الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمَدُه ونَشْكُرُه، ونَسْتَعِينُه ونَسْتَهْدِيهِ ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ به مِنْ شُرُورِ أنفُسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأَشْهَدُ أنَّ محمدًا عَبْدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحابَتِه، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٢ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾ [آل عمران: 102-103].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ٧٠ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
عِبَادَ اللهِ:
جَعَلَ اللهُ سبحانه وتعالى لَنَا فِيمَا مَضَى آيَةً وعِبْرَةً، وأَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَنْظُرَ ويَتَأَمَّلَ في أَحْوَالِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، وكَيْفَ أَنَّ اللهَ سبحانه وتعالى أَحَاطَ بِرَحْمَتِهِ وعِنَايَتِهِ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ والْإِيمَانِ، وأَنْزَلَ سَخَطَهُ وعِقَابَهُ عَلَى مَنْ كَذَّبَ مِنَ الْأُمَمِ.
وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ خَيْرُ دَاعٍ إِلَى اللهِ سبحانه وتعالى كَانَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ عَنْ سِيَرِ السَّابِقِينَ ومَصَائِرِهِمْ، ومَا آلَتْ إِلَيْهِ أَعْمَالُهُمْ؛ هَذِهِ الْأَعْمَالُ الَّتِي يُحْصِيهَا اللهُ عز وجل عَلَى عِبَادِهِ.
وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ دِرَاسَةَ سِيَرِ الْأَنْبِيَاءِ والْـمُرْسَلِينَ، والْأَئِمَّةِ الْـمُهْتَدِينَ والدُّعَاةِ الصَّالِحِينَ الصَّادِقِينَ الْـمُخْلِصِينَ، وقِرَاءَتَهَا، والتَّأَمُّلَ فِيهَا وبَيَانَ مَا قَامُوا بِهِ مِنْ جِهَادٍ، ومُجَاهَدَةٍ مُتَوَاصِلَيْنِ ودَعْوَةٍ لِلنَّاسِ مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ ورَفْعِ رَايَتِهِ، وإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ، وإِخْرَاجِ النَّاسِ مِنَ الظُّلْمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ اللهِ ونَبْذِ الْبِدَعِ والْخُرَافَاتِ والشِّرْكِيَّاتِ وتَطْبِيقِ شَرْعِ اللهِ وأَحْكَامِهِ وتَنْفِيذِ حُدُودِهِ وأَوَامِرِهِ؛ بَاذِلِينَ في سَبِيلِ ذَلِكَ النَّـفْسَ والْـمَالَ والْوَلَدَ مُرَخِّصِينَ الْغَالِيَ والنَّفِيسَ صَابِرِينَ مُحْتَسِبِينَ مُتَحَمِّلِينَ الْأَذَى والْعَنَتَ والصُّدُودَ لَهُ مِنَ الْفَوَائِدِ والثِّمَارِ وفِيهِ مِنَ الْعِبَرِ والْعِظَاتِ لِلْمُطَّلِعِ عَلَيْهَا، والنَّاظِرِ فِيهَا الشَّيْءُ الْكَثِيرُ؛ نُورِدُ مَا يُيَسِّرُ اللهُ لَنَا مِنْهَا:
أَولًا: زِيَادَةُ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ هَؤُلَاءِ كُلَّهَا أَسَاسُهَا الْإِيمَانُ ومَقْصُودُهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، ومَا قَامُوا بِهِ الدَّعْوَةُ إِلَى الْإِيمَانِ الْخَالِصِ؛ فَقَاعِدَتُهُمْ هِيَ الْإِيمَانُ، وسَبِيلُ تَحْقِيقِ غَايَتِهِمْ هُوَ الْإِيمَانُ وهَدَفُهُمْ إِخْرَاجُ النَّاسِ مِنْ ظُلُمَاتِ الشِّرْكِ والْـمَعَاصِي إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ، ومِنَ الضَّلَالِ إِلَى الْهُدَى، ومِنَ الْجَهْلِ إِلَى الْعِلْمِ، ومِنْ سَبِيلِ الْـمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ والضَّالِّينَ إِلَى سَبِيلِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والصِّدِّيقِينَ والصَّالِحِينَ والشُّهَدَاءِ، وحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا؛ مُنْطَلِقِينِ في ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وسُنَّةِ رَسُولِهِ قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس:62، 63] وقَالَ: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة: 257].
