إنَّ الحمدَ للهِ، نحمَدُه ونَشْكُرُه، ونَسْتَعِينُه ونَسْتَهْدِيهِ ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ به مِنْ شُرُورِ أنفُسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأَشْهَدُ أنَّ محمدًا عَبْدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحابَتِه، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٢ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾ [آل عمران: 102-103].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ٧٠ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
عِبَادَ الله:
إِنَّ الشَّبَابَ هُمْ أَسَاسُ الْـمُجْتَمَعِ، وعُمْدَتُهُ، وقَاعِدَتُهُ، وهُمْ رِجَالُ الْـمُسْتَقْبَلِ، ودُعَاتُهُ؛ ولِذَلِكَ يَسْعَى أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ عَامَّةً، وأَعْدَاءُ هذه الْبِلَادِ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، إِلَى تَوْجِيهِ السِّهَامِ الْـمَسْمُومَةِ خَاصَّةً إِلَى الشَّبَابِ؛ فَهُمْ يَعْلَمُونَ يَقِينًا أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ مُسْلِمَةٍ وغَيْرِ مُسْلِمَةٍ، هِيَ بِشَبَابِهَا وشَابَّاتِهَا، فَإِذَا كَانُوا عَلَى قَدْرٍ مِنَ الْوَعْيِ والْإِدْرَاكِ والصِّلَةِ الْوَثِيقَةِ بِعَقِيدَتِهِمْ ودِينِهِمْ؛ فَإِنَّ أُولَئِكَ الْأَعْدَاءَ لَنْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُؤَثِّرُوا عَلَيْهِمْ، ولَا أَنْ يَصِلُوا إِلَيْهِمْ، ولَكِنْ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ خِلَافَ ذَلِكَ كَانَ الشَّبَابُ فَرِيسَةً سَهْلَةً في أَيْدِي هَؤُلَاءِ.
وَهَؤُلَاءِ الْأَعْدَاءُ يَنْشَطُونَ، ويَعْمَلُونَ بِكُلِّ جِدٍّ دُونَ كَلَلٍ أَوْ مَلَلٍ؛ لِإِبْعَادِ شَبَابِنَا عَنْ كُلِّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْفَضْلِ والْخَيْرِ؛ فَيُحَقِّقُوا بِذَلِكَ أَهْدَافَهُمْ وأَضَالِيلَهُمْ وشُبُهَاتِهِمْ بِطَرِيقَةٍ نَرَاهَا ونَشْهَدُهَا عَبْرَ وسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْـمُخْتَلِفَةِ؛ وخاصةً مَا يُسَمَّى بـ«وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الطُّرُقِ والْوَسَائِلِ الَّتِي تُسْتَغَلُّ في هذا الْـمَجَالِ، وإِنَّنَا لِكَيْ نُوجِدَ الْعِلَاجَ النَّاجِعَ والدَّوَاءَ الشَّافِيَ الْكَافِيَ والطَّرِيقَ الَّذِي مِنْ خِلَالِهِ نَحْمِي شَبَابَنَا بِشَكْلٍ عَامٍّ، وأَفْكَارَهُمْ بِشَكْلٍ خَاصٍّ مِنْ هَذِهِ الِانْحِرَافَاتِ، لَا بُدَّ أَنْ نَقِفَ عَلَى مَوَاطِنِ الْخَلَلِ والنَّقْصِ، ونَبْحَثَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ سَبِيلِ النَّجَاةِ، والْعَاصِمِ مِنَ الْوُقُوعِ في هذه الْأَضْرَارِ والْـمَخَاطِرِ الْـمُهْلِكَةِ، ويُمْكِنُ لَنَا أَنْ نَسْتَبِينَ ذَلِكَ، ونَسْتَخْلِصَهُ ونَضَعَهُ أَمَامَ أَعْيُنِنَا في كُلِّ وقْتٍ.
