أعظم الأموال - مكر إيران والحوثيين

الشيخ سليمان الرحيلي

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم يا عباد الله:

يجتهد الناس في تحصيل الأموال وجمعها، ويتعبون أنفسهم في هذا، ولا بأس بجمع المال - يا عباد الله -

إذا سلم من خصال ثلاث:

الأولى: أن يسلم من الإلهاء عن الآخرة، فإن ألهى صاحبه عن الآخرة، وجعله يغفل عما خلق من أجله، وقدم جمع المال على إرضاء الله عز وجل، كان وبالاً على صاحبه وخسرانا مبينا، وكان صاحبه داخلاً في زمرة الذين قال الله فيهم: «ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر» [التكاثر : ۱-۲]

والثانية: أن يسلم من الأخذ من الحرام أو الوضع في الحرام، فإن لم يسلم منهما كان وبالاً وخسرانا مبينا، فإن العبد سيسأل بين يدي الله عز وجل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه .

وهذه الخصلة - يا عباد الله - قَلَّ من يسلم منها، لأن فتنة المال فتنة عظيمة، فلا يسلم منها إلا من جاهد نفسه جهادا عظيما، وراقب الله مراقبة شديدة، ولذا كان أكثر أهل الجنة الفقراء والمساكين.

والثالثة يا عباد الله: أن يسلم من تضييع حق الله فيه، فإن ضيع صاحبه حق الله فيه - فلم ينفق النفقة الواجبة منه ولم يزكه - كان وبالاً على صاحبه وخسرانا مبينا، وعُذِّب به في الدنيا والآخرة.

فإن سلم جمع المال من هذه الخصال الثلاث كان حلالاً جائزا، فإن جعله صاحبه مطية لإرضاء الله

- عز وجل - فأنفقه في ما يحب الله - عز وجل - كان خيرا له، كما قال النبي ﷺ: «نعم المال الصالح مع الرجل الصالح»

لكن - يا عباد الله - ما هو أفضل مال يتخذه المؤمن؟ وما هو أغلى الكنوز التي يكنزها المؤمن؟

أهو الذهب؟

أم هو الفضة؟

أم هو المواشي؟

أم هو الزروع؟

أم هو العقارات؟

أم أن هناك كنوزا أعظم وأموالاً أعلى وأغلى من تلك الأموال، يوصى المؤمن بأن يجتهد في اتخاذها وأن يعمل على اكتسابها؟

أجاب عن هذا السؤال رسولنا وحبيبنا وقرة أعيننا ﷺ حيث سُئل : ما الذي تتخذه من المال؟ فقال ﷺ: «ليتخذ أحدكم لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر الآخرة».

الله أكبر يا عباد الله! هذه الثلاث أغلى الكنوز، وأعظم الكنوز، وأعظم ما يتخذه المؤمن، أعظم من الذهب ومن الفضة ومن سائر الأموال، بوصية رسول الله ﷺ

«ليتخذ أحدكم لسانا ذاكرا»: فأعظم الكنوز أن يتخذ العبد لسانا يذكر الله عز وجل به، ومن اتحذ لسانا ذاكرا كان من أغنى الناس، وكان من أسعد الناس .

وكيف لا يكون كذلك وذكر الله عز وجل من أعظم أنواع العبادة؟ وقد أخبرنا نبينا ﷺ أن ربنا عز وجل قال:

«یا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى»، فالعبد إذا تفرغ لعبادة الله عز وجل ملأ الله عز وجل صدره غنى.

وكيف لا يكون ذلك كذلك وذكر الله تطمئن به القلوب؟ وما السعادة إلا اطمئنان القلب، «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» [الرعد: ۲۸]۔

وكيف لا يكون ذلك كذلك والله ما يكون مع الذي يذكره، ويذكر من يذكره بأعظم من ذكره له؟ أخبرنا حبيبنا ونبينا - أن ربنا عز وجل قال: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم».

فذكر الله عز وجل من خير الأعمال وأزكاها، واللسان الذاكر لله عز وجل من خير الكنوز وأغلاها، يقول النبي ﷺ : «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم»، وفي رواية: «وأرضاها عند مليككم»، «وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» فقالوا: بلى، فقال ﷺ: «ذکر الله».

وقد فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ذلك، يقول معاذ رضي الله عنه : ما من شيء أنجى ن عذاب الله من ذكر الله عز وجل.

وسئل النبي ﷺ: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال : «أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله».

«ليتخذ أحدكم لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا»: من أغلى الكنوز وأعظم الكنوز أن يكون قلب المؤمن

شاكرا إحسان المحسنين، وأعظم الشكر شكر الله عز وجل، وقد قرن الله بين ذكره وشكره، فقال سبحانه: «فاذكروني أذكركم وأشكروا لي ولا تكفرون» [البقرة: ١٥٢].

وشكر المحسنين من الناس من شكر الله عز وجل، يقول النبي ﷺ : «من لم يشكر الناس لم يشكر الله».

والشكر أجلُّه وأعظمه يكون في القلب، ثم يظهر على الجوارح واللسان، كما قال الله عز وجل: «اعملوا

آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور» [سبأ:۱۳].

ولما قام النبي ﷺ حتى تفطرت قدماه، فقيل له في ذلك، قال: «أفلا أكون عبدا شكورا؟».

وقال النبي ﷺ : «إذا أعطي أحدكم عطاء فوجد فليَجزِ به، فإن لم يجد فليثن به، فإن من أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره».

والشكر - يا عباد الله - سبب للسعادة والغنى، وكيف لا يكون كذلك وهو سبب للمزيد من النعم، وسبب لمحبة الخلق لمن يشكر على النعم؟ «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم» [إبراهيم:7].

والعبد الموفق -يا عباد الله - يتخذ قلبا شاكرا، ويظهر شكره في لسانه وجوارحه، فالعبد الموفق في أيامه - يا عباد الله - إما أن يكون صائما صابرا عن المفطرات صابرا على الحر من أجل إرضاء الله عز وجل، وإما أن يكون مفطرا شاكرا لله عز وجل أن أطعمه وأن سقاه، فيؤجر على صيامه ويؤجر على فطره، كما قال النبي ﷺ: «الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر»، أي أن من أفطر فأكل أو شرب، وشكر الله على هذه النعمة، يؤجر كما يؤجر الصائم الصابر عن المفطرات.

فالمؤمن يحرص على أن يتخذ قلبا شاكرا.

«ليتخذ أحدكم لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر الآخرة»: الزواج -يا عباد الله- في ديننا ليس عادة، وإنما هو من الدين، كما قال النبي ﷺ : «النكاح من سنتي»، بل جعله النبي ﷺ في أعلى المقامات من الدين، فقال : «إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الباقي»، فجعل النبي ﷺ الزواج نصف الدين، وهذه منزلة عظمى للزواج.

وخير ما يتخذه المؤمن من كنوز الدنيا الزوجة الصالحة، فإن الزوجة الصالحة تعين العبد على أمور الآخرة، وتجعله ممن يتقربون إلى الله، وهي في نفس الوقت من خير متاع الدنيا، يقول النبي ﷺ: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة»، وهي من أسباب السعادة، يقول النبي ﷺ: «من السعادة الزوجة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح».

والبيت - يا عباد الله - إذا بني على التعاون على أمور الآخرة كان بيتا مرحوما يرحمه الله عز وجل ، وكيف لا يكون ذلك كذلك وقد دعا له رسول اللہ ﷺ بالرحمة؟ يقول النبي ﷺ : «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى ثم أيقظ امرأته فصلت، فإن هي أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فصلى، فإن هو أبي نضحت في وجهه الماء»، فالبيت الذي يقوم على الصلاح ويتعاون أهله على أمور الآخرة بيت تنزل عليه الرحمات من الله عز وجل، بدعوات رسول الله ﷺ.

فيا أيتها المرأة: احرصي على أن تكوني زوجة مؤمنة، على أن تكوني زوجة صالحة، أطيعي الله عز وجل وقومي بحق زوجك، لتكوني من السعداء في الدنيا والفائزين في الآخرة، ويا أيها الزوج، يا أيها الزوج: إذا رزقك الله زوجة مؤمنة فكن خيرا منها، وأعنها على دينها، واشكر لها خيرها، فإنها خير وبركة في بيتك، وتغاض عن أخطائها، فإن المرأة مهما كانت لا بد لها من أخطاء.

فيا عباد الله، ليتخذ أحدكم لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة، لعلكم تفلحون.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

.

.

.

الخطبة الثانية:

[ بيان من الشيخ حول نصرة الملك سلمان بن عبد العزيز للمسجد الأقصى وحول إرسال الحوثيين صاروخا تجاه مكة المكرمة]

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فيا عباد الله:

تشتغل المملكة العربية السعودية في هذه الأيام بمصالح المسلمين العظمى، ففي الأيام السابقة اشتغلت المملكة العربية السعودية بموضوع المسجد الأقصى، واشتغل ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله عز وجل وزاده توفيقا - بهذه القضية، وتواصل مع زعماء العالم، وضغط هنا، وضغط هناك، حتى فرج الله عز وجل الكربة نصرة للمسجد الأقصى، وهذا فضل الله عز وجل العظيم، ثم بفضل الرجال المخلصين، ودعاء المؤمنين.

كما أن المملكة العربية السعودية بحكموتها وشعبها والمقيمين الطيبين فيها تشتغل هذه الأيام بخدمة ضيوف الرحمن، وكيف يسهل للحجاج حجهم، ويبذل في ذلك أموال عظيمة وأوقات نفيسة.

وكل هذا - يا عباد الله - دليل من آلاف الأدلة على أن المملكة العربية السعودية بلد المسلمين كافة، تحب المسلمين وتسعى في مصالحهم، وأنها من أعظم نعم الله عز وجل على المؤمنين، وأنه يجب على المسلمين كافة شكر هذه النعمة، والعمل على حفظها، والعمل على تقويتها.

نعم -يا عباد الله - فينا نقص، وفي ولاة أمورنا نقص، وفي أحوالنا نقص، فنحن أبناء زماننا، لكن بحمد الله هذا البلد بحكومته، بولاة أمره، بشعبه، بالمقيمين فيه، من خير البلدان على وجه الأرض، فعلينا -عباد الله- أن نشكر الله على النعمة وأن نسعى على إزالة التقصير في أنفسنا، وعلى النصح بالطرق المشروعة إن رأينا نقصا هنا أو هناك.

وفي نفس الوقت يا عباد الله، في نفس الوقت حيث قدم أوائل الحجاج إلى مكة والمدينة، ينتهك الحوثيون -أذناب إيران وحلفائها- ينتهك الحوثيون الشهر الحرام ويرسلون البارحة صاروخا بالستيا باتجاه مكة، ووفق الله من القوات المسلحة الجوية على التصدي لهذا الصاروخ فوق محافظة الطائف.

وهذا يا عباد الله- دليل من آلاف الأدلة على أن إيران وحلفاءها في اليمن وفي غير اليمن تكره المسلمين، وتسعى لأذيتهم في كل مكان، حتى في البلد الحرام في الشهر الحرام، حتى لحجاج بيت الله الحرام، فإن المعلوم - يا عباد الله - أن الحوثيين لا يملكون هذه الصواريخ، ولا يستطيعون امتلاكها إلا من طريق إيران التي تمدهم بهذه الأسلحة.

فعلى كل مسلم أن يعلم خبث هذه الدولة، وأنها وإن تباكت مع حلفائها كحزب الشيطان المسمى زورا وكذبا بـ( حزب الله)، وإن تباكت على قضايا المسلمين، فإنها في أعمالها إنما تسعى في أذية المؤمنين، لأنها تعتقد أن المسلمين السنة أكفر من على وجه الأرض، وأنه لا ينبغي أن يبقى أحد منهم.

فعلى المؤمن أن يتقرب إلى الله عل ببغض هؤلاء، ونشر مفاسدهم، والإنكار على من يدافع عنهم، نسأل الله عز وجل أن يظهر الحق ويعلي كلمة أهله، وأن يخزي الباطل ويكسر راية أهله.

ثم اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن الله عز وجل أمرنا بأمر عظيم شريف، بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته، فقال -عز من قائل-: «إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلمو تسليما» [الأحزاب: 56].

وقال النبي ﷺ: «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا».

فاللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ...