عباد الله:
إن العناية بكتاب الله ـ تبارك وتعالى ـ قراءة وحفظا وتدبرا وتفكرا من شرائع الله التي حث الله ـ جل
وعلا ـ عليها، وأمر بها، ورتب عليها ثوابا كثيرا.
فخير الناس بشهادة خير الناس ـ صلى الله عليه وسلم ـ «من تعلم القرآن وعلمه».
و«مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة؛ لا ريح لها، وطعمها حلو».
«والذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو عليه شاق ويتتعتع فيه له أجران» .
و«الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» ـ عافانا الله وإياكم من هذا الوصف .
عباد الله:
لقد جاء الترغيب في قراءة كتاب الله ـ جل وعلا ـ على نوعين:
الأول: الترغيب في قراءته مطلقا؛ فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله تبارك وتعالى عنه ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: «آلم» حرف؛ ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»، خرجه الترمذي، وهو حديث حسن.
وعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال: «خرج علينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونحن في الضفة فقال: أيكم يحب أن ينطلق إلى بطحان أو العقيق فيأتي بناقتين من غير إثم أو قطيعة رحم». فقالوا: يا رسول الله، كلنا يحب ذلك. فقال ـ عليه الصلاة والسلام : «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيقـرأ آيتين مـن كـتـاب اللـه خـيـر لـه مـن ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير من أربع وأعدادهن من الإبل»، خرجه مسلم.
وعن أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه».
فهذا طرف يسير مما جاء في الترغيب في قراءة كتاب الله - سبحانه وتعالى - فإذا سمعه المسلم تعيّن عليه أن يسارع وأن ينافس في قراءة كتاب الله ـ جل وعلا ــ آناء الليل وأطراف النهار، وأن يعمر وقته بقراءة كتاب الله ـ جل وعلا ـ؛ فبقراءته يحصل الثـواب الكثير، وبقراءته تسلم النفس مـن عقـدها وأدوائها؛ «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» [الرعد: ۲۸]، وبقراءته ينكف المسلم عن كثير من المحرمات اللفظية وعن كثير من المباحات اللفظية التي يُستغنى عنها ولا ينتفع بها.
إن العجب ـ يا عباد الله ـ من أُناس جعلوا على أنفسهم فرضا كل يوم يقرؤون الصحف والمجلات، وإذا راقبتهم في كتاب الله ـ جل وعلا ـ وجدتهم قد فرطوا أيما تفريط؛ تمضي عليهم الأسابيع والشهور ـ بـل والـسنوات!! ـ لا يقرؤون من كتاب الله - جل وعلا ـ إلا شيئا يسيرا، وهؤلاء مغبونـون؛ قد فرطوا في ثواب كبير، ووقعوا في رزية عظيمة.
أما النوع الثاني من أنواع الترغيب في قراءة كتاب الله ـ تبارك وتعالى ـ؛ فهو الترغيب في قراءة سور معينة وآيات معينة، ينبغي للمسلم أن يقرأها دوما، وأن يحافظ عليها.
فمن ذلك: ما جاء في (صحيح البخاري) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ قال: «أيعجز أحدكم أن يقرأ بثلث القرآن في ليلة؟» فشق ذلك على أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالوا: يا رسول الله، أينا يطيـق ذلـك؟! فقـال ــ عليه الصلاة والسّلام ـ: «(قل هو الله أحـد * الله الصمد) تعدل ثلث القرآن»، يعني أن ثواب قراءتها يعـدل ثواب قراءة ثلث القرآن، وهـذا مـن فضل الله - تعالى - وتيسيره وثبت ـ أيضا ـ عنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ أنه قال: «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة؛ كفتاه»: قيل : كفتاه المكروه في تلك الليلة، وقيل: كفتاه قيام الليل.
وأخرج أبو الشيخ وغيره بسند حسن أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم - قال: «سورة الملك هي المانعة من عذاب القبر».
فاحرصوا على مثل هذه السور والآيات، واقرؤها دوما وأبدا؛ لتستفيدوا دينا ودنيا.
أيكم ـ يا عباد الله ـ يحب أن لا يُكتب من الغافلين، وأيكم ـ يا عباد الله ـ يحب أن يُكتب من القانتين؟!
ثبت عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في (مستدرك الحاكم) وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قرأ عشر آيات في ليلة؛ لم يُكتب من الغافلين».
وفي (صحيح ابن خزيمة) و(مستدك الحاكم) وغيرهـمـا بسند جـيـد عـن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قرأ في ليلة مائة آية؛ كُتِب من القانتين».
عباد الله:
احذروا هجر كتاب الله - تبارك وتعالى -؛ فإن هجر كتاب الله ـ تبارك وتعالى - مصيبة عظيمة ورزية كبيرة يربأ عنها كل مؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يقع فيها إلا مغبون.
وهجر كتاب الله يكون بهجر قراءته والتدبر والتفكر في معانيه، ويكون بهجر استماعه، ويكون بهجـر الاستشفاء والتداوي به، ويكون بهجر التحاكم إليه في كل صغيرة وكبيرة؛ فكل ذلك داخـل تحـت قـول الله ـ تبارك وتعالى ـ : «وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا» [الفرقان: 30] .
فاعمروا أوقاتكم بقراءة كتاب الله ـ جل وعلا ، وحثوا أهلكـم وأولادكـم عـلى ذلك؛ تغنمـوا خـيـري الـدنيا
والآخرة.