وَلِلْحِفَاظِ عَلَى شَبَابِنَا وأَبْنَائِنَا الَّذِينَ هُمْ فَلَذَاتُ أَكْبَادِنَا لَا بُدَّ لَنَا أَنْ نُرَاعِيَ أَنْ يُؤَسَّسَ الشَّبَابُ ويُرَبَّى عَلَى قَوَاعِدَ ثَلَاثَةٍ:
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى:
الِاعْتِصَامُ بِكِتَابِ اللهِ، وسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ؛ وذَلِكَ بِأَنْ نُرَبِّىَ الشَّبَابَ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَائِدُهُمْ وقَائِدُهُمْ ودَلِيلُهُمْ ومُوَجِّهُهُمْ هُوَ كِتَابَ اللهِ وسُنَّةَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ لَنْ تَعِزَّ، ولَنْ تَنْتَصِرَ، ولَنْ تُنْصَرَ، إِلَّا إِذَا أَدْرَكَتْ هَذِهِ الْـحَقِيقَةَ، وعَمِلَتْ بِهَا، وقَامَتْ عَلَيْهَا قِيَامًا قَوْلِيًّا وفِعْلِيًّا؛ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي الْقَوْلُ والرَّأْيُ عَنِ الْعَمَلِ والتَّطْبِيقِ؛ فَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ يَهْدِي إِلَى الْـحَقِّ، وإِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْومُ ويُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 9] ، وهُوَ حَبْلُ اللهِ الْـمَتِينِ، ونُورُهُ الْـمُبِينُ، وصِرَاطُهُ الْـمُسْتَقِيمِ؛ فِيهِ خَبَرُ مَنْ قَبْلَنَا، وحُكْمُ مَا بَيْنَنَا، ونَبَأُ مَنْ بَعْدَنَا؛ لَا يَخْلُقُ بِكَثْرَةِ الرَّدِّ، ولَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ.
وَإِنْ مِمَّا يَدْعُو لِلْحُـزْنِ والْأَسَى في هَذِهِ الْأَيَّامِ هَـجْرَ كِتَـابِ اللهِ، والِابْتِعَــادَ عَنْـهُ؛ اسْمَعُـوا عِبَــادَ اللهِ إِلَى قَــوْلِ الْإِمَــامِ ابْـنِ الْقَـيِّمِ رحمه الله في قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿وقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: ٣٠] ؛ قال: إِنَّهُمْ تَرَكُوا الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ، وأَعْرَضُوا عَنْهُ قِرَاءَةً، وتَأَمُّلًا، وفَهْمًا لِمَعَانِيهِ، ومَقَاصِدِهِ، واسْتِشْفَاءً بِهِ، فَأَصَابَهُمُ الذُّلُّ، والْهَوَانُ، والْخُسْرَانُ، وكُلُّ مَا يَحْدُثُ هُوَ بِسَبَبِ أَنَّهُمُ ابْتَعَدُوا عَنْ كِتَابِ اللهِ عز وجل، ومَا أَعْظَمَهُ مِنْ كِتَابٍ!! أَنْزَلَهُ اللهُ عز وجل عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِيَكُونَ دَلِيلًا وهَادِيًا لَهُمْ في الدُّنْيَا، وفِى الْآخِرَةِ.
وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ بَيَانًا شَافِيًا كَافِيًا أَنَّ سُنَّتَهُ هِيَ والْقُرْآنُ تُمَثِّلَانِ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ؛ فَقَالَ في الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَدًا كِتَابَ اللهِ وسُنَّتِي».
يقولُ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه: تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ومَا طَائِرٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا عِنْدَنَا مِنْهُ عِلْمٌ؛ ولِذَلِكَ لَمْ يَنْتَقِلِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، إِلَّا وقَدْ بَيَّنَ لِلْأُمَّةِ مَا تَحْتَاجُهُ في مَعَاشِهَا ومَعَادِهَا؛ في مَآكِلِهَا ومَشَارِبِهَا، ومَنَاكِحِهَا، ومَلَابِسَهَا، وأَخْذِهَا، وعَطَائِهَا، وبُيُوعِهَا، وشِرَائِهَا، وأَقْوَالِهَا، وأَفْعَالِهَا، وذَهَابِهَا، ومَجِيئِهَا.
