مجاهدة النفس

الشيخ محمد السبيل

الحمد لله الذي وهب السعادة لأوليائه المتقين، وقضى بالذلة والهوان على أعدائه العاصين، أحمده سبحانه وأسأله التوفيق والهداية، وأستعيذ به من أسباب الهلاك والغواية، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، إله العالمين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى، فإنه لا عز ولا كر امة إلا بتقواه، وإن الخسار والهلاك لمن خالف أمره وعصاه.

عباد الله: لقد تراكمت علينا الذنوب، وعميت البصائر، وعمت الغفلة والركون إلى هذه الدنيا، فقست القلوب، وفسدت الضمائر. فنحن في اللذات هائمون، وإلى الشهوات متسابقون، وفي التكاثر منهمكون، وعن طاعة الله غافلون، وعما يراد بنا لا هون: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [الأنبياء: 1، 2].

عباد الله: أليس الموت نهاية كل حي؟ أليس القبر مسكننا بعد الموت؟ هل هناك مؤنس لك فيه سوى عملك إن كان صالحا؟ أليس الحساب أمامنا؟ أليس المنتهى الجنة أو النار؟ فما بالنا نخوض غمار الذنوب والمعاصي؟ وفقد بيننا التناصح والتواصي؟ لقد أصبحت المحبة فينا من أجل الدرهم والدينار، والتقدير والاحترام لذوي الغنى واليسار، المستقيم في دينه والمتمسك بسنة نبيه بيننا مستثقل، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر-إن وجد- فهو مستكره ممقوت. أليست هذه علامة الشقاء؟ ودليلا على موت القلوب؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله.

عباد الله: إن الله-عز وجل- خلقنا لعبادته، ورزقنا من الطيبات لنقدم بشكره، والشكر بأداء حقوقه الواجبة علينا بمجاهدة النفس في ذات الله، في أداء عبادته، في البعد عن محرماته، في تحقيق التوحيد والإخلاص في العمل، في تحقيق المتابعة لهدى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في العمل بكتاب الله، وسنة رسوله.

عباد الله: لو تفقد كل إنسان منا نفسه، وعرض عمله على أوامر الشريعة ونواهيها، لا تضح له تقصيره، وتبين له مصيره، فهل حققنا إيماننا فتوكلنا على الله حق توكله؟! وهل اتصفنا بحقيقة العبودية فأخلصنا العمل لوجهه سبحانه؟! وعبدناه حق العبادة واتبعنا رضوانه؟! هل ما نحن عليه اليوم يرضى به المؤمنون؟! أو يقره المصلحون؟! أليس الكثير منا قد استخفوا بدينهم؟! واستخفوا بأعظم واجب من واجبات الدين وهو الصلاة التي هي عماد الدين، وهي الصلة بين العبد وربه؟!.

أليس الحياء شعبة من شعب ديننا وقد فارقه كثير من الشبان والشابات بتشبه كل منهما بالآخر؟! أليست النساء تخرج بين الرجال الأجانب بغير حياء ولا وجل تجوب الشوارع بلباس الخزي والعار؟! تثير الفتن، وتجلب المحن، على نفسها وعلى غيرها؟! أين الأولياء وغيرتهم؟! أهذه تربية إسلامية أم تربية غربية؟!

أليس الغش والخداع قد انتشرا وذاعا في أكثر المجتمعات؟! وهل من الدين الإسلامي أن يكون الرجل كذابا محتالا؟! أو مرائيا مختالا؟! أو مداهنا منافقا؟! هل من التربية الإسلامية أن يكون المرء نماما يسعى بين عباد الله بالفساد؟! يفرق بين المرء وزوجه؟! بين الصديق وصديقه، بين المسلم وأخيه المسلم؟! هل المسلم يكون لعانا طعانا بذيء اللسان؟! أليس يروى عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء » ؟!

هل من الدين أن يرى المسلم أخاه على منكر فلا يغيره، ولا ينهاه عن المنكر، ولا يأمره بالمعروف ويخوفه بالله؟!

فاتقوا الله عباد الله، وتدبروا كتاب ربكم، واتبعوا سنة نبيكم، واعملوا لآخرتكم قبل فوات الأوان، قبل الندم على التفريط في سالف الأزمان، وعدم القدرة على التوبة والاستغفار. قبل: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر: 56، 58].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

.

.

.

الخطبة الثانية:

الحمد لله العلي الكبير، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه، وأسأله المزيد من فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

واعلموا عباد الله، أن هذه الدنيا دار ممر، وليست بدار مستقر، وأن الآخرة هي دار القرار، فتزودوا من ممركم لمستقركم، ولا تغرنكم الحياة الدنيا بزينتها وزخرفها، ولا يغرنكم بالله الغرور. واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.