الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد:
عباد الله:
إن مقام الزكاة في الإسلام مقام عظيم، ونفعها للمجتمع نفع عميم، وهي ثالث أركان الإسلام، وقرينة الصلاة في كتاب الله الهادي إلى سبل السلام، قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين}.
فرضها الله عز وجل في أموال الأغنياء، تعبدا لله ومواساة للفقراء، وتقوية لرباط المحبة والإخاء، وإرساء لدعائم المجتمع المسلم، ليعين القادر العاجز، ويحنو الغني على الفقير، فتطفأ الأحقاد والعداوات، وتقل الجرائم والسرقات، وتأمن البلاد، ويسعد العباد.
والزكاة عباد الله، تطهر المال وتزكيه، وتزيده بركة وتنميه، فقد قال ﷺ: ((ما نقصت صدقة من مال)).
وهي تزكي أخلاق المسلم من الشح والبخل، فتنتشله من زمرة البخلاء، وتدخله في زمرة الكرماء، هي تطفئ الخطيئة، وتدفع مصارع السوء، وتطفئ غضب الرب ﷻ، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر))، وعن معاذ رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: ((الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)).
وهي سبب لدفع البليات ونزول الخيرات، ففي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: ((ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا)).
عباد الله، ومن أعظم فوائد الزكاة أنها تكمل إسلام العبد وتلحقه بالمؤمن الكامل، فهي برهان على الإيمان، وعلامة على حب الخير والإحسان، إذ يقول النبي ﷺ: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه -أو قال لجاره- ما يحب لنفسه)).
وأهل الزكاة الباذلون لها المتقون الله فيها، يدخلون الجنة ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتو الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يخطب في حجة الوداع فقال: ((اتقوا الله ربكم وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم)).
عباد الله، وكما وعد الله أهل الزكاة خيرا في آيات القرآن، فقد توعد أهل البخل المانعين لها بالنيران، قال سبحانه: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بن هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير}.
وتوعد الذين يكنزون الأموال، ولا ينفقونها في سبيل الله، بأن تكون نكالا ووبالا عليهم يوم القيامة، فقال عز من قائل: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ((من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته، مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلِهْزِمَتَيْهِ –يعنى بشذقيه وخديه- ثم يقول أنا مالك أنا كنزك، ثم تلى {ولا يحسبن الذين يبخلون})) الآية.
عباد الله، هذه بعض عقوبات مانع الزكاة في الآخرة، وأما في الدنيا فإنها تؤخذ منه رغما عنه من ولي الأمر، فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ((من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها منه وشطر ماله))، وقال مرة ﷺ : ((عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منه شيء))، وقد قاتل أبو بكر رضي الله عنه مانعيها بعد وفاة النبي ﷺ وقال: ((والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعه)).
جعلني الله وإياكم من أهل التقى والصلاح، ويسر لنا سبل السعادة والفلاح.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
.
.
.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعملوا بطاعته ورضاه، فإنه من اتقى الله وقاه ونصره وكفاه.
عباد الله، إن الله جل وعلا قد ابتلى الأغنياء بغناهم ليشكروا، وابتلى الفقراء بفقرهم ليصبروا، {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون}، ولقد بين الشارع أحكام الزكاة في نصوص الوحيين، وفصلها أهل العلم في كتب الفقه والدين، فينبغي معرفة أحكامها لتؤدى على الوجه الشرعي الصحيح، ومن لم يستطع فعليه بسؤال العلماء، كما قال سبحانه {فاسألوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
والأموال التي تجب فيها الزكاة، هي الذهب والفضة والزروع والثمار، وعروض التجارة والسوائم من بهيمة الأنعام، والركاز.
وتجب الزكاة في هذه الأموال بشروط مخصوصة، ذكرها أهل العلم وتصرف لأصناف مخصوصين، اختصرها الله سبحانه في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}.
ألا وإن من شكر نعمة المال أداء زكاته، فإنه ما اشتكى الفقراء إلا بقدر ما قصر الأغنياء، فاتقوا الله تعالى، وأدوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم، واحذروا التهاون في دفعها لأهلها، وارجوا الله -عز وجل- أجرها وثوابها، وتعرضوا لنفحات ربكم الكريم، في هذا الموسم العظيم، نسأل الله أن يكتب لنا ولكم القبول في الدارين، والفوز بجنات النعيم يوم الدين.
اللهم ...
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم