَشتمِل عليه من المعاني العظيمة، والمواعظ الكثيرة؛ كتعظيم القرآن الكريم، والكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وفي هذه السورة التنبيه على كُفْر من أنكر رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى من أنكر البعث، وفيها التنبيه على عِلم الله الواسع، وعلى قُدرته الكاملة لخلْق السموات والأرض، والماء والجبال والنبات من كل زوج بهيج، وعلى قدرته بإهلاك العاصين المكذبين بالرسل، وأن الخلق الثاني ليس بأعظم من الخلْق الأول.

وفيها التنبيه على أنه الذي خلق الإنسان فهو يعلم ما تُوسِوس به نفسه، ويُحصي كل ما ينطق ويعمل به.

وفيها بيان حالة الإنسان وقت نزول الموت وسكراته، وأنه لا مفرَّ حينئذٍ إلا إلى الله تعالى.

وفيها بيان نشْر صحيفة الإنسان أمامه يوم القيامة، والحكم بجهنم على مَن حاد عن هذه الشريعة، وأنه لا تنفعه الحيلة ولا الاعتذار ولا الخصومة والمحامون حينما تقرَّب جهنم أو الجنة.

وفيها بيان أن الله تعالى أهلك قرونًا كثيرة قد بلغوا في القوة ما بلغوا، فما أعجَزوا اللهَ - عز وجل - وما فاتوه.

وفيها أن القرآن ذِكرى لأهل القلوب، وفيها أنه لا يُعجِزه شيء، فهو المستحق للتسبيح والتعظيم في الصباح والمساء، وبعد أداء الصلوات بين كل آونة وأخرى.

وفيها بيان نهاية هذا العالم، وهي الصيحة، فهو الذي يحيي ويميت وإليه المصير.

وفي ختام الآيات من هذه السورة أنه لا يتذكَّر بالقرآن إلا مَن يخاف وعيد الله تعالى ويرجو عفوه ورضاه، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وغذاء نفوسنا، ونور قبورنا يا رب العالمين.

أعوذ بالله من الشطيان الرجيم: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.