الحمد لله الذي جعل لنا مواسم خيرٍ وبركة تعود وتتكرَّر علينا في الأسبوع والسَّنة، أحمده - سبحانه - أن جعل لنا في أعيادنا فرحًا وسرورًا، وعبادة يُثيبنا عليها إنه كان غفورًا شكورًا، فاشكروه على إنعامه وإفضاله؛ فقد شرَع لنا من الأعياد ما يُغنينا عن أعياد الجاهلية والمخالفين لديننا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُثيب بفضله، ويُعاقب بعدله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وأمينه على وحيه، جعل الله تعالى لنا كل خيرٍ وسعادة في شِرْعته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه المتمسِّكين بسُنَّته والمبغضين لمجتنبيها ومخالفيها تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى ﴿ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ [الحديد: 28]، فأمرُ الله تعالى بالتقوى في هذه الآية موجَّهٌ للمؤمنين، كما أمرهم بالاستمرار على الإيمان بالله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ثم وعدهم بما تَقَر بها أعينهم وتستبشِر بها نفوسهم دنيا وأخرى بقوله: ﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ ﴾ [الحديد: 28]؛ أي: نصيبين من رحمته؛ بسبب إيمانكم بمن قبله من الرسل - عليهم الصلاة والسلام - ثم وعدنا الله تعالى بنور نمشي به على الصراط؛ كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ﴾ [التحريم: 8]، ومعلوم أن النور على الصراط لا يحصل إلا بعد النور الحاصل من العِلم بشرع الله تعالى والعمل به، فهو السبيل الواضح الذي يهتدى به؛ كما قال تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16]، وقال: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [إبراهيم: 1]، وغاية المؤمن المطلوبة أن يغفر الله تعالى له ذنوبَه، والله تعالى قد وعده: ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].
أيها المسلمون:
لا بد أن يتميَّز المسلم في عقيدته، والأعمال هي التي تُميِّز الشخص؛ لأنها تُبرِز ما في الضمير، فغير المسلمين لا يؤمنون بالله تعالى ولا برسوله -صلى الله عليه وسلم- فديانتهم كيف شاؤوا؛ لأنهم في كتبهم غيَّروا وبدَّلوا وحرَّفوا، وبرسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يؤمنوا، فبينكم وبينهم الفرْق العظيم في هذه العقيدة، فالمسلم الصحيح هو المُعترِف بعبادة الله وحده لا شريك له، وغير المسلمين عبَدوا مع الله غيرَه، فالنصارى عبدوا عيسى وأمَّه، وهما بريئانِ من أن يرضيا بذلك؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 116]، واليهود قالوا: عزير ابن الله؛ فهم يضاهئون قول الذين كفروا، ولا تُحصى طرق ديانات غير المسلمين والمبتدعين، وأهل البدع ممن يدَّعي الإسلام في بِدَعهم، ألاَ وإن من أعمال النصارى كثرةَ الأعياد، وشابَههم في ذلك كثير ممن يدَّعي الإسلام.
ولقد كنا - عباد الله - في هذا البلد الآمن المطمئن بسبب علمائنا وحكامنا مكتفين بعيدَي السنة: عيد الفطر وعيد الأضحى، وبيوم الجمعة في كل أسبوع؛ يجتمع المسلمون ليؤدوا فيه عبادة ربهم، ولكن هذه الأوقات التي كثرتْ فيها وسائل التنقلات والاتصال، واطَّلع العالم في أقطار الأرض بعضه على بعض، واستَقدَم المسلمون غير المسلمين؛ لأعمال خاصة تتطلَّبها الحياة، وسافر بعض المسلمين إلى غير المسلمين، أدى ذلك إلى ظهور أعمال نصرانيَّة بين المسلمين، ومسائل بِدعيَّة قد يغترُّ بها بعضُ المسلمين فيَظنُّها جائزة؛ مثل: الاحتفالات بالموالد؛ فإنها بدعة، ومثلها بِدعة إطفاء الشموع بمناسبة احتفال مولد الإنسان، ومنها ما هو متكرِّر كعيد رأس السَّنة، ومعلوم أن مِثْل هذه الاحتفالات لم توجد في القرون السابقة المفضَّلة، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، والذي أردت التحذير منه:
ألا يعتقد أحد من المسلمين جواز ذلك، وألا يعمل ما يعمل هؤلاء، ولنعلم أن من عمِل عمَلَ النصارى أو عمل المبتدعة، فهو مثلهم: ((مَن تشبَّه بقوم فهو منهم))، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾ [الأنعام: 68]، ولقد بلغنا أن بعض المسلمين قد يهنِّئ النصارى في عيد رأس السنة أو مشاركتهم في الاحتفال به، وهذا وُجِد بين الأفراد على وجه الخفية في بلادنا؛ لأنهم - ولله الحمد والمنة - قد مُنِعُوا من إظهار عاداتهم الفاسدة ودياناتهم؛ ولهذا لو ثبت تهنئتهم أو مشاركتهم من أحد المسلمين، لعُزِّر من قِبَل المسؤولين؛ لأنه شجَّعهم وخذل المسلمين؛ ولأنه خان ولاة الأمور الذين منعوا النصارى من إظهار دينهم وعاداتهم الفاسدة، فلا ندري ماذا يريد هذا الفرد المسلم بهذه المخالفات؟ هل أراد بها النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين؟
كلا، ولكنه التقليد الأعمى، وقد ورد في منْع وكراهة مشاركتهم أحاديثُ وآثارٌ عن الصحابة الذين هم قدوتنا وأسوتنا بعد نبيِّنا، وكل مَن اتبعه بإحسان ممن رضي الله عنه وأرضاه، قال البيهقي - رحمه الله -: "وفي هذه الكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصًا به"، وهذا عمر - رضي الله عنه - نهى عن لسانهم وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم، فكيف بمن يفعل بعض أفعالهم أو يفعل ما هو من مقتضيات دينهم؟ أليست موافقتهم في العمل أعظم من الموافقة في اللغة؟ أوَليس بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم؟ وإذا كان السَّخط يَنزِل عليهم يوم عيدهم بسبب عمَلِهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه، أليس قد عرَّض نفسه للعقوبة؟!
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم"، أليس هذا نهيًا عن لقائهم والاجتماع بهم فيه، فكيف بمن عمِل عيدهم؟ وأما عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - فصرَّح أنه من بنى ببلادهم وصنَع نيروزهم ومهرجانهم وتشبَّه بهم حتى يموت، حُشِر معهم، وقد فسَّر كثير من العلماء الزورَ في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72]: أنها الأعياد البِدعيَّة، والله تعالى يمتدح عباده بالصفات الحميدة، التي من جملتها ﴿ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾، وعقد بعض العلماء فصلاً، فقال: فصل: لا يجوز شهود أعياد اليهود والنصارى، وقال الخلال في جامعه: "باب كراهة خروج المسلمين في أعياد المشركين"، فاتقوا الله عباد الله، واحذروا مشابَهةَ الضالين، واتبعوا سُنَّة نبيكم، تُفلِحوا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 31، 32].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.