ثَانِيًا: الْقُدْوةُ الْـحَسَنَةُ، قَـالَ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
والرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وغَيْرُهُ مِنَ الرُّسُلِ كَانُوا قُدْوَةً في أَقْوَالِهِمْ، وأَعْمَالِهِمْ، وآدَابِهِمْ، وأَخْلَاقِهِمْ، ومُعَامَلَاتِهِمْ، وتَعَامُلَاتِهِمْ، وجَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ وكَذَلِكَ مَنْ نَهَجَ نَهْجَهُمْ، واقْتَفَى أَثَرَهُمْ وسَارَ عَلَى دَرْبِهِمْ، ودَعَا بِدَعْوَتِهِمْ، وتَتَبَّعَ سِيَرَهُمْ؛ ضَرَبُوا أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ، وسَطَّرُوا أَعْظَمَ الشَّوَاهِدِ، وأَقْوَى الْـحُجَجِ، وأَوْضَحَ الْبَرَاهِينِ عَلَى فَضْلِ الْقُدْوَةِ وأَهَمِّيَّتِهَا وأَثَرِهَا الْوَاضِحِ في جَلْبِ النَّاسِ، والْوُصُولِ إِلَى أَعْمَاقِهِمْ، وكَسْبِ قُلُوبِهِمْ وتَأْلِيفِهِمْ، وجَمْعِهِمْ عَلَى الْخَيْرِ والصَّلَاحِ، وتَعَاوُنِهِمْ عَلَى الْبَرِّ والتَّقْوَى.
وَالتَّارِيخُ الْإِسْلَامِيُّ مَلِيءٌ بِالْـمِئَاتِ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ شَرَوْا أَنْفُسَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ عز وجل، وظَلُّوا يُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ؛ لِإِعْلَاءِ رَايَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وصَدَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِين قَالَ: «ليبلغَنَّ هَذَا الْأَمْـرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ والنَّهَارُ»، رَغْمَ كَيْدِ الْكَائِدِينَ، وتَدْبِيرِ الْـمُجْرِمِينَ؛ فَاللهُ نَاصِرُ رُسُلِهِ والَّذِينَ آمَنُوا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
ثَالِثًا: الِاعْتِبَارُ بِمَا جَرَى لِمَنْ آذَاهُمْ وخَالَفَهُمْ: مِنْ أَصْحَابِ الشِّرْكِ والْبِدَعِ مِنَ الْخُذْلَانِ والذُّلِّ والْهَوَانِ، وبِمَا حَقَّقَ اللهُ لَهُمْ مِنَ الْـعِزَّةِ والنُّصْرَةِ والتَّمْكِينِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: 41]. وقَــالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد : 7].
رَابِعًا: الِاسْتِفَادَةُ مِنْ مَنْهَجِهِمُ الْقَوِيمِ، وطَرِيقِهِمُ السَّلِيمِ: الَّذِي مِنْ خِلَالِهِ اسْتَطَاعُوا أَنْ يَصِلُوا إِلَى قُلُوبِ النَّاسِ، ويَمْتَلِكُوا عُقُولَهُمْ، ويَكْسِبُوا مَحَبَّتَهُمْ، ويَتَأَثَّرُوا بِدَعْوَتِهِمْ؛ فَيَقِفُوا مَعَهُمْ، ويُنَاصِرُونَهُمْ، ويَتَعَاوَنُونَ مَعَهُمْ، ويُدَافِعُونَ عَنْهُمْ.
خَامِسًا: التَّعرُّفُ عَلَى مَا خَلَّفُوهُ مِنْ تُرَاثٍ عَظِيمٍ، وتَارِيخٍ قَوِيمٍ: ومَسِيرَةٍ حَمِيدَةٍ صَارَتْ مَضْرِبَ الْـمَثَل ومَحَطَّ النَّظَر، وعِبْرَةً لِمَنْ يَعْتَبِر؛ يُسْتَفَادُ مِنْهُ كَمَنْهَجِ حَيَاةٍ، وطَرِيقِ سَلَامَةٍ، وسَبِيلِ نَجَاةٍ وفَلَاحٍ وسَعَادَةٍ في الدُّنْيَا والْآخِرَةِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُ قَرْنٌ مِنَ الْقُرُونِ الَّتي كَثُرَتْ فِيهَا الْبِدَعُ والشِّرْكُ والْخُرَافَاتُ والِاسْتِعَانَةُ بِالْأَمْوَاتِ مِنْ عُلَمَاءَ رَبَّانِيِّينَ، ودُعَاةٍ مُصْلِحِينَ؛ يُجَدِّدُونَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا بِالدَّعْوَةِ والتَّعْلِيمِ والْقُدْوَةِ الْـحَسَنَةِ، ويَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الضَّالِّينَ، وانْتِحَالَ الْـمُبْطِلِينَ، وتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ؛ كَمَا يَقُومُونَ بِرَدِّ الشُّبَهِ، وقَمْعِ الْـمُلْحِدِينَ، وتَأْيِيدِ شَرِيعَةِ سَيِّدِ الْـمُرْسَلِينَ؛ وذلك مِصْدَاقًا لِمَا ورَدَ في الْـحَدِيثِ الَّذي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِئَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرَ دِينِها».
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ.
.
.
.
الخطبة الثانية:
الْـحَمْدُ لِلَّـهِ والصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وبَعْدُ:
مِنَ النَّمَاذِجِ الْـمُشَرِّفَةِ الَّتي يَجِبُ أَنْ نَتَعَلَّمَ مِنْهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رحمه الله، الَّذي كَانَ سَيْفًا مُسَلَّطًا عَلَى رِقَابِ أَعْدَاءِ الدِّينِ مِنَ الْيَهُودِ والنَّصَارَى وغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الدِّيَانَاتِ الْأُخْرَى؛ فَكَمْ كَانَتْ لَهُ مِنْ مُنَاظَرَاتٍ ومُسَاجَلَاتٍ يَدْعُو فِيهَا إِلَى الْـحَقِّ، ويَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَى كُلِّ هَؤُلَاءِ بِالْـحُجَّةِ الدَّامِغَةِ، والْبُرْهَانِ السَّاطِعِ.
إِنَّنَا حِينَ نَتَأَمَّلُ كُتُبَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ نَجِدُهُ يُؤَسِّسُ لِلتَّوْحِيدِ الَّذي لَا شَائِبَةَ فِيهِ ، كَمَا أَنَّهُ يَدْحَضُ أَبَاطِيلَ أَعْدَاءِ الدِّينِ؛ فَتَارَةً يُنَاظِرُ الْيَهُودَ ويَنْسِفُ عَقَائِدَهُمْ، وتَارَةً يُحَاجِجُ النَّصَارَى، ويُقِيمُ عَلَيْهِمُ الْـحُجَجَ الَّتِي لَا سَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِهَا أَوْ التَّغَاضِي عَنْهَا، كَذَلِكَ كَانَ يَقِفُ بِالْـمِرْصَادِ لِأَصْحَابِ الْبِدَعِ والشِّرْكِيَّاتِ مِنْ أَتْبَاعِ الْـمَذَاهِبِ الْـمُنْحَرِفَةِ والطُّرُقِ الضَّالَّةِ؛ كَالصُّوفِيَّةِ، وأَتْبَاعِهِمْ؛ كُلُّ ذَلِكَ إِضَافَةً إِلَى مُنَاظَرَاتِهِ الْعَدِيدَةِ مَعَ الزَّنَادِقَةِ، والْـمَلَاحِدَةِ، وأَصْحَابِ عِلْمِ الْكَلَامِ؛ كَالْـمُعْتَزِلَةِ، والْجَهْمِيَّةِ وغَيْرِهِمْ.
فَقَدْ أَعَزَّ اللهُ سبحانه وتعالى بِهِ الدِّينَ وأَقَامَ صَرْحَهُ الْـمَتِينَ، ولَا زَالَ عِلْمُهُ قَائِمًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ يَنْهَلُ مِنْهُ الْـمُسْلِمُونَ في شَتَّى بِقَاعِ الْأَرْضِ؛ لِيَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سبحانه وتعالى أَعْلَى ذِكْرَ مَنْ أَخْلَصَ في الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَاللهُمَّ ارْضَ عَنْهُ، واحْشُرْهُ في زُمْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والصَّدِيقَيْنِ والشُّهَدَاءِ والصَّالِحِينَ، وحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.
وَإِذَا كَانَ اللهُ سبحانه وتعالى قَدْ أَيَّدَ دِينَهُ بِهَذَا الْعَالِمِ الْجَلِيلِ في الْقَرْنِ السَّابِعِ الْهِجْرِيِّ؛ فَإِنَّ اللهَ عز وجل امْتَنَّ عَلَيْنَا في هَذَا الْعَصْرِ الْـحَدِيثِ بِالْعَالِمِ الْـمُجَدِّدِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالْوَهَّابِ.
لَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ رحمه الله مِنْ أُولَئِكَ الْعُدُولِ الْـمُجَدِّدِينَ، والْـمُصْلِحِينَ الْـمُخْلِصِينَ الَّذِينَ كَانَ لَهُم الْفَضْلُ بَعْدَ اللهِ في تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ في هَذِهِ الْبِلَادِ الْـمُبَارَكَةِ، ونَشْرِ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ الْـمُسْتَمَدِّ مِنَ الْـمَنْبَعَيْنِ الصَّافِيَيْنِ والْـمَصْدَرَيْنِ الْأَصْلِيَّيْنِ لِهَذَا الدِّينِ؛ كِتَابِ اللهِ، وسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى عَادَتْ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ ومَبَادِئُ الدِّينِ الْـحَنِيفِ غَضَّةً نَدِيَّةً يَتَفَيَّأُ ظِلَالَهَا، ويَعْمَلُ بِهَا كُلُّ مَنْ عَاشَ في هَذِهِ الْبِلَادِ، أَوْ وطِئَتْ أَقْدَامُهُ أَرْضَهَا.
عِبَادَ اللهِ.. صَلُّوا وسَلِّمُوا على خَيْرِ عبادِ اللهِ، الرحمةِ المُهداةِ، والنِّعْمَةِ المُسْدَاةِ، محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وزِدْ وبارِكْ على نَبِيِّنا محمدٍ، وارْضَ اللهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين، وصَحابَتِه الغُرِّ المَيَامِينِ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أعداءَ الدِّينِ، اللهم اجْعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وسائِرَ بلادِ المسلمينَ.
اللهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنا، وأَصْلِحْ أئِمَّتَنا ووُلَاةَ أُمُورِنا، اللهُمَّ وفِّقْ وليَّ أَمْرِنا خَادِمَ الحرمينِ الشـريفينِ سلمانَ بنَ عبدِ العزيزِ ووليَّ عَهْدِه
الأمين بتَوْفِيقِكَ، واكْلَأْنَا وإيَّاهُمْ بِعِنَايَتِكَ ورعايتِكَ، وأَلْبِسْنا وإيَّاهُمْ ثَوْبَ الصِّحَّةِ والعافيةِ، وزِدْنا وإيَّاهُمْ عِزًّا ونَصْرًا وتمْكِينًا وقِيامًا بكِتَابِكَ وبسُنَّةِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم ، وما كَانَ عليه سَلَفُ هذه الأمةِ. اللهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنا البَوَاسِلَ، ورِجَالَ أَمْنِنا دَاخِلَ البلادِ، وعلى الحدودِ والثُّغُورِ، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ ومَكِّنْ لهمُ، اللهُمَّ ثَبِّتْ قلوبَهُمْ، وارْبِطْ على جأشِهِمْ، واخْذُلْ عَدُوَّهُمْ، وزِدْهُمْ قُوَّةً وبصيرةً، واحْفَظْنَا وإيَّاهُمْ مِنْ بَيْنِ أيْدِينا ومِنْ خَلْفِنا، وعنْ أَيْمَانِنَا، وعَنْ شَمَائِلِنَا، ومِنْ فَوْقِنا، ونَعُوذُ بِكَ أنْ نُغْتَالَ وإيَّاهُمْ مِنْ تَحْتِنا. اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشقاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشَمَاتَةِ الأعداءِ، وغَلَبَةِ الدَّيْنِ، وقَهْرِ الرجالِ. اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ، والهَمِّ والحَزَنِ والكَسَلِ، اللهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ، لا يَهْدِي لِأَحْسَنِها إلَّا أنتَ، واصْرِفْ عنَّا سَيِّئَها، لا يَصْرِفُ عنَّا سَيِّئَها إلَّا أنتَ، اللهُمَّ زِدْنَا تَوْفِيقًا وعِلْمًا، وارْزُقْنَا الإخلاصَ والاحْتِسَابَ في القولِ والعَمَلِ، واحْفَظْ بِلادَنا، وأَدِمْ أَمْنَنَا، ورَغَدَ عَيْشِنا، واسْتِقْرَارَنا، وأَبْعِدْ عنَّا كلَّ حاسدٍ وحاقدٍ وفاسِدٍ.
وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.