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ:
مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتَنِيَ بِهَا، وأَنْ نُبْرِزَهَا ونُظْهِرَهَا لِحِمَايَةِ الشَّبَابِ مِنَ الْأَفْكَارِ الْهَدَّامَةِ، لُزُومُ مَنْهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، ومَنْهَجُ السَّلَفِ الصَّالِحِ لَيْسَ بِدَعًا مِنَ الْقَوْلِ، أَوْ مَنْهَجًا جَاءَ مِنَ الشَّرْقِ، أَوْ مِنَ الْغَرْبِ، أَوْ وفَدَ عَلَيْنَا مِنْ أَيَّة جِهَةٍ كَانَتْ؛ إِنَّمَا هُوَ الْـمَنْهَجُ الَّذِي أَقَرَّهُ وسَارَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصَحَابَتُهُ والتَّابِعُونَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.
مَنْهَجُ السَّلَفِ الصَّالِحِ مَنْهَجٌ حَكِيمٌ قَوِيمٌ مَتِينٌ قَوِيٌّ؛ لَهُ مِنَ الْـمَحَاسِنِ والْإِيجَابِيَّاتِ والْـمُمَيِّزَاتِ مَا لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُ ولَا عَدُّهُ، ومَنْهَجُ السَّلَفِ الصَّالِحِ هُوَ الْـمَسِيرَةُ عَلَى مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ ورَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك يَقُولُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رحمه الله: «أَهْلُ السُّنَّةِ والْجَمَاعَةِ الَّذِينَ هُمُ السَّلَفُ الصَّالِحُ - انْتَبَهُوا إِلَى هَذِهِ الْـمَقُولَةِ - يَتَّبِعُونَ الْـحَـقَّ ويَرْحَمُونَ الْخَلْقَ»؛ يَتَّبِعُونَ الْـحَقَّ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ ورَسُولُـهُ صلى الله عليه وسلم، ويَرْحَمُونَ الْخَلْقَ؛ لِأَنَّهُمْ في دَعْوَتِهِمْ وأَقْوَالِهِمْ وأَفْعَالِهِمْ، وكْلَّ شُؤونِهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُونَ هِدَايَةَ النَّاسِ، واسْتِجْلَابَهُمْ وإِنْقَاذَهُمْ مِمَّا قَدْ يَحْصُلُ لَهُمْ فِيمَا لَوِ ابْتَعَدُوا عَنْ هذا الطَّرِيقِ.
وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْـمُتَأَمِّلَ في حَالِ السَّلَفِ الصَّالِحِ يَرَى الْعَجَبَ الْعُجَابَ في حُسْنِ التَّعَامُلِ، ولَطَافَةِ الْكَلَامِ، وبَشَاشَةِ الْوَجْهِ والِابْتِسَامَةِ والرِّفْقِ واللِّينِ، وكُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَثَرٌ إِيجَابِيٌّ فَاعِلٌ عَمِيقٌ عَلَى الْقُلُوبِ وعَلَى النُّفُوسِ لِمَاذَا؟ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَيِ: السَّلَفُ الصَّالِحُ، ومَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ أَنَّمَا هُمْ مُبَلِّغُونَ ومُرْشِدُونَ، لَا يَمْلِكُونَ إِلَّا ذَلِكَ.
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ:
مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا وِقَايَةٌ وحِمَايَةٌ لِلشَّبَابِ وأَفْكَارِهِمْ مِنْ تَأْثِيرِ الْأَفْكَارِ الْهَدَّامَةِ لُزُومُ جَمَاعَةِ الْـمُسْلِمِينَ وإِمَامِهِمْ؛ وهَذَا اللُّزُومُ لَيْسَ خِيَارًا، ولَيْسَ مَتْرُوكًا لِلِاجْتِهَادِ؛ لَا لِلْأَفْرَادِ ولَا لِلْجَمَاعَاتِ، وإِنَّمَا هُوَ واجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَلْزَمَ جَمَاعَةَ الْـمُسْلِمِينَ وإِمَامَهُمْ.
أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْـجَمَاعَةِ؛ فَالْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ ومُتَنَاثِرَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل؛ وهي مُحْكَمَةٌ واضِحَةٌ صَرِيحَةٌ؛ لَا مُتَشَابِهَ فِيهَا؛ وأَولُ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ هُو قَوْلُ اللهِ عز وجل: ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولَا تَفَرَّقُوا واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوانًا وكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [سورة آل عمران: 103].
قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ: إِنَّ الْـمَقْصُودَ بِحَبْلِ اللهِ في هَذِهِ الْآيَةِ الْقُرْآنُ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْـمَقْصُودَ بِحَبْلِ اللهِ هُنَا هُوَ الْجَمَاعَةُ.
وثَانِيهَا: قَوْلُ اللهِ عز وجل: ﴿ولَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ((31)) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 31، 32]، الله عز وجل في هَذِهِ الْآيَةِ يُحَذِّرُنَا مِنَ الْـمَصِيرِ إِلَى طَرِيقِ ومَنْهَجِ الْـمُشْرِكِينَ، ومَا هُوَ طَرِيقُهُمُ الَّذِي حَذَّرَنَا مِنْهُ الله عز وجل؟ هُوَ أَنَّهُمْ يَتَحَزَّبُونَ ويَتَشَيَّعُونَ وتَجِدُهُمْ فِرَقًا وتَنْظِيمَاتٍ واتِّجَاهَاتٍ.
وثَالِثُهَا: قَوْلُ اللهِ عز وجل: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وصَّى بِهِ نُوحًا والَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ومَا وصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ ومُوسَى وعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: 13].
فَدِينُ الْأَنْبِيَاءِ جَمِيعًا وخاصةً ذَوِي الْعَزْمِ مِنْهُمْ في التَّوْحِيدِ وإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّـهِ عز وجل دينٌ واحِدٌ، وإِنِ اخْتَلَفُوا في الشَّرَائِعِ؛ ولِذَلِكَ فَإِنَّ دِينَ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِي وصَّاهُمُ اللهُ بِهِ هُوَ أَنْ يُقِيمُوا الدِّينَ ولَا يَتَفَرَّقُوا فِيهِ؛ يُقِيمُوهُ بِإِقَامَةِ التَّوْحِيدِ الصَّادِقِ الْخَالِصِ النَّقِيِّ مِنَ الشِّرْكِ والْبِدَعِ والْخُرَافَاتِ.
أَمَّا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ:
فالأحاديثُ الصَّحِيحَةُ الثَّابِتَةُ في ذَلِكَ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أحمدُ في «مُسْنَدِهِ» عَنْ أَبِي الْـحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: بِالْـجَمَاعَةِ، والسَّمْعِ، والطَّاعَةِ، والْهِجْرَةِ، والْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ، ومَنْ دَعَا بِدَعْوى الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُو مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وإِنْ صَامَ، وإِنْ صَلَّى؟ قَالَ: «وإِنْ صَامَ، وإِنْ صَلَّى، وزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَادْعُوا الْـمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ بِمَا سَمَّاهُمُ اللهُ عز وجل الْـمُسْلِمِينَ، الْـمُؤْمِنِينَ، عِبَادَ اللهِ عز وجل».
وَأَخْرَجَ أيضًا في «مُسْنَدِهِ» عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وعَصَى إِمَامَهُ، ومَاتَ عَاصِيًا، وأَمَةٌ أَوْ عَبْدٌ أَبَقَ فَمَاتَ، وامْرَأَةٌ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، قَدْ كَفَاهَا مُؤْنَةَ الدُّنْيَا فَتَبَرَّجَتْ بَعْدَهُ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ؛ أَيَّ: إِنَّهُمْ وقَعُوا في الشَّرِّ وفِي الِانْحِرَافِ الْـمُؤَدِّي بِهِمْ إِلَى الْهَلَاكِ.
وَرَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَاكُمْ وأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ واحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أو يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ».
وعِندَهُ أيضًا: «إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ».
يَقُولُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رحمه الله تَعَالَى: «وَإِنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ طَائِفَةٌ خَرَجَتْ عَلَى ذِي سُلْطَانٍ، وإِنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ جَمَاعَةٌ خَرَجَتْ عَلَى ذِي سُلْطَانٍ إِلَّا وكَانَ مَا نَتَجَ عَنْ خُرُوجِهَا مِنَ الْـمَفَاسِدِ أَعْظَمَ مِنَ الْـمَفَاسِدِ الَّتِي خَرَجَ الْخَارِج بِسَبَبِهَا».
وَإِنَّ مَا نَرَاهُ الْيَوْمَ ونُشَاهِدُهُ مِنْ بَعْضِ مَنِ ارْتَحَلُوا أَفْكَارًا هِيَ أَبْعَد مَا تَكُونُ عَمَّا قَرَّرْنَاهُ وحَقَّقْنَاهُ وبَيَّنَّاهُ مِمَّا جَاءَ في كِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وفَهِمَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ سُوءًا؛ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ جَمَاعَةِ الْـمُسْلِمِينَ بِأَقْوَالٍ وأَفْعَالٍ وطُرُقٍ كَانَتْ سَبَبًا لِضَعْفِ الْأُمَّةِ وهَوَانِهَا ورُجُوعِهَا إِلَى الْوَرَاءِ.
وَإِنَّنَا في هَذِهِ الْبِلَادِ؛ بِلَادِ الْـحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وقِبْلَةِ الْـمُسْلِمِينَ، ومَهْوَى أَفْئِدَتِهِمْ، ومُتَطَلَّعِهِمْ، والْـمُعِينَةِ لِقَضَايَاهُمْ، والنَّاصِرَةِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ في مَشَارِقِ الْأَرْضِ ومَغَارِبِهَا.
جَمَاعَتُنَا قَوِيَّةٌ مَتِينَةٌ مُهَابَةُ الْجَانِبِ؛ لَهَا حُقُوقُهَا، وعَلَيْهَا واجِبَاتُهَا، وعَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ دِرْعًا ورِدْءًا لَهَا، وألا نُعِينَ عَلَى نَهْشِهَا، أو التَّأْثِيرِ عَلَيْهَا، أَوِ النَّخْرِ في جَسَدِهَا، وأَنْ نُدْرِكَ إِدْرَاكًا تَامًّا أَنَّ الْـحَاسِدِينَ والْـمُبْغِضِينَ لِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ لَنْ يَدَّخِرُوا وُسْعًا، ولَنْ يَتْرُكُوا طَرِيقًا إِلَّا ويَسْلُكُوهُ لِلنَّيْلِ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، وهَذِهِ الْوَحْدَةِ الْقَوِيَّةِ.
وَلُزُومُ إِمَامِ الْـمُسْلِمِينَ يَكُونُ بِبَيْعَتِهِ والسَّمْعِ والطَّاعَةِ لَهُ في غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ عز وجل.
والدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُ اللهِ عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]؛ فَالْـمَقْصُودُ بـ «أُولِي الْأَمْرِ» هُنَا: الْأُمَرَاءُ والْـحُكَّامُ والْعُلَمَاءُ، وقِيلَ: إِنَّ الْـمَقْصُودَ بِهِ هُمُ الْـحُكَّامُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا ثَبَتَ في الْأَثَرِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: «بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا ومَكْرَهِنَا، وعُسْرِنَا ويُسْرِنَا وأَثَرَةً عَلَيْنَا، وأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَواحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ».
أَيُّهَا الْـمُؤْمِنُون:
لَا بُدَّ مِنَ الِانْتِبَاهِ والْوَعْيِ لِشَبَابِنَا، والْـحِرْصِ عَلَى تَنْقِيَةِ أَفْكَارِهِمْ ومُعْتَقَدَاتِهِمْ مِنْ كُلِّ مَا يُضِلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ، وإِرْشَادِهِمْ إِلَى هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي تَحَدَّثْنَا عَنْهَا، وإِنَّهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ مَتَى تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ الْـحَصِينَةِ، لَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ مِنَ الْأَعْدَاءِ مَهْمَا بَلَغَتْ قُوَّتُهُ ومَهْمَا عَظُمَتْ أَدَوَاتُهُ أَنْ يَنْفُذَ بِسِهَامِهِ الْخَبِيثَةِ الْـمَسْمُومَةِ إِلَى عُقُولِهِمْ؛ فَيُصِيبَ عَقَائِدَهُمْ، أَوْ يُؤَثِّرَ عَلَى أَفْكَارِهِمْ.
عِبَادَ اللهِ:
صَلُّوا وسَلِّمُوا على خَيْرِ عبادِ اللهِ، الرحمةِ المُهداةِ، والنِّعْمَةِ المُسْدَاةِ، محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وزِدْ وبارِكْ على نَبِيِّنا محمدٍ، وارْضَ اللهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين، وصَحابَتِه الغُرِّ المَيَامِينِ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أعداءَ الدِّينِ، اللهم اجْعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وسائِرَ بلادِ المسلمينَ.
اللهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنا، وأَصْلِحْ أئِمَّتَنا ووُلَاةَ أُمُورِنا، اللهُمَّ وفِّقْ ولِيَّ أَمْرِنا خَادِمَ الحرمينِ الشريفينِ سلمانَ بنَ عبدِ العزيزِ ووليَّ عَهْدِه الأمين بتَوْفِيقِكَ، واكْلَأْنَا وإيَّاهُمْ بِعِنَايَتِكَ ورعايتِكَ، وأَلْبِسْنا وإيَّاهُمْ ثَوْبَ الصِّحَّةِ والعافيةِ، وزِدْنا وإيَّاهُمْ عِزًّا ونَصْرًا وتمْكِينًا وقِيامًا بكِتَابِكَ وبسُنَّةِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم ، وما كَانَ عليه سَلَفُ هذه الأمةِ.
اللهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنا البَوَاسِلَ، ورِجَالَ أَمْنِنا دَاخِلَ البلادِ، وعلى الحدودِ والثُّغُورِ، وفي وسط البلادِ، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ ومَكِّنْ لهمُ، اللهُمَّ ثَبِّتْ قلوبَهُمْ، وارْبِطْ على جأشِهِمْ، واخْذُلْ عَدُوَّهُمْ، وزِدْهُمْ قُوَّةً وبصيرةً، واحْفَظْنَا وإيَّاهُمْ مِنْ بَيْنِ أيْدِينا ومِنْ خَلْفِنا، وعنْ أَيْمَانِنَا، وعَنْ شَمَائِلِنَا، ومِنْ فَوْقِنا، ونَعُوذُ بِكَ أنْ نُغْتَالَ وإيَّاهُمْ مِنْ تَحْتِنا.
اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشقاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشَمَاتَةِ الأعداءِ، وغَلَبَةِ الدَّيْنِ، وقَهْرِ الرجالِ. اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ، والهَمِّ والحَزَنِ والكَسَلِ، اللهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ، لا يَهْدِي لِأَحْسَنِها إلَّا أنتَ، واصْرِفْ عنَّا سَيِّئَها، لا يَصْرِفُ عنَّا سَيِّئَها إلَّا أنتَ، اللهُمَّ زِدْنَا تَوْفِيقًا وعِلْمًا، وارْزُقْنَا الإخلاصَ والاحْتِسَابَ في القولِ والعَمَلِ، واحْفَظْ بِلادَنا، وأَدِمْ أَمْنَنَا، ورَغَدَ عَيْشِنا، واسْتِقْرَارَنا، وأَبْعِدْ عنَّا كلَّ حاسدٍ وحاقدٍ وفاسِدٍ.
وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ على نَبِيِّنا محمدٍ.